تحرر المرأة ومرايا التشويه



فاتن نور
2005 / 1 / 1

من منا لم يقف امام احدى تلك المرايا المشوهه للصورة البدنية والمتواجدة في ملاهي التسلية للصغار والكبار وحتى في بعض المحلات التجارية،وإن كان هناك من لم يتسنى له الوقوف امام واحدة فبلاشك قد سمع عنها،تلك المريا التي تمط بدنك لتقهقه حين ترى نفسك بدينا وربما تحمد الله على كونك نحيل،والعكس صحيح! ،او تجعلك متعرجاً بأنعطافات نحو اليمين والشمال فتضحك وكأنك لم ترى أبداً اي نوع من الأنعطافات في حياتك! قد يستطيل الذقن أو يقصر ، يتفلطح الوجة او يتقعر، ربما يتحدب أو يتكور!
والنتيجة واحدة طبعاً وهي الضحكة أو على أقل تقدير الأبتسامة،تلك المرايا تشوه أبداننا ونحن نقف أمامها لهذا الغرض وذلك للشعور ببعض أرتياح،بالتاكيد هي غير قادرة إلا على تشويه الشكل الظاهري أو الفيزيائي للبدن، من يستطيع أن يشوه جوهر الأشياء؟ تلك المرايا الزئبقية لا تستطيع،اختصاصها الشكل الظاهري فقط،هناك مرايا من نوعٍ آخر قادرة على تشويه الحقائق ورطمها ببعضها لتقذف الخطأ صواباً والصواب خطئا ،تلك المرايا لا تراها في الملاهي ولا في الأسواق، هي مرايا خاصة لا تعلق على الأعمدة والجدران بل تعلق في القبو الموجود داخل الجمجمة ، نعم هناك من لديهم حيز من الفراغ داخل أدمغتهم لاستيعاب مختلف أنواع المرايا المشوهة فتراها تستقطب الحقيقة لتنتفها وتذريها ريشا مغبرة ثم تعكسها كاملة الغبرة المصطنعة بأدوات التحجر في وجوه ناطقيها،بلى هناك من يحمل تلك المرايا الشيطانية المشوهة لكل ما هو معقول ويخدم الأنسانية،
سيكون المثال هنا حرية المرأة والمنادون بها من كلا الجنسين ، لنرى كيف سيكون التشوية:
لنبدأ بالرجال أولا( السيدات أولا لا تعجبني كثيرا حيث لا نراها عمليا إلا في توافه الأمور للأسف): هناك وفرة والحمد لله من الرجال المنادين بشدة لعتق المرأة من التكبيل الأجتماعي العام بكل اعتبارته المتلونة والقضاء على كافة اشكال التمييز ضدها،تلك الوفرة تتضمن شرائح مختلفة في محاور الثقافة والأنتماء السياسي والريادة الأجتماعية وحتى الإنصهار الديني.. والخ.. فهي وفرة تحتمل كل المستويات، التشويه لهؤلاء الأفاضل على قدم وساق وبتلك المرايا المشوهه كما ذكرت، فالرجال المنادون لحرية المرأة ليس في عقولهم شيء تماما سوى محاولة تسخير المرأة وترخيصها في كل المجالات اللاأخلاقية ،من أستثمارها في مجال الدعاية التجارية الرخيصة الى تسخيرها في افلام الأباحة ووووو. .. فمن ينادي من الرجال لحرية وتحرر المرأة هو مبتذل وله نوايا التسخير والتعطير والتجبير السيء التي تقع في ملف واحد وهو استثمار المرأة جسديا!!!!حسنأ لنكن مع تلك المرايا.. ولكن لنسأل: هل لا يخشى أولئك الرجال المنادون من أن تمتد يد التسخير بالمناداة لحرية المرأة لتشمل نساءهم طالما هي حملة لتسخير النساء لا لتحريرهن؟ أم أولئك الرجال وصلوا الى أعلى درجة من الأبتذال بحيث سيفسحوا لطوفان التسخير بأن يجتاح نساءهم!؟ وطبعا تلك المرايا تعكس الصورة على أنها دفاعا عن كرامة المرأة وعزتها ولا يدركون انه بمجرد القول بأن المطالبين لتحررها هم بالحقيقة مطالبين لتسخيرها لا يدركون بأن ذلك القول هو صفعة لكرامة المرأة!! هم ينظرون الى النساء وكأنهن دمى يتم تسخيرها وتعجينها وخبزها كما شاء الرجال، ينتقصون من كرامة المرأة من حيث لا يدرون بمفردات التسخير والأستثمار وكأن المرأة لا حولة لها ولا قوة، لا رأي ولا أعتبار حيث سيتربص لها المستثمرون لأغراض التسخير!!! لم لا يفهم أولئك بان هناك الرجل الذي يسمح لنفسه التسخير في أعمال لاأخلاقية شتى.. وبالمقابل هناك المرأة التي تسمح بتسخير نفسها.. ولا يخلو مجتمع من معطرات الفساد والأنحلال وأن أختلفت الصيغ فمنها المنشورة على الحبال ومنها المقنعة بألف قناع!!فليس هناك من يُسخِّر ومن يُسَخّر،بل هناك من يريد أن يكون في هكذا مجال بأرادتة ولأعتبارات كثيرة لا مجال لطرحها بلا هناك مجال لقذفها في وجه الكيان الأجتماعي الذي أخفق في توفير مقومات العيش للجميع وعجز في أمور أخرى!!
