المرأة العربية والعالم الجديد



راغب الركابي
2012 / 3 / 1


هذه مساهمة منا أو هي مشاركة منا في تذكير المرأة العربية بدورها و بمسؤولياتها الوطنية والإنسانية ، في ظل هذا الحراك الذي طال بعض البلدان العربية ، كذلك هو موقف منا حيال مايحصل في ظل عالم متجدد ومتطور ، وهي منا إجابة على جملة الأسئلة التي وردتنا من موقع - الحوار المتمدن - مشكوراً ، إحتفاءً في اليوم العالمي للمرأة .

ومن نافلة القول التأكيد : على إن المرأة العربية لن يكون بمقدورها كسر حاجز الهيمنة الذي تفرضه عليها السلطات التقليدية والتراثية في البلاد العربية ، أعني سلطتي الدين و القبيلة ، المرأة العربية هي محكومة بالوهم الذي أسسه التاريخ الديني وتراث الخلفاء الملوك ، كما إنها محكومة بطريقة الحكم البدائي التي سادت في الوسط العربي سنيين طوال ، وهناك ثمة تقليد حاكم وميثيولوجيا فرضت نفسها عززت لدى الإنسان العربي حسه المريض الذي يختزل المرأة ودورها وحقوقها .

وثمة حقيقة لا يصح نكرانها أو القفز عليها وتجاوزها ألاّ وهي : التركيز الدائم على دور المرأة في خدمة حاجات الرجل الذكورية وخدمة عياله وحضانة أطفاله ، وهذه الحقيقة هي سلوك قام وأنبنى على أخبار وروايات نبوية ، قالوا عنها : إنها حديث النبي محمد وموقف اصحابه والتابعين له ، ونعلم جيداً ماذا تعني هذه الأخبار؟ عند الإنسان العربي البسيط ، نعم هي عنده : التابو أو المقدس الذي لا يجب نكرانه أو رده ، ومن جانب المرأة العربية يعتبر الكلام في حديث النبي جريمة تُعاقب عليها ، فمابالك لو ردت هذه الأخبار أو ناقشت في صدقيتها .

نعم هناك ثمة محاولات قامت بها نساء عربيات شجاعات ، لكن هذه المحاولات جوبهت بالعنف والتنكيل والملاحقة والتهم وشديد العبارات في شرف المرأة واخلاقها ، جاء هذا من قريبين لها ومن أوهام القبيلة ومن أوهام الدين وبعض الناس الطوطمين .

من هنا أقول : لا تبدو الصورة واضحة تجاه الموقف من المرأة في ظل مايسمى إدعاءاً بالربيع العربي ، ذلك الحراك الذي أختزلته تيارات الدين السياسي لمصلحتها ، أقول : ليس لدي الشعور القوي الذي يدفعني للإيمان بان هذا ( الربيع ) قد يُسهم في توعية المرأة وتحفيزها للمطالبة في حقها وحقوقها أو لتكون فيه عنصرا فاعلا ، وهذا الذي أقوله ليس من باب التشاؤوم ولا هو من باب تيئيس الفاعلات والنشيطات ، لكنما هو وصف حال أو إستقراء وضع عام أو قراءة في الخطاب السياسي والإعلامي الذي تصدره قوى الإسلام السياسي الجديدة .

الذين مافتئوا يذكرون في خطابهم وإعلامهم المقروء والمسموع ، إنهم جادون في تطبيق الشريعة أحكاماً وحدوداً ، ولا أظن إن هذا الخطاب يدعونا إلى شيء من التفاؤل أو الإطمئنان به ولما يؤول إليه مستقبل المرأة العربية في ظله ومن خلاله ، ربما قد نسمع بين الفينة والأخرى من يحاول التزييف والخداع والترتيق فيما هو بينّ ، نسمع هذا ونشاهده في بعض الإشارات والتلميحات الإعلامية الغير فاعلة والغير مؤثرة والغير منتجة ، وأقولها بمرارة : لقد سمعت حديثاً لإمرأة سلفية من الجيل الجديد في مصر وهي برلمانية بالمناسبة ، قالت وبالحرف : إنها لن تنافس الرجل على السلطة والحكم ، إنما ستعاونه في إدارة شؤون الأسرة والتربية وتعليم الصغار ، هكذا قالت هذه البرلمانية العتيدة ، قالت : هي لا تصلح لذلك ولاتطمح بذلك لأن هذا المقام عندها حصرياً يكون للرجال !!! ، هذا الكلام يعزز نظرتي حول الطبيعة الدوغمائية لما يمكن أن ينتجه أو يؤوسسه ما يسمى - بالربيع العربي - من ديمقراطية ورقية مرتبة على الكيفية التي ترغب بها الطوائف والملل والمذاهب وتريد .

ولهذا أقول : إن تغييراً ملموساً وواضحاً في طبيعة المنظومة الإجتماعية والثقافية العربية لن يكون ممكناً في المدى المنظور ، مع هيمنة صريحة وواضحة لسلطة الذكر في شؤونات الحياة كافة ، سلطة في الأمر وسلطة في النهي سلطة في التشريع وسلطة في السلوك - أعني حسب مقاساته وفهمه وشروطه - ، هذه السلطة قامت وتأسست على مفاهيم ماورائية عتيقة وبالية ، هذه السلطة هي التي أسهمت بشكل مباشر وسلبي في تشكيل العقل العربي والإعتقاد العربي .

