العمل السياسي للمرأة بين الشريعة الإسلامية والواقع المصري بعد ثورة يناير 2011 وتولية المرأة منصب رئاسة الجمهورية



محمد طلعت
2012 / 2 / 25


في ظل الأجواء السياسية التي تخيم على الساحة المصرية الآن خاصة بعد انتشار نفوذ المذاهب الدينية المتطرفة - التي تنادى بعودة المرأة إلى البيت- وسيطرتها على البرلمان المصري مع تهميش لدور المرأة تحت قبة مجلس الشعب الذي لم نرى لهن أي نقاش أو استجوابا مهما. في حين ظلت الدعوات الليبرالية التي تطالب بحق المرأة في الترشح لمنصب الرئاسة المصرية مجرد دعوات حنجرية لم تنفذ على أرض الواقع في غياب تمثيل المرأة ضمن المرشحون المحتملون للرئاسة المصرية. فما الأسباب؟
هنا في البحث نحاول أن نرى موقف الشرع اتجاه عمل المرأة السياسي وفرصة ترشحها لمنصب ولى الأمر الذي يقود الأمة بين الشريعة الإسلامية والواقع المصري.!

صورة المرأة فى أذهان الكثير من عامة المسلمين فى مصر:

إن من يتتبع المشهد العام لـ" المرأة" في نظرة المجتمع العربي الإسلامي بمنطقة الشرق الأوسط من الخليج إلى المحيط يجدها متطابقة لحد الهوس الإيماني بأن هذه المرأة ما هى إلا مخلوق هلامي متطفل على حياة الرجل الذي يتكفل بها، وفقا للاعتقاد بأن الرجال قوامون على النساء من حيث الأفضلية والتميز. والقيم عليها أبا أو أخا أو زوجا أو أبنا. فضلا عن صورة المرأة فى الواقع الاجتماعي المصري السائد لدى العامة التى لا تختلف بأي حال من الأحوال عن النظرة العامة لدى الشعوب العربية. التى تقر جميعا سواء أعلنت هذا أو لم تعلن: أن البيت هو خير وسيلة أمان للمرأة، وأن بُعدها عن مزاحمة الرجال في الأعمال لهو أفضل لها بالكثير من الاختلاط بهم.
وما سبق كان من خلال موروث قبلى جاهلي لا يمت لشريعة الإسلامية بأي صلة، حيث تم الإفراط فى تهميش وتحقير المرأة، وإبقائها فى التبعية للرجل، لا تخرج عليه وإلا تكون ناشز، وهذا كان نتيجة خطاب مفرط من قبل بعض الفقهاء والأئمة. اغرسوا فى نفوس وعقول العامة والبسطاء مفاهيم خاطئة عن المرأة؛ لاستنادهم على التأويل القاصر الذى يعتمد على كتب وأراء فقهاء زمن مضى لا يناسب الزمن والعصر الحديث .

فيرون أن المرأة لا تخرج من بيت أبيها إلا لبيت زوجها، ثم إلى القبر، وما بين هذا وذاك لا يجوز لها الخروج؛ لأنه شر لها وفتنة، فإذا خرجت تجسد فيها الشيطان لإغواء الرجال، وانتشار الفساد، وتعم الفاحشة. ومن هذا المنطلق كانت المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في التربية ولا نظم المجتمع، لا مكان لها في صحون المساجد، ولا ميادين الجهاد؛ ذكرُ اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، ووظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش .

وكان هذا وفقا إلى الفهم السقيم لبعض النصوص الشرعية الصحيحة، مثل قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ (الأحزاب: من الآية 33)، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: من الآية 53). واستند الفقهاء إلى إن هذا الخطاب يشمل أمهات المؤمنين ويشمل المؤمنات أيضا؛ لأنه إذا كانت أمهات المؤمنين مطالبات بالقرار في البيوت وعدم خروجهن، فأولى بذلك عامة المؤمنات.

ونصوص نبوية أخرى، مثل: "رأيت النساء أكثر أهل النار"، و"خلقت المرأة من ضلع أعوج"، و"ناقصات عقل ودين"، فضلا عن رواج أحاديث موضوعة وضعيفة وباطلة بشأن المرأة، والتي تلقفها فقهاء العقول السقيمة دون تمحيص أو تدقيق، مثل: شاوروهن وخالفوهن، خالفوا النساء فإن في خلافهن بركة، وأعدى عدوك زوجتك التي تضاجعك، وثلاثة إن أكرمتهم أهانوك: أولهم المرأة، وضاع العلم بين أفخاذ النساء، وعقولهن في فروجهن، يعني النساء، ولولا النساء لعبد الله حقًّا حقًّا، وطاعة المرأة ندامة، وأجيعوا النساء جوعًا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح، وأعروا النساء يلزمن الحجال، واستعينوا على النساء بالعري، وغير ذلك من أحاديث مشتهرة أوردها الشوكاني والعجلوني وغيرهما.

وكان من شأن هذه النصوص أن رسخت ثقافة تعارض الشرع من كل الوجوه في النظرة إلى المرأة: إنسانا مكلفا مشرفا مكرما مخاطبا تماما مثل الرجل، بل عززت النظرة المهينة للمرأة، وأنها لا تصلح لشيء سوى الفراش والطهي، بل ربما لا تصلح إلا للفراش، يقضي الزوج معها وطره فحسب.
ونسوا أو تناسوا- هؤلاء الفقهاء- كل النصوص الشرعية من قرآن وسنة والتى تفضح هذا الفكر، وتبين كيف خالطت المرأة الرجل في كل ميادين الحياة حتى في زمن النبوة، ملتزمة في كل ذلك بالضوابط الشرعية والآداب المرعية .

