شهيدة العلم



كامي بزيع
2012 / 2 / 29

كأنه لم يتغير شيء، كما اية سيدة منزل يدعي زوجها انه "افهم" وانه يفكر بطريقة منطقية، وانه له الحق عليها، وهي ليست لها حق عليه، او كأي ابنة تريد الاطلاع والمعرفة، كذلك منذ قرون غابرة، فكيف اذا تجرأت امراة ما بكل بسالة واقدام ان تدعي انها فيلسوفة!!!
انها هيباتيا الاسكندرانية، واحدة من فيلسوفات نادرات، لم يمنحها النظام الذكوري المهيمن اكثر من 35 سنة لتقول ما تريد قوله، لقد تفوقت هيباتيا على كل ابناء جيلها من الذكور وبرعت في الرياضيات والفلك والمنطق، كانت تدرس فلسفة افلاطون وارسطو، وتستحث العقول على التساؤل، والشك للوصول الى الحقيقة.
اجتذبت اليها انظار الطلاب والمريدين من كافة انحاء اوروبا والشرق فجاءها الاغنياء وطلاب الحكمة، نظرا لتواضعها وسهولة تقديمها الفلسفة، فجعلت من بيتها مآلا للعلم والنقاش. فقد كانت تنهل من العلم ولا تشبع، تتعلم وتعلم، اضافة الى فرادتها كامراة ماهرة، وانثى طاغية، فلفتت اليها الحكام والحكماء، لكن هذا لن يكون الا سببا لموتها، حيث اشتد الصراع بين ولاة الاسكندرية بسببها، مما جعل جماعة من الناقمين، يسحبونها من شعرها ليلا وهي عائدة من احدى الندوات، ربطوا يديها بالحبل وجروها في شوارع الاسكندرية، ثم قاموا بعد ذلك بسلخ جلدها عن عظمها ثم قاموا باشعال النار بما تبقى من جسدها، ثم عمدوا الى احراق مؤلفاتها، لكي ينساها التاريخ، حيث خطيئتها الوحيدة انها تجرأت على التفلسف، في مجتمع تحكمه شريعة الغاب الذكوري.
هيباتيا، التي دعت العقول الى التفكير، لم يكن بين طلابها بنات، كانوا في الغالبية شبابا انشدوا الى رجاحة عقلها وطرافة اسلوبها، مفضلينها على الكثيرين من المعلمين انذاك، لم يقدر لها ان تكمل طريقها، لقد اختار لها الرعاع ميتة تشبه اعمالهم يملؤها الحقد والضغينة والوحشية ليقطعوا جسدها وافكارها دون رحمة او انسانية، لتكون بذلك اول "شهيدة للعلم" على ساحة الغباء الانساني.
شغلت منصب رئاسة المدرسة الافلاطونية الجديدة في بداية القرن الخامس، كانت اول امراة في التاريخ تتبوأ منصب في العلوم البحتة، اما تهمتها التي استحقت عليها الموت فهو "ان العيب الذي قامت به لم يكن قليلا".
لكن الايدي التي سلبتها الحياة، لتسلبها بالتالي الوجود انما حولتها الى اسطورة، اليوم تحولت هيباتيا لتكون احدى اساطير النساء الشجاعات اللواتي رفضن الانصياع الى العبودية باختيارهن الحرية والعقل حتى لو كلفهن ذلك حياتهن.
نعم في داخل كل واحدة منا هيباتيا، فيلسوفة، عالمة، ضحية، وشهيدة للمعرفة والعلم والبحث عن المجهول، ولن تستطيع ادوات القهر مهما طغت ان تقف بوجه المرأة التي لا بد انها ستستعيد دورها لتكون هي الاصل والاساس.