إلى متى تظل المرأة السعودية ناقصة الأهلية؟!



أمل زاهد
2012 / 2 / 3

من العجائب المجافية للمنطق أن يصدر قرار ملكي يقضي للمرأة بتمثيل مكافئ للرجل في مجلس الشورى، وإشراكها في انتخابات المجالس البلدية كمرشحة ومنتخبة، في حين أنها لا تزال تُعامل في محاكمنا على خلفية نقص الأهلية وعدم الاعتراف بالرشد...!
كنت وكثيرات غيري نأمل أن قراراً يقضي بدخول المرأة إلى قبة الشورى والمجالس البلدية سيسهم في تهشيم الصور النمطية المتكلسة عن المرأة، وسيساعد في اختراق الأنساق الثقافية والبُنى الاجتماعية المكرسة لدونيتها، كونه - يُفترض أن - يضّمن الاعتراف بكينونة المرأة وأهليتها الكاملة، ويؤطر مكانتها كشريكة لأخيها الرجل في تنمية الوطن ونهضته وفي حقوق المواطنة! كما كنا نأمل أن يدعم ويتبع بحزمة من القرارات التي تساعد في تمكين المرأة والاعتراف بكمال أهليتها، لكن حكماً واحداً يبنيه بعض قضاتنا المبجلين على خلفية نقصان أهلية المرأة وعدم وصولها للرشد، حتى لو بلغت من العمر عتياً، يعيدنا للمربع الأول في هذه القضية!

فكيف تُستلب امرأة راشدة من حقها في اختيار السكن مع والدتها بعد الطلاق، ثم تُحرم من عملها وتُسجن ثلاثة أشهر لرفضها السكن في بيت والدها الصغير المساحة والمكتظ بأربع زوجات وما يقارب 25 طفلاً؟! وكيف تعود لتخير بين العودة للسجن أو الانتقال لبيت أبيها بعد إخراجها بكفالة حضورية؛ على رغم أن رد الاستئناف لم يصل بعد! كما ورد في خبر صحيفة «عكاظ»، العدد «3874»، المنشور على خلفية قضية مساعدة طبيبة الأسنان بالمدينة المنورة، التي قالت السجن أحب إلي مما تدعونني إليه...؟! فيبدو أن الأب الغاضب جراء رفع ابنته قضية عضل عليه، أراد الانتقام منها وإعادتها إلى حظيرته صاغرة وبحكم المحكمة...!

موجعةٌ ومؤلمةٌ قضية تلك المرأة التي لم يشفع لها علمها ولا مهنتها، ولا ما تقدمه للمجتمع من نفع، ولا عمرها الأربعيني ولا أمومتها من نيل حق مبدئي وبديهي كحق اختيار مقر معيشتها والمكان الذي يوفر لها الراحة والهدوء والسكينة! والأعجب أن يصبح عملها وطبيعته وبالاً عليها، فمحكمة التمييز التي رفضت تصديق حكم قضاة المدينة مرتين صدقته أخيراً بناءً على تهمة التبرج والاختلاط في مكان العمل...! في افتئات على أنظمة الدولة التي تسمح للمرأة بالعمل في القطاع الطبي، وفي تضارب بين أحكام القضاء وسياسات التحديث يثير الكثير من الإشكاليات والأسئلة...! فضلاً على أن فتح الباب لتهم من نوعية التبرج والاختلاط، ثم بناء أحكام عليها، يطلق العنان لانتهاكات القذف وتشويه السمعة، ورمي النساء بالباطل، من دون أن يؤخذ في الاعتبار جدلية مفهوم «التبرج» نفسه في المجتمع والثقافة، وتمايزه بين بيئة مجتمعية وأخرى، بل واختلاف الرؤى الدينية فيه! من المحزن أن تتحول بعض قضايا العضل في محاكمنا إلى قضايا عقوق تارة، أو تهوي إلى منعطف خطر تضطر معه المرأة المتظلمة والواقع عليها فعل الجور للاختيار بين قضبان السجن، أو العودة إلى نير ولي الأمر (الخصم) الذي ظلمها وعضلها عن ممارسة حقها الطبيعي تارة أخرى! فهل من العدل والإنصاف أن تُعاد الضحية إلى جلادها؟! والإشكالية أن هذه النوعية من الأحكام تشجع أولياء أمور نُزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة على الظلم والمضي قُدِماً في ممارساته! فيما تسهم في تخصيب ثقافة قبول الظلم عند الطرف الآخر؛ خوفاً مما يمكن أن تجره تلك القضايا على المرأة؟! والسؤال المُلح اليوم: هل ستستطيع المرأة الدفع بحلول لهذه القضايا الشائكة داخل قبة الشورى؛ في ظل محدودية صلاحيات المجلس وتسييج توصياته في أطر الاستشارية غير الملزمة؟!