دور المرأة في الحياة العملية بمصر

بعد عصر النهضة المصرية الذي أحدثها محمد على أثناء فترة توليه حكم مصر( 1805-1840) في عقول المصريين التي أتت بثمارها في أفكار الإصلاحيين من أبناء مصر الذين أخذوا العلم الحديث من أوربا بداية من رفاعة رافع الطهطاوي مرورا بمحمد عبده ووصولا إلى قاسم أمين الذي نادي بحرية المرأة ومساواتها في العمل والخروج من عزلة بيتها لقضاء مصالحها الاقتصادية، ومن ثمة إعطاء المرأة فرصة التعليم وحق العمل، ومشاركة الرجل في الحياة العامة لبناء مجتمع مصري قوى، وقد تبنت هذه الأفكار "حركة تحرير المرأة" ، ومما ترتب على ذلك وضع وتشريع بعض القوانين بالقانون المصري لصالح المرأة. وبدأت المرأة تؤسس فكرا وإبداعا وفنا ونهضة مثلها مثل الرجل في المجتمع المصري منذ ذلك الوقت المبكر حيث كان عماد المجتمع المصري قائم على الرجل والمرأة معا، لكن حدثت ردة من منظور بعض رجال الدين الذين اثروا بالسلب في المجتمع المصري وأعادوه لعصر التخلف القائم على الرجل فقط وابقوا دور المرأة في بيتها لا تخرج منه إلا للقبر .

فقد رأت بعض المذاهب السلفية في أشد معاني تطرفها بحكر العمل بشتى صوره على الذكر الذي فضله الله بالتكوين النفسي والبدني والعقلي لإدارة الأعمال خارج البيت، كما غرس الله- من وجهة نظرهم- في نفس المرأة أعمال البيت والتنظيف وتربية الصغار، كما منع الله اختلاط المرأة بالرجال سواء بالعمل أو حتى في نطاق أقارب الزوج، فضلا على أن الأمر الإلهي باحتجاب المرأة عن العيون بالحجاب والنقاب(من ملابس تغطى جميع بدنها ووجهها إلا العيون على غرار النقاب السعودي"، إلى بعض الفتاوى الغريبة والمدهشة المستوردة من صحراء الفكر الوهابي ، والتي لا تناسب طبيعة العصر المعاش- فى مصر- وظروفه ومتطلباته الحديثة والتي تفرض مساحة من الحرية مع الالتزام بالقيم والأخلاق دون ابتذال رخيص.

ولا شك أن هذه الأفكار البائدة ما هي إلا مورثات قبلية وعادات جاهلية أخذها بعض شيوخ السلف بمصر بداية من رشيد محمد رضا ومرورا إلى محمد حسين يعقوب ومحمد حسان و أبو إسحاق الحويني ، وغيرهم من الذين تربوا على المذهب الوهابي في المملكة السعودية، وعادوا إلى مصر حاملين هذه الأفكار التي أحالت دون نهوض المجتمع المصري القائم على أكتاف الرجل والمرأة مما حدث خلل في بنية المجتمع المصري في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات وحتى الآن في تميع وازدواجية الشخصية المصرية، وتمسكها بظاهر التدين عن عدم دراية وفهم، فضلا عن عدم وضوح فكرة الحجاب الروحية عند المرأة المصرية التي تمسكت بشكله الخارجي- غطاء على الشعر وأزياء على طراز أحدث صحية مع استخدام أدوات التجميل أو الاحتجاب الكامل وراء عباءة سوداء- فكانت النتيجة مجرد مسخ شكلي غير متفق لا شكلا ولا مضمونا مع روح المرأة المسلمة المصرية. بلا شك كل هذا أثر في عقلية المرأة المصرية، وساهم بشكل ما في تراجع دورها في النهوض بمجتمعها متأثرة بذلك بالتشتت في أراء الفقهاء ورجال الدين بين النقاب والحجاب وعدمه وبين العمل وحرمته.!

ومع تلك الصورة القاتمة كافحت المرأة المصرية بشتى الطرق لتنال حقوقها وتعليمها، بفضل مجهودها وسعها لنيل حقوقها في العمل والحياة، وأمام تطور عقلية المرأة المصرية التي أثبتت كفاءتها في كل ما يكلف لها من عمل أو نبوغ وتفوق في شتى أنواع التعليم، مما أحدث هذا بعض الانفراجات في أراء رجال الدين المستنيرين الذين أعطوا للمرأة بعض مهمات اجتماعية واقتصادية في مجالات الزراعة والطب والتعليم والأعمال الإنسانية، بشرط أن لا يؤثر ذلك على مهمتها الأساسية في المجال العائلي.

ويبقى السؤال الذي يثير جدالا الآن في الحياة المصرية السياسية بعد الثورة بمصر الحديثة، هل يمكن للمرأة أن تتولى أمر الدولة، بمعنى أن تكون رئيس جمهورية مصر؟

وانطلاقا مما أثبته المرأة من كفاءة في شتى أنواع العمل ، فالإجابة نعم ولما لا، فهذا ليس عيبا أن تقود الدولة المصرية انطلاقا من مفهوم الشريعة الإسلامية من خلال النصوص القرآنية وأحاديث السنة المحمدية.
وهذا لن يأتي إلا من خلال:

• تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن المرأة.

ينتشر في كتب فقهاء الدين الإسلامي بعض النظرات السلبية ضد المرأة على اعتبار أنها كائن ناقص وأنها سبب الخطيئة، وأن الشيطان يدخل إلى الرجل من خلالها، وأن المرأة سبب كل البلاء والغم والكرب في الدارين، إلى أخر تلك المفاهيم المغلوطة. والتي يأخذها بعض الفقهاء ذريعة ومرجع في أبقاء المرأة بالبيت أو باعتبارها رجس من أعمال الشيطان أو أنها احد أعوان الشيطان نفسه لإغواء الرجل، وقد أنزل الله في ذكره الحكيم ما ينفى ذلك، ولعلها هي نفس الآيات التي يأخذها هؤلاء في وصم المرأة بالخطيئة ومسئولية إغواء الرجل.

