كلام عن المرأة القيادية



فينوس فائق
2012 / 1 / 27


قد يكون من المهم أن أشير هنا إلى أن أننا في هذا المقال لا نخص المرأة القيادية فقط على الصعيد السياسي، وإنما المرأة القيادية في كافة المجالات والميادين، الإجتماعية وعلى رأسها الأسرية، والصناعية، التربوية، التعليمية، الثقافية.. ألخ.. هذا لأننا نتطلع إلى مشاركة المرأة كقيادية في المجتمع إلى جانب الرجل ليس فقط في مجال السياسة وإنما في كافة المجالات الخدمية في المجتمع ومن واقع إيماننا بأن المجتمع يجب أن يدار ويتم قيادته من قبل الرجل والمرأة معاً..

بطبيعة الحال صفة (القيادي/ة) لا يحملها الإنسان، رجلاً كان أم إمرأة من لا شيء، لابد أن يتوفر على جملة من المزايا والصفات التي تجلعه يختلف عن الباقين ويعطيه صفة (قيادي/ة) لكن بمقتضى شروط ومزايا تتوفر في شخصيته كإنسان وفي تكوينه العقلي وإمكاناته التعليمية وقدراته الفكرية والإبداعية، إضافة إلى عوامل أخرى موضوعية كتقبل المجتمع ووعيه.. عليه نحن الآن لسنا بصدد المقارنة بين الإنسان العادي و الإنسان القيادي بشكل عام، و إنما بصدد الإجابة على سؤال وهو: ماذا تحتاج المرأة لكي تخترق المجال القيادي كإنسان؟ ماهو الفرق بينها وبين الرجل القيادي سواء في نفس المجال أم في مجالات مختلفة؟ وربما أهم من ذلك كله يجدر بنا أن نسأل لماذا لم تبرز لحد الآن لا في العراق بشكل عام ولا في كردستان بشكل خاص إمرأة قيادية تتوفر فيها جميع مواصفات القيادية؟
للإجابة على الأسئلة أعلاه خصوصاً إذا كان الحديث يخص مجتمع شرقي ومتخلف وقف الكثير من المقاييس مثل المجتمع العراقي، علينا بداية أن نركز على العوامل التي تمنع بروز إمرأة قيادية في هذا المجتمع، سواء عوامل ذاتية تخص المرأة نفسها، أوعوامل موضوعية وخارج المرأة نفسها وإرادتها، مثل العوامل التي تتحكم في تكوين شخصية المرأة في المجتمع، مثل التربية الأسرية، المجتمعية، الدينية والطابع العشائري/القبلي للمجتمع والموروث الثقافي والتربوي القائم على إبراز وتمجيد كل ماهو مذكر وتهميش كلماهو مؤنث..
مثل هذه المجتمعات التي تنعدم فيها الحرية الفردية بشكل عام، رجالا ونساءاً، والفرد لا يمتلك شخصية مستقلة كما هو سائد في باقي المجتمعات المتقدمة، تضيق فيها الحدود المسوح بها للفرد بتلقي التربية والثقافة والحدود التي يتحرك داخلها وينشط فيها ويحاول فيها الإبداع محدود بشكل قاسي، فحتى الرجل غير حر في ظل هذه الأنظمة المتخلفة وليس المرأة فقط.. فعلى سبيل المثال هنالك خطوط حمراء لا يجدر بالفرد أن يتجاوزها يفرضها الدين، الطابع القبلي والنظام العشائري للمجتمع، إضافة إلى القوانين التي تسنها الدولة بإعتمادها على الشريعة كمصدر أساس للتشريع.
بخلاف المجتمعات متقدم المتطورة في العالم، التي يحظى فيها الفرد بالرعاية والتطور، بغض النظر عن الجنس، على العكس تماماً في المجتمعات الشرقية المتخلفة التي تقاس الكثير من الأمور من خلال تقاليد وأعراف وقيود وقوانين تستمد روحها من روح الدين، المذهب الذي تحول إلى موروث إجتماعي أكثر منه ديني، والعادات والتقاليد القديمة المتوارثة التي إكتسبت صفة المقدس بمرور الزمن، هذا الشيء ينتج نوع من النمطية الجامدة في العقلية، إضافة إلى نوع من التخبط وعدم الإنتظام في التطور العقلي في ظل مثل هذه المنظومة المجتمعية السائدة..

