المرأة الفلسطينية والعربية تشكل نموذجا في العطاء والنضال



عباس الجمعة
2012 / 3 / 5



يشكل الثامن من اذار محطة في تاريخ النضال التحرري حيث يتميز “يوم المرأة العالمي” اهمية خاصة لدى كافة المناضلين واحرار العالم ، من خلال الدور الذي قطعته المرأة على طريق النهوص بها والظفر بما كانت تطمح إليه من مكانة .
أن المرأة لم تستكن ولم تستسلم، وناضلت بلا كلل أو ملل وشقت طريقها بثبات وخطوات واثقة، وحاولت بكل السبل أن تحتل مكانها اللائق بها في المجتمع جنبا إلى جنب مع الرجل.. استطاعت المرأة بعد مسيرة نضالية طويلة استغرقت ردحا من الزمن لم تيأس خلالها ولم تضعف بل بقيت أكثر إصرارا على التمسك بحقوقها وعدم التهاون أو التفريط بها مهما كانت العقبات ومهما كانت الصعاب.
حقا فقد حققت المرأة في فترة وجيزة ما لم يحققه الرجل في فترة زمنية طويلة.. إذ بدأت من حيث انتهى الرجل وغذت السير في نفس الطريق لتحقق السبق في كثير من العمل السياسي والنضالي.. وعرفنا أسماء لامعة مناضلات وسيدات ، وحق االشعوب أن تفخر وتباهي بهن وتسجل اسماءهن بمداد من نور في سجل الخالدين والخالدات.
هذا يثبت أن شعوبنا وجماهيرنا برجالها ونسائها تظل دوما متفوقة ، وما الجوائز العلمية العالمية التي تحصل عليها المرأة العربية والفلسطينية إلا تتويج لمسيرتها العلمية ،لم تعد المرأة العربية والفلسطينية مهمشة بل فرضت نفسها لتصبح أستاذة جامعية ووزيرة ونائبة ومناضلة تضطلع بمهام كثيرة على خير وجه، ولتؤكد قدرتها على تخطي ما يصادفها من صعاب والتعامل مع كل المستجدات بحنكة ودراية .
ولعله من الواجب في هذه المناسبة أن نحيي المرأة الفلسطينية كنموذج مشرف للمرأة العربية في ثباتها على أرضها وتمسكها بحقها ودفاعها عنه جنبا إلى جنب مع الرجل، وهي تملك من الحماس الكافي للمضي قدما في القيام بمسؤولياتها في مختلف المجالات. .
حين يقف الرجال إجلالا للمرأة ، فهم بهذه الوقفة إنما يحترمون إنسانيتهم ، ويقرون بتلك الشراكة الأبدية في الحياة ، سعيا مشتركا لبناء عالم مليء بالمحبة والسعادة والخير والسلام ، بعيدا عن الشرور والحروب والكوارث .
فإذا كان الثامن من آذار يوما عالميا للمرأة ، فأن كل الأيام الصعبة والجميلة هي ايام للمرأة الفلسطينية والعربية ، فقد شاركن في النضال على كافة المستويات وفي دعم الحركات السياسية الوطنية ، وتقدمن للشهادة ، وقامن بدورهن على أكمل الوجوه ، كل هذا من أجل أن تكون فلسطين حرة ، والعدالة الاجتماعية والديمقراطية هي التي تسود مجتمعاتنا العربية الخالية من الطائفية والأحقاد.
وإذا كانت المرأة الفلسطينية قد تحملت كل هذا فقد سجلت بفخر صفحات مضيئة من التاريخ الفلسطيني يفتخر بها الرجال والنساء ، فكل الأيام هي أيام المرأة لأنها تناضل من أجل تخطي كل القيم الرديئة والبالية والتغيير نحو الأجمل والأحسن ، ولم تزل رغم كل المصاعب والمصائب مستمرة في العطاء وسلوك الدروب المليئة بالأشواك من اجل أن تحقق الأهداف السامية والنبيلة للشعب الفلسطيني .
فالتحرر الحقيقي للمرأة إذن، هو التحرر من الاضطهاد الاجتماعي بمساواتها بالرجل في الحقوق، وفي اتخاذ القرار في كل الميادين وعلى كل المستويات، والمشاركة في الأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأسرية والنضالية، هذا هو التعبير عن حقيقة الارتباط الوثيق بين قضايا المرأة الفلسطينية والعربية وقضايا مجتمعاتها في الاستقلال الوطني والنهوض والتقدم الاجتماعي والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية بالالتحام العضوي بالعامل القومي العربي من حولنا، وهي قضية يتحمل مسؤوليتها الطليعة المثقفة من الرجال والنساء على حد سواء، لأن مواجهة جوهر الأزمة الراهنة، بكل مظاهر التخلف والتبعية والجهل والاستبداد والقهر، إلى جانب الفقر وسوء توزيع الثروة وغياب العدالة الاجتماعية، يحتم هذا الترابط الجدلي الفعال بين السياسة والاقتصاد، أو بين التحرر الوطني والقومي من جهة، والتحرر الديمقراطي المجتمعي الداخلي من جهة أخرى.
لقد انخرطت المرأة في النضال داخل فلسطين وخارجها، وخاضت ببسالة معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية في مواقع وساحات جغرافية ونضالية مختلفة ، وانضوت تحت لواء منظمات المقاومة الفلسطينية.