فقد أكد الله على طهارة المرأة الذاتّية وبراءتها الأصلية في مقابل وصمها بالخطيئة ، لما نسب إلى السيدة حواء رضوان الله عليها من أنها ارتكبت المعصية الأولى بتناول الثمرة المحرّمة، كما شاع ذلك في اليهودية والنصرانية وغيرهما من الديانات القديمة.
فبين الله تعالى أن مخالفة الإرشاد الإلهي لم تحصل من حواء وحدها بل شاركها فيها زوجها آدم عليه السلام، فنسب المخالفة إليها تارة وخصّ بها آدم أخرى:
فقال تعالى: (فَأَزلَّهُمَا الشَّيطانُ عَنها، فأخرجهما مما كانا فيه) (سورة البقرة/ 36).
وقال تعالى: (فَوَسْوسَ لَهُما الشَّيطانُ لِيُبديَ لَهُما مَا وُرِيَ عَنهُمَا مِن سَوْأَتِهِمَا) (سورة الأعراف/ 20).

فبين أنهما استجابا لداعي الشيطان، وما ترتب على ذلك من عقوبة تمثلت في الأثر الوضعي للمخالفة بإخراجهما من وضع النعمة الإلهية الذي كانا فيه ويبدوّ سوأتهما. والحديث هنا عن الاشتراك معا في استخدام الخطاب ألهى ضمير المثنى فى الآيات " فأزلهما.. فأخرجهما.. فوسوس لهما.. ليبدى لهما.. عنهما.. سوأتهما ". وهذا معنى واضح ليس فيه لبس طبقا لقواعد اللغة العربية. أن الفعل وقع من الأثنين معا، وليس حواء هي من انفردت بوقع الفعل بمفردها، ولا يفهم أيضا من ذلك أن الشيطان دخل لأدم من خلال حواء ، بل دخل لهما في نفس الوقت والتوقيت معا.

وتأتى براءة المرأة من كل خطيئة وينفى عنها سبق فعل الخطيئة في حد ذاتها، إنما الذي يدفع المرأة إلى ارتكاب المعاصي والخطأ ثمة رجل ما، كما أشار القرآن إلى تفرد الرجل (آدم عليه السلام) بالمعصية، فقال تعالى: (وَعَصَى أَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (سورة طه/ 121). إذن المسئولية الأكبر هنا تقع على الرجل. ولأن المرأة بطبيعتها تميل إلى الركون إلى استخدام العقل والتدبر في اتخاذ أي قرار إلى حد التردد ولو تأكد لها أن الأمر مخالف لن تفعله. ولأن ادم هو الذي تلقى العلم من الله ويعرف وقع الخطيئة فكان هو المسئول أمام الله وجاءت الآية الكريمة السابقة توضح ذلك

ولا يعنى التفسير السابق تميز الرجل بالنبوة مما يميزه عن المرأة؛ فهذا شان أخر، وليس موضع نقاشنا بهذا البحث، وليس أيضا معناه أعطاء الرجل المسئولية القيادية في الحياة مطلقا، ثم يوضح الله في آياته بعد ذلك القيمة الحقيقة من خلق الذكر والأنثى وخاصة في تلك القصة" ادم وحواء"، تأكيد منه سبحان شانه على تحمل"الذكر والأنثى" أعباء الحياة سوئها ومسراتها لأنه تعالى حمّلهما المسئولية معا وعلى نحو الاشتراك بنفس الميزان.
وعلى هذا الأساس أكد الإسلام أهلية المرأة الكاملة للحياة الروحية والتسامي فيها إلى أعلى المراتب. فأهليتها للتقرب من الله تعالى بالطاعة والعبادة كأهلية الرجل تماما بل وضعها الله في مكانة النبوة من الرجال باختياره منهن أصفياء وقديسات مثل مريم ابنة عمران وماشطة فرعون وزجة فرعون .
وقد ورد التصريح بهذه الحقيقة في القرآن الكريم في عدة آيات منها قوله تعالى: (إِنَّ المُسلمِينَ وَالمُسلمَاتِ وَالمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَالقَانِتينَ وَالقَانِتاتَ والصَّادقِينَ وَالصَّادقَاتِ وَالصَّابِرينَ وَالصَّابرِاتَ والخَاشِعينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتصدِّقينَ وَالمُتصدِّقاتِ وَالصَّائِمينَ وَالصَّائِماتِ وَالحَافِظينَ فُرُوجَهمْ وَالحَافِظاتِ وَالذَّاكرينَ اللهَ كَثيراً وَالذَّاكِرات أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفرةً وَأَجْراً عَظِيماً) (سورة الأحزاب/ 35).
ومنها قوله تعالى: (مَنْ عَملَ صَالحاً مِّن ذَكِرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلنُحيِينَّهُ حَياةً طَيِّبةً وَلنَجزِينَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (سورة النحل/ 97).
أكد الله تعالى على حق تمتع المرأة بالإنسانية الكاملة، وأهليتها الروحية والأخلاقية الكاملة، وطهارتها وبراءتها الكاملة؛ وجوب إكرامها واحترامها، وحرّم كل إساءة إليها وتشاؤم فيها، بنتا وأختا وأما وزوجة وعضوا في المجتمع.
فحرّم الله وأد الأُنثى، وذمَ التشاؤم بها وكراهة ولادتها، وسمّى ذلك حكماً سيئا:
فقال تعالى في شأن الوأد: (وَإِذَا المَؤُدَةُ سُئِلتَ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتلَتْ) (سورة التكوير/ 9).
وقال تعالى في شأن التشاؤم بالأنثى، في سياق بيان بعض ملامح ثقافة الشرك والجاهلية وسلوك المشركين: (وَإِذَا بُشِّر أَحدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْههُ مُسْودّاً وَهُوَ كَظيمٌ يَتَوَارى مِنَ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحكُمُونَ) (سورة النحل/ 59).
ورفع المرأة الزوجة من مستوى الرقيق التابع للزوج إلى مستوى الشريك الكامل، فقال تعالى من جملة آيات كثيرة: (وَمِن آيَاتهِ أَنْ خَلقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لِّتَسكُنُوا إِليْهَا، وَجَعَلَ بَينَكُم مَّودَّةً وَرَحْمةً) (سورة الروم/ 21).
وأوجب إكرام المرأة في المجتمع بقوله تعالى: (... وَلَقَدْ كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ...) (سورة الإسراء/ 70). والمعنى هنا مقصود به بني أدم سواء ذكر أو أنثى، الإنسان في العموم المطلق بشقيه الرجولي والأنثوي.
وقد ترتب على ذلك وضع حقوقي أثبته الشارع المقدس للمرأة في مجال الأهلية الشخصية (في الولاية على الذات) والاقتصادية، فأثبت لها الولاية على نفسها ومالها وعملها حين تبلغ سن التكليف وتكون رشيدة في تصرفاتها.