ولقد قلت ذات مرة : إن هذا العقل العربي المريض جعل من الشخصية العربية ضعيفة ومهزوزة وغير فاعلة وميالة إلى الكسل والتواكل ، العقل العربي يعتقد بوعي أو بلاوعي بأن : ( المرأة ناقصة عقل وناقصة حظ وناقصة إيمان !!! ) ، وفي ظل هذا سادت وأزدهرت كل المقولات الخرافية والإسطورية والتسطيح ، ولهذا يناكف ويُمانع ويعترض على كل رأي أو فكر يدعوا إلى تحرير المرأة وإعادة الحق لها في الحياة وفي المشاركة .

إن الإنسان العربي يؤمن بنقصان - المرأة في حظها وحظوظها وإيمانها - ، وذلك عنده إيمان راسخ ، والتبرير فيه إنما يأتي من أجل تعزيزه وقبوله لمن يناكف أو يمتنع أو يرفض ، إذن فالقابلية العربية على تغيير سلطة الذكر تكاد تكون ممتنعة أو معدومة ، ولأن ذلك كذلك : - فإمكانية حصول تغيير في العقل العربي يعطي للمرأة حقوقها الطبيعية هي إمكانية ممتنعة ومعدومة كذلك ، ولأن الكلام هنا في الجوهر لذلك نقول : إن صراخ زيدا أو نهيق بكر في وسائل الإعلام وأكرر في وسائل الإعلام ، إنما هو صراخ ونعيق من أجل إيصال ذلك إلى المدافعين عن المرأة وحقوقها في العالم المتمدن ، وليس ذلك نابع من حرص و خوف ودفاع عن المرأة وحقوقها ، وليس مايعزز هذا عندي ، من قوى التغيير الجديد ومن الأحزاب الإسلامية التي أستولت على الحكم .

إذن هي رسالة لا تتعدى هذا المضمون وقد سبقتهم إلى ذلك إيران ، ولكنها تطبق على المرأة ماتقول إنه حكم الشريعة وحدودها ، - في المواريث وفي الأحوال الشخصية وفي الشهادة وفي العلاقات الجنسية وفي تمام الحريات العامة - ، وعندي إيران من حيث الوعي هي أكثر وعياً و تطوراً في مجال الفهم الديني وأقل حدة في الراديكالية والمحافظة وذلك يعود لطبيعة البيئة والتركيب الثقافي للمجتمع الإيراني ، إذا كان هذا حال المرأة في إيران ، فمابالك إذن بمن يقولون إنهم سلفيون ويمنعون الإجتهاد ويحاربون إعمال العقل وما ينتج عنه .

الحراك الشعبي كما ورد في بعض الأسئلة : لم يستطع التخلص من الأرث الماضوي للعقلية التراثية والقبلية ، كما ولم يشكل لنا ثورة كما نفهمها ونفهم معناها ، سواء في ثوبها الفرنسي أو لباسها اللينيني ، العرب تحركوا في أكثر البلدان تحركاً عاطفياً أو هم مدفوعين أو مستلهمين من الآخر تجربته أو غيرة منه ، لكنهم في كل ذلك لم يغيروا سوى وجه الحاكم في بعض البلاد ، وظل نمط الحكم وسلوكه السياسي كما هو من غير تغيير .

ومن هنا أقول : إن الحراك العربي كان حراكاً تعوزه الذهنية الصحيحة والوعي الصحيح والثقافة الصحيحة ، ولذلك تآه هذا الحراك في وسط الطريق ولم يغيير في سلوك المجتمع وثقافة الناس ، وأرجوا التنبيه : لا يهم كثرة الشعارات عن الديمقراطية والخطابات عن الحرية ، فالناس كما يقولون - تريد أفعالاً وليس أقوالاً - ، وأما هذه الشعارات وتلك الخطب فلقد ملها الناس وسئموا منها ، لأن الذي حصل من وراءها كارثي وغير أخلاقي وسبب لنا جميعاً خيبات أمل وترجي .

إنني أومن بان المرأة العربية إن أرادت أن تكون فاعلة وموجودة فعليها ، أولاً : أن تقوم بنضال مستديم وطويل ومحدد وشجاع وغير متخف ، وأن تمارس دورها في تنشيط الذهنية والثقافة العامة ، وأدعوها للإستفادة القصوى من وسائل الإتصال الحديثة ، من الإنترنيت ومن مواقع الإتصال الإجتماعي ، وعليها أن تبث قضاياها وماتؤمن به من غير خوف أو تردد ، كما إن عليها واجب أخلاقي أن تثور على الواقع وعلى الثقافة القديمة ، وأن تؤمن بالحرية ولا تنتظر أن تهب لها من قبل الذكور ، عليها إذن ان تثور وان تكون جرئية وان تستفيد من الطبيعة الجديدة التي تتبناها هيئة الأمم في مجال الدفاع عن الحريات وعن الحقوق ، المرأة وحدها هي من تستطيع ان تأخذ زمام المبادرة ولا تستسلم لخطاب الدين التراثي ورجال الدين المتخلفين .

إن على المرأة العربية أن لا تؤمن بما يقوله الرجل العربي ، فهو ذاك القديم الجديد ، لم يتطور ولم يتحرر من عُقد الماضي وحاكمية التراث ، قليل ماهم من العرب أستطاعوا التحرر ، وقليل من هم الذين آمنوا بحق المرأة في الحرية والكرامة على حد متساو مع الرجال ، قليل ماهم الذين يشاركون الناس في العالم الحر دعوته ونداءه لتحرر المرأة وحريتها ، ثمة خلل وثمة وهم وثمة ميثولوجيا وخرافة حاكمة ، وثمة سياسة وسياسيون أعداء للمرأة ، وثمة رجال دين يعرفون ويزيفون ، وثمة قصص وحكايا تربينا عليها ،

ولازلنا نغزلها ونلفها ونلوكها ، ثمة أشياء وأشياء وأشياء ....