لنتأمل النساء المناديات لتحرر المرأة وكيف يشوهن بتلك المرايا:طبعاً من تنادي لتحرر المرأة بنظر حاملي تلك المرايا انسانة ليست على خلق، وهي تريد ان تُفتح لها الأبواب ويترك لها الحبل على الغارب لتفعل كل ما يشين، قد يقال عنها أنسانة أباحية وتود أن تنشر الفساد في المجتمع حيث أنها لاتحترم الكيان الأسري ولا تصبو إلا لتأسيس كيانات فاسدة لمجتمع ضال . الخلاصة ان المناداة لتحرير المرأة يراها أولئك المبدعون بمراياهم على انها مناداة للأبتذال والفساد، وطبعا للفساد وجوه عديدة إلا ان المقصود بنظر هؤلاء الفساد المتعلق بأخلاق المرأة و كيفية التعامل مع جسدها من جهة وتعامل الرجل معها من جهة اخرى،أقول لكل اصحاب تلك المرايا لو كان المقصود من تحرر المراة هو إفسادها وإفساد المجتمع ، فولله الموضوع لا يحتاج الى نضال و صراخ ومناداة وحملات ووو.. الخ، فالفساد موجود في كل بلد بلا إستثناء،حيث نراه في المدن المتحضرة مثلما نراه في القرى والأرياف، في مدن الهندوس وعابدي البقر مثلما نراه في مدن التكبير بأسم الله والصلاة للمطر ، هناك من تبيح نفسها بعباءة أو حجاب وهناك من تفعل وهي سافرة، ولدينا في بلداننا ألوان من الفساد قد يختلف عن الدول الغربية، حيث هناك الفساد المقنع والمشرّع والمعلب في الدهاليز المظلمة أضافة الى الوان من الفساد المغسول والمنشور على نكهات العلانية ،ومن منا لا يسمع يوميا قصص مختلفة عن حالات فساد وابتذال وضحالة أخلاقية؟ من يقول أن مجتمعاتنا خالية من الفساد؟ لنفهم بأن المرأة لا تحتاج للنضال إن ارادت ان تنحرف، فمثلما قلت هناك من هي وراء الجدران بنقابها وهي مُسخِرة نفسها لنمط او لآخر من انماط الأبتذال،المناداة لحرية المرأة ياأعزائي ليست فتح الأبواب للنساء ليخرجن من جحورهن الى الشوارع لأغراض التسخير الجسدي،هي مناداة لتسخير طاقات المرأة واقحامها في شتى المجالات للوقوف مع رفيقها الرجل لبناء مجتمع متحضر ولرفع جزء من العبء الملقى على اكتاف الرجال ، حرية المرأة ليست كعكة بالكريمة الشهية تقدم لها لتمضغها وتتكأ ثم ينال منها الرجل متخمة بالكريمة والأسترخاء، بل أنها كعكة المسؤولية العامة والمشاطرة في بناء ثوابت حقيقية لنهضة المجتمع بكل كوادره النسائية والرجالية،المرأة المتحررة يا أعزائي هي المرأة التي تسمو بنفسها فوق كل أغراءات الأبتذال فهي بآفاقها ودرايتها تستطيع أن تسخر قدراتها وطاقاتها المتنوعة بما يخدم ذاتها ويخدم اسرتها ومجتمعها، المتحررة هي من ستربي الأجيال لا تسمنهم فهي تعرف بفعالية عالية ماذا تعني تربية طفل وماذا يعني الطفل للمجتمع،وإن كان هناك خوف من أن تفقد المرأة أنوثتها في دخولها الى كافة القطاعات البنائية في المجتمع فخوف من هذا النوع ساقط اساسا لأن المراة الواعية والمتحررة تفتخر بأنوثتها وتعطرها بالعلم والمعرفة والدراية،المرأة المتحررة والمتسلحة بالمعرفة سوف ترتقي كثيرا عن أستمالة الرجل بجسدها، فالأستمالة الجسدية للنساء اللواتي لا يملكن إلا الجسد للمناورة به، تحرر المرأة هو للصالح العام وستبقى المرأة المتحررة أمٌ حنون، وزوجة مشاركة لزوجها مشاركة فاعلة وستكون فعاليتها لا في الفراش فقط! وقد يقوم البعض وبفعل تلك المرايا ايضا الى أدخال موضوع البناء البيولوجي الفطري للمرأة الذي لا يؤهلها للدخول في كل المجالات بثقل يوازي ثقل الرجل، والله تلك الفروقات البيولوجية نفسها لا تؤهل الرجل بأن يدخل كل المجالات الحياتية بثقل يوازي ثقل المرأة فالرجل لا يمكنه أداء مهمة الحمل ولا أداء مهمة الرضاعة، ومهام أخرى!!،أسال هؤلاء أي مهام لا تستطيع المرأة القيام بها؟أنها اليوم تعمل في المناجم، تقود الشاحنات، تغزو الفضاء ،تحارب وتجاهد، ونحن في زمن نشطت فيه الألة بأعلى التقنيات لتدحر الجهد العضلي! ياحبذا لو ترمى كل مرايا التشويه لتوضع بدلها مرايا التأمل والتعمق فنحن لا نحتاج الى التشويه بل الى التصحيح والى رمي المسؤوليات في وجه النساء ليقمن بدورهن الأجتماعي على كافة الأصعدة أما صعيد الأسرة وتربية الأبناء فله الأولوية ولكن بجهود المرأة والرجل أيضا وعلى حد سواء ولتكرم المرأة بتخصصها في أداء ما لا يستطيع الرجل ادائه بيولوجيا.. لننهض بمجتمعاتنا نهضة حقيقية وبجهود الكل لا الجزء ولندع سفسطة المرايا المشوهة جانباً.

فاتن نور
04/31/12