لقد بين القرآن الكريم أصول النظرة إلى المرأة في جميع حالاتها وأصول السلوك تجاهها، وفصّلت السنة ذلك في مئات الروايات، منها (ما روي في سنن أبي داود، ومسند أحمد، وسنن الترمذي، من قوله صلوات الله عليه وآله: "إنما النساء شقائق الرجال") التي لا تترك أدنى أثر للشك في مساواة للرجل في الكرامة، والأهلية، والحقوق والعمل.
تنقيح الفكرة السائدة عن طبيعة عمل المرأة في فكر الإسلامين المتشددين

إن أصل عمل المرأة خارج بيتها في مجمل أراء فقهاء الإسلام حرام على أساس أن صوتها عورة، فضلا عن وجوب المنع في عملها السياسي وتولى زمام الأمور استنادا إلى مبدأ" أنهن ناقصات عقل ودين"، مع وجوب منع عمل المرأة السياسي لاختلاطها بالرجال وتسييس الأمة التي لا يخلو من مقابلة رجال الدولة والسفر . وفى الأصل عند هؤلاء الفقهاء وجوب احتجاب المرأة خلف الحجاب والتحدث من وراء ستار. كما استندت بعض أراء الفقهاء إلى عدم تولى المرأة أي عمل سياسي أو إمارة في عهد النبوة والخلفاء الراشدين ، وإن كان الشرع قرر هذا الحق لها فما كان الرسول قد منعه، بل كان ولاه أمر من أمور الولاية وغيرها.
لا شك إن هذا الفهم يدل على قصور واضح في الفهم والاستنباط والأخذ بالبراهين والأدلة في منع المرأة من توليه الإمارة "الرياسة" حيث طبيعة العقلية النسائية( بين المرأة التي تتحدث عنها كتب الفقهاء القديمة والمرأة الحديثة) مختلفة اختلاف شاسع وكبير، فضلا عن دور التعليم وقدرة المرأة على العديد من القيام بمهام شأنها وشأن أسرتها، وبقليل من المقارنة بين المرأة في صدر الإسلام حتى القرن الماضي والمرأة في أيامنا هذه(2011)م. سوف يتضح أن امرأة اليوم مختلفة كلية عن امرأة الأمس، حيث امرأة اليوم تخرج وتتعلم وتدرس ، وتناظر الرجال وتتفوق عليهم فى بعض الأحيان. كل هذا فى حدود الآداب والأخلاق العامة دون ابتذال من المرأة مع فرض حشمتها وقيمها التي تربت عليها حيث تجعل من تواجدها فى أي مكان مسار احترام يحسب لها.

ويدل تغيب أراء الفقهاء الرافضين عمل المرأة في المجال السياسي وتولية الرئاسة على غفلة عن المناخ الفقهي الكلامي الذي كان يسيطر على التوجه الفكري في قضية رئاسة الدولة. وخطأ في تشخيص حقل العمل السياسي وطبيعته في ذلك العهد.أما وجه الغفلة، فمن جهة أن قضية رئاسة الدولة كانت محكومة على مستوى رؤية عامة المسلمين بقضية أن الأئمة من قريش، والروايات التي قررت هذا المبدأ نصت على اثني عشر رجلا من قريش، وكانت محكومة على مستوى خط أئمة أهل البيت عليهم السلام بمبدأ النص وتحديد الخليفة بشخص الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة المعصومين من ولده . ولهذا وذاك لم يكن ثمة مجال ـ على المستوى الشرعي ـ لأن تتصدى المرأة لتولي هذه المهمة.

وفيما بعد عصر النبوة كان محور العمل السياسي هو الخلافة والنزاع فيها وحولها. ولم تكن المرأة في المجتمع الإسلامي آنذاك مؤهلّة ـ على المستوى الثقافي العملي ـ للتصدّي لهذه المهمات وما يتصل بها ويلابسها. كما أن المجتمع ـ على مستوى الأعراف والتقاليد ـ لم يكن يسيغ تصدي المرأة لمهمة العمل السياسي على مستوى السلطة العليا، ولم يكن مؤهلا على مستوى ثقافته الموروثة من العهد الجاهلي، ونظرة هذه الثقافة إلى المرأة ترفض فكرة تولي المرأة لأي موقع قيادي من مواقع السلطة، وهي ثقافة كانت لا تزال حية في عقول ونفوس المجتمع.

وما سبق يدل على تغيب أراء الفقهاء عن مواكبة مطلب الظروف الحالية والمتطورة والتي تسعى إلى نهضة المجتمع على أكتاف الرجل والمرأة معا وأن لا فرق بينهما، من يمتلك فكرا فليتقدم وليقود الأمة.

ولعل فقهاء العصور المظلمة التى ترى فى المرأة مجرد تابع وقابع وخانع، وإذا خرجت من بيتها جلبت الفضائح لأنها رجس من الشيطان، ومن الواجب الشرعى حسب تفسيرهم الذكرى للنصوص القرآن والحديث وجوب حصارها تحت ولاية الرجل الذي يفهم أكثر ويقوم بالنفقة والعمل الشاق والفكري، فأنهم لم ينتبهوا إلى طبيعة الظرف الراهن وثقافة المجتمع الذى يعيشون فيه والذى يتطور تلقائيا إلى التحديث والتنوير وإن رفضوا ذلك، فكيف لهم أن يرفضون الأبحاث العلمية التى تثبت فى بعض الجوانب تفوق المرأة على الرجل فى بعض المسائل العقلية فضلا على التفوق الدراسي لبعض الإناث على الذكور . كما أن الأبحاث الطبية فى مجملها تشير إلى أن المرأة مختلفة تماما عن الرجل من حيث الجنس والتفكير فيه، حيث الجنس بالنسبة لها لا يتحرك من تلقاء نفسه كما الذكر "حسبما تذكر كتب الفقهاء قديما والتي تعد مرجعا أساسيا للرافضين خروج المرأة ومنع اختلاطها بالرجال لأن في اختلاطها بالرجل محرك لشهوتها، لذا يرون في خلوة المرأة بالرجل أن تكون الرغبة هي المسيطرة على عقل ومشاعر المرأة؛ لطبيعة الأنثى بالفطرة أن تكون أثارتها من وجود الرجل أكثر ورغبتها أكبر ولا تملك المرأة أمام رغبتها بالرجل أي سلطة على عقلها فقط تحركها الغريزة الجنسية للممارسة المعاشرة ، وهذا شان أبحاث كثيرة توضح أن المرأة لست مجرد مطية تغرى الرجل للممارسة الفحشاء، وأن ميلها للجنس لا تتحرك من تلقاء نفسها. مما ينفى حجة هؤلاء الفقهاء في حرصهم على أبقاء المرأة بالبيت صيانة لها وصيانة للرجل من الشيطان الجنسي الذي يتحرك في شكل المرأة.