فلو نظرنا إلى قضية أزمة الحضور النسوي في المواقع القيادية وتفحصناها بإعتمادنا على نتائج إنتخابات مجلس النواب العراقي مؤخراً التي جرت في السابع من مارس 2010، والخيبة التي منيت بها المرأة في نتائج هذه الإنتخابات أمام المرشحين الرجال، وقارننا هذه التجربة بتجارب متطورة في العالم، أوعلى الأقل بتجربة النساء الكويتيات، نعثر على الدليل الواضح على ماسبق من كلام.. و رغم أن الترشيح جرى وفق نظام الإنتخاب البرلماني الحر والقائمة المفتوحة، هذين النظامين الذين هما علامة من علامات الأنظمة الديمقراطية ويحدده في النهاية مستوى وعي الناخب، نتوصل إلى نتيجة مفادها أن نتيجة الإنتخابات والخيبة التي منيت بها المرأة هو دليل إما على أن المرأة العراقية لم تكن مهيئة لكي تتولى مثل هذا الموقع ، أو ‌أن مستوى وعي المجتمع لم يصل إلى المستوى الذي يمكن الوثوق به لأخذ قرار مثل إنتخاب إمرأة لموقع قيادي.. مما تم اللجوء إلى إيصال النساء إلى البرلمان بفضل نظام الكوتا وذلك برفع أسماء رجال حصلوا على أصوات الناخبين ووضع النساء محلهم.. هذا إن دل على شيء أنما يدل على أن المجتمع مازال ذكوري حتى النخاع برجاله ونساءه، ولا يقبل بفكرة تولي المرأة أي منصب قيادي.

فأن تكون المرأة قيادية، يحتاج هذا إلى وعي عميق، فكما الديمقراطية هي ممارسة، أن تكون قيادياً هو إرادة و إيمان عميق بضرورة أن تكون هناك نساء قياديات في المجتمع، وهذا الشيء لا يكتمل فقط بإرادة المرأة و تصميمها ، و إنما يكتمل بتقبل المجتمع فكرة أن تكون هناك نساء قياديات في كافة المجالات، و لكن في الحالة الشرقية المتخلفة يجب على المرأة في الوقت الراهن أن تخوض معركة ضارية لكي تتمكن من إقناع المجتمع و إنتزاع إيمانه بأنها قادرة على أن تكون قيادية..
في مثل هذه المجتمعات المرأة غالباً لا تمنح الفرصة الكافية للتثقيف وإكتساب الوعي، عليه من الصعب جداً كسر العقلية القائمة على إلغاء كينونة المرأة وجعله بين ليلة وضحاها يؤمن بأن المرأة كائن لا تقل عن الرجل بشيء من حيث الإمكانات والقدرات العقلية والإبداعية والإنسانية والتي من الممكن أن تؤهلها لتكون قيادية في صفوف الرجل..
من جانب آخر إفتقار المجتمع العراقي إلى قوانين إجتماعية وإقتصادية متينة تكفل للمرأة إستقلاليتها ويضمن عدم حاجتها للرجل، هذه من الأسباب الموضوعية التي تبقي المرأة في وضع التابعية من الناحية الإقتصادية، وكونها تابع للرجل يجعلها بطبيعة الحالة تابعة في إتخاذ القرارات، مما يجعلها في نهاية المطاف بعيدة عن مواقع قيادية بمسافات كبيرة لسبب بسيط وهو أن الرجل لن يقبل بفكرة أن تتولى المرأة التي هي تابع له موقع قيادي. وفي هذه الحالة يحتاج الأمر من المرأة أن تبدأ صراعها وثورتها الإجتماعية، ضد الفكر الذكوري بالدرجة الأساس، شرط أن تشعل فتيل الثورة من داخلها وتتخلص من خضوعها للواقع المفروض عليها..
تتحكم في تركبية وتكوين شخصية المرأة في مثل هذه المجتمعات بسبب تابعيتها للرجل وعدم إستقلاليتها الإقتصادية عوامل مجتمعية قبلية هي التي تحدد مستقبلها على الصعيد الأسري و العملي والإبداعي، وحدود مشاركتها وأداءها وحضورها في أي مجال من المجالات في المجتمع..

من ناحية أخرى النظرة التقليدية لدى الإنسان الشرقي عن مفهوم القيادة هو أنه يناسب الرجل أكثر مما يناسب المرأة.. في حين أن الدراسات أثبتت أن الرجل هو أكثر من ينجذب للمناصب القيادية وذلك بدافع من ميوله حب السيطرة والنفوذ وكسب المال وإبقاء الجنس الآخر التي هي المرأة، ضعيفة وبدون إرادة حتى لا تزاحمه ولا تنافسه، بعكس المرأة التي تصل في بعض الأحيان إلى الكثير من المناصب القيادية بقدراتها وإمكاناتها.. في حين أن من صفات المرأة القيادية أنه بإمكانها التعامل مع محيطها بدرجة عالية من العدالة، وتترجم إيمانها بالعدالة إلى أفعال على أرض الواقع أكثر من الرجل، لأنها أصلاً ضحية إستبداد العقلية الذكورية، وتعامل المرأة القيادية قرينتها المرأة بعدالة وتقدر إمكاناتها أكثر من الرجل. ولأن الرجل أصلاً هو الذي خلق العقلية الذكورية وفكرة التفرقة بين الرجل والمرأة وهو الذي يبعد المرأة من دائرته بدافع الخوف من تفوق المرأة عليه وليس تسلط المرأة كما يحاول الكثير من الرجال تفسير ميل المرأة للقيادة..