• الأخذ بالموقف الفقهي الذى يميل للمنطق ولتغيرات العصر وفق الشريعة
إذ كان السائد بالرأي العام أراء الفقهاء التى تمنع وتحرم عمل المرأة فضلا عن عملها كوالي أو قاضى أو رئيس دولة، فهناك فقهاء آخرون لا يمنعون من أن تتولى المرأة الرئاسة، فقد قال ابن حزم الأندلسي في كتابه "المحلّى": "وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولّى "الشفّاء" السوق" . ثم شرح هذه المسألة فقال: "فإن قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة. قلنا: إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في (الأمر العام) الذي هو (الخلافة). وبرهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "المرأة راعية على مال زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها"، وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة. ولم يأت نص يمنعها أن تلي بعض الأمور...".
إذن الولاية بإطلاقها ليست ممنوعة عن المرأة بالإجماع، بدليل اتفاق الفقهاء قاطبة على جواز أن تكون المرأة وصية على الصغار وناقصي الأهلية، وأن تكون وكيلة لأية جماعة من الناس في تصريف أموالهم وإدارة مزارعهم، وأن تكون شاهدة، والشهادة ولاية كما نص الفقهاء على ذلك. ولأن أبا حنيفة يجيز أن تتولى القضاء في بعض الحالات، والقضاء ولاية. لذا بطل المنع والتحريم وفتح باب الإجازة لتولى المرأة الحكم بشروط معينة يتطلبها موقع الرئيس الحاكم، وهى الشروط العامة التى يجب توافرها فى أي حاكم او رئيس جمهورية منتخب.

• توضيح الفرق بين طبيعة الدولة بمعناها الحديث والخلافة الاسلامية
إن مفهوم الرئاسة أو قيادة الدولة بالمعنى الفقهي القديم يستند على ضرورة تولية الذكر"الخليفة أو أمير المؤمنين"، لأن في ذلك معنى أكبر وعام في قيادة المسلمين فى الحروب والجهاد بنفسه قدوة بالرسول محمد (ص)، والخلفاء الراشدين، فضلا على ضرورة إمامة الصلاة، وبالتالي لا تصح للمرأة قيادة الأمة بهذا المفهوم. وفلا عجب إذن عندما تتفق المذاهب الأربعة"اتفقوا على أن الإمام يشترط فيه أن يكون... ذكراً" . وعلى هذا، فلا يجوز للمرأة أن تسعى إلى تولي هذه المسئولية ولا يجوز للأمة أن تولي المرأة، فلو حصل ذلك كانت ولايتها باطلة وتصرفاتها غير نافذة شرعا، ويجب عليها التنحي عن الحكم ويجب على الأمة عزلها عنه.
وبهذا المعنى "الخلافة- الخليفة" وهو ظل الله على الأرض وخليفته، وبهذا يكون الخليفة هو وكيل الله في الأرض، ولهذا استند الفقهاء إلى شرط الحلافة أن يكون ذكر خاصة في إمامة الصلاة وقيادة الجيوش لأن المرأة تأتي عليها أيام"وقت الدورة الشهرية " لا تصلى فيها ولا تمتلك القدرة البدنية على خوض المعارك.
أما مفهوم الدولة بمعناها المعاصر لا يفرق بين ذكر وأنثى (وهذا أصل الشريعة الإسلامية القائم على المساواة)، كما لا يشترط في الدولة الحديثة أن يخوض الرئيس بنفسه الحروب أو يؤم الصلاة، وبالتالي شرطية الضرورة بالذكورة هنا انتفى. وبالتالي يمكن للأنثى أن تتولى هذه المهمة فى رئاسة الدولة.

• ضرورة الاتفاق على طبيعة الحكم في الدولة الحديثة
إن الحكم في الدولة تارة يكون حكما مطلقا يمارس فيه الحاكم/ رئيس الدولة سلطة مطلقة، فلا يرجع إلى شيء أو أحد سوى فهمه الخاص للشريعة/ القانون ـ التي يحكم بموجبهاـ إذا كان للدولة شريعة أو قانون. وتارة يكون حكما مقيدا بالشورى والمؤسسات، فلا يمارس الحاكم سلطته على الناس وفقا لفهمه الخاص أو لهواه الخاص، بل يحكم بما يقتضي به مؤسسات الشورى التي انتخب الشعب أعضاءها باختيار حر وإرادة حرة، وتمارس هذه المؤسسات سلطتها في التقنين والمراقبة بإرادة حرة.
إن مشروعية تولي المرأة لرئاسة الدولة هو توليها لذلك في الصيغة الثانية للدولة، وليس الصيغة الأولى. حيث إنه في الصيغة الأولى لا يكون شرعيا حتى لو تولاه رجل إلا في حالة واحدة هي كون هذا الحاكم نبيا أو إماما معصوما، وفيما عدا هذه الحالة فلا شرعية لأي حاكم على الإطلاق، بل المحكم في هذه الحالة هو الأصل الأولي الآتي بحثه في ولاية الإنسان على الإنسان، وهو عدم ولاية أحد على أحد، وعدم شرعية أية ولاية حتى في حالة اختيار المولّى عليه. وهذا أصل لا ينبغي أن يكون موضع شبهة أو خلاف عند أي فقيه، لأنه من ضروريات شريعة الإسلام في الفقه السياسي والاجتماعي.

وبالتالي فان الرفض القديم لتولية المرأة أمور الحكم يسقط مع ما سبق من تفنيد، لأن شرط تولية الحكم والأمارة أن يكون "الذكر"، فالذكر هذه الأيام ليس بالنبي وليس بالأمام المعصوم، وفى الوقت ذلك قد أظهرت المرأة التفوق بالعقل والتعليم والثقافة تفوق الرجل.. ومن هذا المنطلق ووفقا لمتطلبات العصر الحديث أن من يجلس على كرسي الرئاسة بغض النظر عن طبيعته الجنسية ذكر أو أنثى إنما من يمتلك العقل الرشيد في تسييس أمور الرعية. ولا فرق بين الذكر والأنثى في تولية وإدارة الشئون العامة بداية من أصغر الوظائف إلى المناصب العليا. حيث يشترط الكفاءة وفطنة إدارة العمل.
على هذا الأساس استند مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة بحقيه تولية المرأة رئاسة البلاد، وإنما ما لا يجوز للمرأة توليه هو "منصب خليفة المسلمين" ، إذن الإشكالية الكبرى في فتاوى المنع هو الخلط بين الخلافة والرئاسة ، فالخلافة مصطلح من التراث الإسلامي القديم ولم يعد له وجود في الوقت الحالي على الساحة الدولية منذ سقوط الدولة العثمانية وإنهاء خلافتها عام 1924.

• حسم الجدل بالدليل من الخطاب القرأنى
لم يفرق الخطاب القرآني بين الذكر والأنثى حين طلب من الاثنين تولى الولاية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمن ذلك قوله تعالى: (وَالمُؤْمنُونَ وَالمُؤْمنَاتُ بَعضُهُمْ أَوليَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنْهونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَيُطيعُونَ اللهَ وَرسُولهُ أَولئِكَ سَيَرحمُهمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (سورة التوبة/ 71)، إذا المرأة المسلمة تتحمل مع الرجل المسلم في المجتمع المسلم مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسئولية الاهتمام بأمور المسلمين، فلم يجعلها الشارع محايدة إزاء ما يجري في المجتمع. وما ورد في الكتاب والسنة في هذا الشأن شامل للرجال والنساء وليس مختصا بالرجال، ومن ذلك الحديث النبوي المشهور: "من أصبح وأمسى ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم". إن هذه الأدلة على سبيل المثال لا الحصر شاملة في خطابها إلى الرجل والمرأة معا.
وحسب أصل الخلقة والتكوين( في القدرة العقلية والحياتية) فأن المرأة تتمتع بالأهلية الكاملة، فإن هذه الأدلة تثبت أنها مؤهلة للاهتمام العملي بالشأن العام للمجتمع والأمة، وللتعرف على حاجات المجتمع والأمة، ولمراقبة الحكومة وأعمالها والسياسيين ومواقفهم على ضوء معرفتها بحاجات المجتمع والأمة، ولإبداء رأيها في ذلك، ناقدة ومؤيدة ومعارضة، وللعمل على الاستجابة للحاجات وحل المشاكل.
إن الأصل في شريعة الإسلام هو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية، اعتمادا على مبدأ المساواة في النفس الإنسانية الواحدة التي خلقا منها، وأن العبرة في تولي رئاسة الدولة بالكفاءة، سواء كان الرئيس ذكرا أو أنثى. والشعب هو الحكم في هذا الأمر.



الخــاتمــة
لقد رأينا فيما تقدّم أن المرأة في الشريعة الإسلامية وفقا أراء الفقهاء عبر الأزمان والعصور المختلفة نظرة وجب تغيرها وتصحيح مسارها الطبيعي لما شرف الله المرأة بوصفها إنسان مثلها مثل الذكر فلا فرق بينهما في الأمور الدنيوية الخاصة بشان العمل الذى يعتد على القدرة العقلية في المقام الأول وتسييس أمور الدولة ، مجالات العمل السياسي متعددة ومتنوعة. وكلها موضوع للجدل على مستوى الفقهي، من حيث أهلية المرأة للعمل فيها وفقا لتفسيرات وتحليلات عقلية ومدى فهمهم للنصوص القرآنية موضوع الحجة والدليل، ولكن يجب أعادة الفهم فى مضمون هذه النصوص وأعادة النظر إلى آليات شرعية دنيوية تخدم المجتمع القائم على الذكر والأنثى سواسية بشكل عصري يتناغم مع متطلبات زماننا وحقوق الإنسان.