لماذا الحذر من قبل الرجل من أن تتولى المرأة مركز قيادي؟ هل هو خوف من التنافس؟ الخوف من أن تسحب المرأة البساط من تحت قدمه و أن تخطف منه لقب (القيادي/ة)؟ لكن لماذا لا نقول أن الحياة بأسرها هي ساحة تنافس إنساني وليس حكر لجنس واحد فقط؟ و بإمكان المرأة أن تنزل إليه مثلها مثل الرجل؟ ألم تكن المجتمعات البشرية بداية ظهورها هي مجتمعات نسائية (أمومية)؟ فمالذي قفز بالمجتمعات البشرية من المرحلة (الأمومية) إلى المرحلة الذكورية (الأبوية) و طال بها إلى يومنا هذا، رغم إتساع الآفاق الفكرية و حركة العولمة و التكنولوجيا و دخول المرأة كافة المجالات؟ رغم أن ما كان يميز المرحلة الأمومية هو ميل المرأة في ذلك الوقت إلى كل المفاهيم الإنسانية والجماليات في حياة الإنسان، في حين أنه ومع الإنقلاب الذكوري وقيام المرحلة الذكورية فقد ظهرت مفاهيم مثل الصراع على السلطة وغلبة منطق القوة والسيادة.. ومن هذا نستدل على أن المرحلة الذكورية جاءت بهدف القضاء على وجود السلطة الأمومية ودورها في حياة المجتمع، وليس من أجل إحقاق العدالة وتقاسم الحياة والمجتمع والمجالات الإنسانية والخدمية.. الذي أريد التأكيد عليه هو أن دخول المرأة المجالات القيادية هو في النهاية يحقق مبدأ أنسنة هذه المجالات وتقسيم المجتمع بشكل متساوي وخدمته معاً..

الأساس التربوي للمجتمعات الذكورية هو تنشأة المرأة منذ الصغر على أن تكون كائن مصغي أكثر مما هو كائن يفكر و يحاول التغيير، ، وتهيأة الرجل لكي يكون قيادياً منذ الصغر، وقد نجح الفكر الذكوري إلى حد ما في جعلها كائناً سلبياً يخاف من المواجهة ويستصعب إتخاذ القرار..
مسألة تولي المرأة للمناصب القيادية تتأثر بنوعية وشكل العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة منذ الأزل وتحديداً في المجتمعات الشرقية التي لم تصل في وعيها إلى مستوى النظر إلى المرأة على أساس إنساني بعيداً عن أي نوع من أنواع التفرقة على أساس الجنس، أو الفارق الفسيولوجي والفيزيكي، وإستضعافها والتقليل من قدراتها..
فمنذ القديم ونظراً لهذا الأساس التربوي يرى الرجل إلى المرأة إما على أنها كائن خلقت فقط لكي تخدم الرجل تنجب له وتقوم على راحته و إشباعه، وخضوع المرأة لهذا الواقع و سلبيتها في بعض الأحيان رسخ هذه النظرية وشوه العلاقة بينهما وأخرجها من السياق الإنساني، أبعدها كثيراً من المواقع القيادية.. والذي ساعد على تفاقم الحالة هذه القوانين الذكورية التي رضيت بها المرأة ولم تتمرد عليها، والتي سهلت عملية الإستحواذ على هذه المواقع القيادية من قبل الرجل و أبعدت المرأة منها.
أهم ما تحتاجه المرأة لكي تكون قيادية ناجحة، هو القدرة على رفض كل ما يحد من حريتها وإنسانيتها ويشل قدرتها على إتخاذ ورفض المناصب القيادية بتزكية رجولية، و أخيراً أكثر ما تحتاجه المرأة لكي تكون قيادية هو ثقتها بنفسها وإيمانها الكامل بقدرتها على الإدارة والقيادة، و تصميمها على أن تتولى المواقع القيادية شرط أن تحتفظ بصلاحياتها وحقها بإتخاذ القرار..

[email protected]