• ففي الفقهاء من ينفي أهلية المرأة شرعا لكل نشاط في المجتمع عدا العلاقات الزوجية وشؤون الأولاد والأسرة. وفيهم من ينفي أهلية المرأة شرعا للخروج من بيتها ومن ثمة منع عملها، وفيهم من يسلم بأهليتها شرعا لتولي مناصب العمل المختلفة. ولنخرج من هذا المأزق المتضارب حتى ننهض بأمتنا العربية التي تحيى الآن ثورات تحرر من قيود الأنظمة التي استمد بقائها وظلمها تحت سقف المفاهيم المغلوطة وفقا لتفسيرها الخاطئ لنصوص القرآن والحديث الشريف أو وفقا لمفهومها القاصر على زمن مضى لا يصلح لزمننا الحاضر. وبالتالي يتوجه البحث على عدة توصيات، منها:
1- الخطاب الإسلامي المعاصر في قضايا المرأة غير مطمئن إلى حد كبير، ويحتاج إلى نوع من التحليل والتعميق والتوازن.
2- إن الإسلام يحمل في طياته خطابا متميزا ومعتدلا دون جري وراء خطابات أخرى، غريبة على أصولنا ومقرراتنا العامة بما تمتع به من عوامل للسعة والمرونة وقواعد وضوابط تضمن له السلامة والعافية، وتكفل له أن يسحب بساطه على كل مستجدات الحياة المعاصرة.
3- الاستقاء المباشر من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهذا يضمن لنا حكما شرعيا صحيحا، غير متأثر بالأحاديث الواهية والمنكرة التي رسخت لثقافة احتقار المرأة وأهانتها، والركون إلى العادات الموروثة.
4- الاطلاع الواسع على تاريخنا المشرف في قضايا المرأة، لاسيما في عهد الرسالة، عهد النبوة، الذي باشره الوحي، وكان عهد تشريع للأمة. مع الاعتبار بتجديد الخطاب بمفهوم متطلبات العصر.
5- الاطلاع على نماذج النساء وسيرهن في عهود الخلفاء الراشدين، ومتابعة مسيرة المرأة المسلمة العاملة والمجاهدة في ضوء ضوابط الشرع عبر تاريخنا في كل مراحله إلى واقعنا المعاصر.
6- محاربة العادات الراكدة التي ورثتها مجتمعاتنا عبر العصور دون تمحيص لها في ضوء المرجعية العليا للقرآن والسنة.
7- الرجوع في قضايا المرأة إلى العلماء الثقات، الذين يفهمون الشرع في ضوء مقاصده ومبادئه، ويراعون الواقع وما فيه من تيارات ومستجدات، فيجمعون بين محكمات الشرع ومقتضياته.
8- إن نظرة الإسلام للمرأة منبثقة من نظرة الإسلام للإنسان المكرم فلا تمايز ولا اختلاف، وأحكام الشريعة تقرر فيها المساواة وتحقيق العدالة ولا تخصيص لأحد إلا بمخصص لأن الشريعة شاملة متكاملة.
9- إن الأصل في شريعة الإسلام هو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية، اعتمادا على مبدأ المساواة في النفس الإنسانية الواحدة التي خلقا منها، وأن العبرة في تولي رئاسة الدولة بالكفاءة، سواء كان الرئيس ذكرا أو أنثى. والشعب هو الحكم في هذا الأمر.

إذن يحق للمرأة توليه كافة مناصب الدولة طالما توفرت فيها شروط الكفاءة والعلم.





الهوامش
=======
انظر خلدون حسن النقيب: آراء في فقه التخلف، ص 65 وبعدها

انظر خطب الشيخ محمد الغزالي في شئون الدين والحياة، دار الاعتصام، ص 277 وما بعدها.

انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، ج2، ص 448.

راجع ، تحرير المرأة حركة أسست لغرض إعادة الحقوق التاريخية المسلوبة من المرأة، والقضاء على الأفكار التي تنظم المجتمع على أساس ذكوري. كانت أولى الناشطات في مجال تحرير المرأة هدى شعراوي، ثم توالت الناشطات بعدها من أجل ذلك. حمل لواء تحرير المرأة من الرجال قاسم أمين الذي كتب كتابيه المرأة الجديدة وتحرير المرأة ثم حمل اللواء من بعدهم جمال البنا في العديد من كتبه والتي على رأسها كتاب "المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء".
استنادهم لحديث غير صحيح يقول لا تخرج المرأة من بيت أهلها إلا في أمرين أما إلى بيتها أو إلى القبر.
السلفية، هي تيار إسلامي ومدرسة فكرية سنية تدعو إلى العودة إلى "نهج السلف الصالح" كما يرونه والتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ويبتعد عن كل المداخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف. وهي تمثل في إحدى جوانبها إحدى التيارات الإسلامية العقائدية في مقابلة الفرق الإسلامية الأخرى، وفي جانبها الآخر المعاصر تمثل مدرسة من المدارس الفكرية الحركية السنية التي تستهدف إصلاح أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عمومًا إلى ما يتوافق مع النظام الشرعي الإسلامي بحسب ما يرونه. برزت بمصطلحها هذا على يد أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري، وقام محمد بن عبد الوهاب بإحياء هذا المصطلح من جديد في منطقة نجد في القرن الثاني عشر الهجري والتي كانت الحركة الوهابية التي أسسها من أبرز ممثلي هذه المدرسة في العصر الحديث. ومن أهم أعلامهم: عبد العزيز بن باز ومحمد ناصر الدين الألباني ومحمد بن صالح بن عثيمين.

راجع، من المفارقات العجيبة للفتاوى الوهابية بالمملكة العربية السعودية تحريم قيادة السيارات على النساء، مع وجوب أرضاع المرأة الخادم أو السائق الذى يعمل بالبيت حتى يسمح بالاختلاط ،ويكون الغريب هذا من ذي القربى (بالرضاعة من المرأة)!

محمد رشيد رضا (1865 - 1935م) كان من المتصلين بالحركة الوهابية السعودية ومن الدعاة لها فى مصر، وكان يدعو إلى تنصيب الملك عبدالله ال سعود خلافة المسلمين، وهو من ساهم فى انتشار الفكر الوهابى السلفى بمصر.

وهؤلاء الثلاث هم رؤوس المفكرة بمصر لنشر الدعوة السلفية والعودة بالماضي السحيق والتزمت الدينى، وينفرد أبو إسحاق الحوينى - تلقى العلم الدينى من شيوخ الوهابية بالمملكة العربية السعودية وكان تلميذ الأمام الألباني- بتشدده الدينى فى رؤيته إلى زمن الجواري والعبيد والجهاد، وهو من احد المتشددين دينيا فى قضية المرأة وخروجها للعمل.

انظر قصص القرآن، وقصة امرأة فرعون مصر

فتوى فضيلة الشيخ الدكتور نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق): أفتى د. نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق) بأنه لا يجوز للمرأة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وقد نشرت الفتوى في جريدة الأهرام يوم 28/2/2005م.

فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله تعالى –: سئل - رحمه الله تعالى – عن ترشيح (بنازير بوتو) في الانتخابات الباكستانية عام 1409هـ، فأجاب رحمه الله: (الحمد لله وحده... تولية المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، فمن الكتاب قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}، والحكم في الآية عام شامل لولاية الرجل وقوامته في أسرته، وكذا في الرئاسة العامة من باب أولى. ويؤكد هذا الحكم ورود التعليل في الآية وهو أفضلية العقل والرأي وغيرهما من مؤهلات الحكم والرئاسة.
ومن السنة قوله _صلى الله عليه وسلم_ لما ولى الفرس ابنة كسرى: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (رواه البخاري)، ولا شك أن هذا الحديث يدل على تحريم تولية المرأة لإمرة عامة، وكذا توليتها إمرة إقليم أو بلد، لأن ذلك كله له صفة العموم، وقد نفى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الفلاح عمن ولاها، والفلاح هو الظفر والفوز بالخير.
وقد أجمعت الأمة في عهد الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المتفوقات في علوم الدين، اللاتي يُرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة، وما يتصل بها من المناصب، والزعامات العامة.
ثم إن الأحكام الشرعية العامة تتعارض مع تولية النساء الإمارة؛ فإن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها؛ فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة، وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة، وجماعتها، ورجالاً ونساء في السلم والحرب ونحو ذلك، مما لا يتناسب مع أحوال المرأة وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.
وأيضاً فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب في من يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم.
راجع قاسم أمين المرأة الحديثة ص 20
انظر الخميني ، روح الله. الإسلام والثورة، ص 43

راجع كتب الشيخ السيوطي والأمام الغزالي عن فنون النكاح وفن الإمتاع، ومنها (كتاب: شقائق الأترج فى رقائق الغنج للأمام الحافظ جلال الدين السيوطى، وكتاب:آدب النكاح وكسر الشهوتين،للأمام أبى حامد الغزالى)
ولى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله العدوية على السوق تحتسب وتراقب، وهو ضرب من الولاية العامة. ( الشفّاء: بنت عبد الله بن عبد شمس، العدوية،القرشية أم سليمان صحابية من فضليات النساء. كانت تكتب في الجاهلية، وأسلمت قبل الهجرة فعلّمت حفصة (أم المؤمنين) الكتابة وكان النبي (ص) يزورها ـ وكان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاّها شيئاً من أمر السوق. روت 12 حديثاً. قيل: اسمها ليلى. والشفّاء لقب لها".
حدثنا : ‏عثمان بن الهيثم ‏، حدثنا :عوف ،عن ‏ ‏الحسن‏، عن ‏ ‏أبي بكرة ‏ ‏قال : ‏لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي ‏ (ص) ‏ ‏أن ‏ ‏فارساً ‏ ‏ملكوا ابنة ‏ ‏كسرى ‏ ، ‏قال : ‏" ‏لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة." ‏، فى صحيح البخاري - كتاب الفتن - باب الفتنة التي تموج كموج البحر.

راجع الفقه على المذاهب الأربعة: الشافعي، والحنفي والحنبلي والمالكي. ألفه الشيخ عبد الرحمن الجزيري.

بيان للمفتي علي جمعة في 4 فبراير 2007 بأن الإسلام لا يمنع المرأة من تولي رئاسة الدولة . اعتبر مفتي الديار المصرية علي جمعة أن الإسلام لا يمنع المرأة من تولي رئاسة الدولة وذلك في بيان أصدره الأحد ردًّا على مقالات صحيفة نسبت إليه رأيا مخالفا. ومنذ أسبوع نشرت صحيفة الأهرام الحكومية فتوى للمفتي تحرِّم المرأة المسلمة من حق تولي رئاسة الدولة؛ لأن ذلك يتطلب منها إمامة المصلين وهي مهمة تقتصر على الرجال. وأوضح المفتي في بيانه "أن الفتوى التي تناولتها وكالات الأنباء تشير إلى منصب خليفة المسلمين وهو منصب من التراث الإسلامي القديم ولم يعد له وجود في الوقت الحالي على الساحة الدولية منذ سقوط الدولة العثمانية وإنهاء خلافتها عام 1924". وأوضح البيان أن "الفقهاء الأوائل أصدروا بالفعل فتوى صريحة تنص بعدم قدرة المرأة تولي منصب الخليفة، لكن الأسباب

الفقهية الواردة في نص هذه الفتوى.. تؤكد أن منصب الخليفة يختلف عن المفهوم الحالي لمنصب رئيس الدولة فالفتوى نصت أن المرأة لا يحق لها أن تتولى منصب الخلافة العظمى، حيث كانت إحدى مهام هذه الوظيفة إمامة المصلين في الصلاة والتي تعد وظيفة لا يقوم بها إلا الرجال وفقا للشريعة الإسلامية باتفاق". وذكر الشيخ علي الجمعة بفتوى أصدرها العام الماضي و"أقرت أن للنساء وفقا للشريعة الإسلامية كل الحق لتولي منصب القضاء ومنصب رئيس المقاطعة أو الدولة".




المـراجـع
=========

- القرآن الكريم
- تفسير ابن كثير 4 أجزاء - مصر.
- تفسير القرطبي- مصر
- صحيح البخاري- طبعة مصر، 2000
- الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرين (ط. دار إحياء الكتب العربية، مصر 1960).‏
- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تعليق د. مصطفى البغا (ط. بيروت).‏
- خلدون حسن النقيب: آراء في فقه التخلف ـ العرب والغرب في عصر العولمة ـ دار الساقي ـ الطبعة الأولى 2002
- سيد سابق ، فقه السنة ، الخانكى - مصر ،2000
- كرامر ، مارتن. "الإسلام الأصولي بصفة عامة." الشرق الأوسط الفصلية ، حزيران / يونيه 1996.
- الخميني ، روح الله. الإسلام والثورة. (المترجم ألجار الحميد) بيركلي : مطبعة الميزان ، 1981.
- انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، ج2، ص 448.
- انظر موسوعة فتاوى الأزهر الإلكترونية، المرأة والانتخاب، الموضوع 95.
- موسوعة "تحرير المرأة في عصر الرسالة"، محمد عبد الحليم أبو شقة، دار المعارف، 1990
- خطب الشيخ محمد الغزالى فى شئون الدين والحياة، دار الاعتصام، القاهرة، 1991
- قاسم أمين، المرأة الحديثة، دار المعارف، القاهرة، 1989