وغني عن القول فأن المرأة ظهرت في عدة صور ، فهي الأم التي حثت أبنائها وبناتها على التعليم والعمل والإنتاج ، وأرضعتهم حليب الثورة وحثتهم على النضال والإستشهاد أيضاً ، وهي المعلمة التي علمت أجيال والعاملة الكادحة التي أنتجت ، والمنظمة التي قادت خلايا تنظيمية ونقلت الرسائل وسهلت اختفاء المناضلين، و هي المرأة المحرضة والداعية السياسية النشطة والقائدة الجماهيرية ، و المقاتلة ضد الإحتلال من أجل الحرية والإستقلال ، فشاركت بالقلم والحجارة وزجاجات المولوتوف وفي العمل المسلح ، فهي التي شاركت في عمليات نوعية عجز عنها العديد من الرجال من خلال العمليات الإستشهادية ، كما ولعبت المرأة الفلسطينية دوراً محورياً في حماية التقاليد والتراث الوطني وغرس احترام القيم الوطنية .
وقدمت المرأة الفلسطينية الأم المثالية والمناضلة المميزة والقائدة الفذة ، قدمت الشهيدة الخالدة والأسيرة الصامدة والمبعدة الحالمة بالعودة ،والمحررة الصابرة التي أمضت شهور و سنوات طويلة وراء القضبان .
وكانت شادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية استشهدت اضافة الى العديد من الشهيدات البطلات الذان شكلن نموذجا للعطاء والتضحية في المقاومة الفلسطينية والعربية ومنهن دلال المغربي وسناء محيدلي وغادة الحلبي وتحرير منصوروعندليب طقاطقة ووفاء ادريس وايات الاخرس وجوهر ابو رحمة ويسار مروة ويسار مروة وغيرهن .
وامام كل ذلك نرى وقفة الاسيرات المناضلات في سجون الاحتلال التي تزداد معاناتهن أسوة ببقية الأسرى ، حيث نستغل إدارة السجون عددهن القليل وقامت بالاستفراد بهن وزجهن في زنازين انفرادية وحرمانهن من أبسط متطلبات الحياة الإنسانية،فمعاناتهم تتعدى الوصف فهي الأم التي أنجبت خلف القضبان ولم يفك قيودها إلا قبل الولادة بربع ساعة فقط ، وهي الأم التي تركت أولادها الصغار لتمضي سنوات خلف الأسر ، وهي الطفلة البريئة التي لم يرحموا طفولتها لتزج هي الأخرى في زنازين الإحتلال ، وهي الأسيرة التي تمضي حكماً بالسجن لعدة مؤبدات .
وبالرغم من ذلك أثبتت الأسيرة الفلسطينية كما المرأة الفلسطينية عامة أنها عصية على كل مؤامرات الإحتلال في الحط من عزيمتها ، فخاضت منذ بداية تجربة الاعتقال العديد من النضالات والخطوات الاحتجاجية في سبيل تحسين شروط حياتهن المعيشية وللتصدي لسياسات القمع والبطش التي تعرضن لها ، وقد شاركت جنباً إلى جنب مع الأسرى بالعديد من الإضرابات المفتوحة عن الطعام استمر بعضها إلى أسابيع وشهور ، واستطاعت الأسيرات بفعل نضالاتهن وصمودهن تحقيق العديد من المنجزات وبناء المؤسسة الاعتقالية باستقلالية داخل السجن .
ولهذا نؤكد أن يوم المرأة هذا العام هو يوم الانتصار لكرامة وحرية المرأة الفلسطينية والعربية التي دفعت ثمنا غاليا ، وأن سياسة الاعتقال الإداري طالت الأسيرات من بينهن هناء الشلبي التي قضت عامين ونصف العام في الاعتقال الإداري.
لم تختلف المرأة العربية عن المرأة الفلسطينية في النضال وهذا ما رايناه في مسيرة التغيير، التي تجتاح المنطقة العربية، ولم تمنعها التقاليد المحافظة، التي تحكم أغلب البلدان العربية من المشاركة في دعم الثورات العربية، فكان للنساء في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين دورا في تقدمهن الصفوف ليقفن إلى جانب الرجال داعيات إلى تحقيق تحول ديمقراطي في المجتمعات العربية مع فارق كبير يميز ثقافة كلا من البلدين ونظرة النخب فيهما لدور المرأة في المجتمع.
ان دور المرأة العربية في انتفاضات وثورات التغيير في البلدان العربية وتقديمها الشهيدات وفي مقدمتهم سالي زهران يؤكد على اهمية دور المرأة والانتصار لها كما للوطن والشعب فهي اليوم تحتل قائمة شرف معطرة بدماء الشهادة والنصر، دماء تفتحت بها ورود الحرية، ورود تستمد نضارتها الدائمة من تلك الدماء الطاهرة.
ومن هنا نرى ان على الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية لعب دورا بارزا في الحياة السياسة الفلسطينية من خلال استنهاض طاقات المرأة الفاعل في منظمة التحرير بعد درست المرأة الفلسطينية تجارب الشعوب التي تحررت من الاستعمار، وأدركت أن خلاص الوطن من الاستعمار والاحتلال، وهذا يتطلب إشراك المرأة في لجان المصالحة حتى تكون شريكة فاعلة في عملية ترتيب البيت الفلسطيني.
ختاما : اقول ان ابلغ رسالة اليوم تسطرها الأسيرة هناء الشلبي هي نموذجا حرا لكل المرأة الفلسطينية والعربية باصرارها على استمرار الإضراب المفتوح عن الطعام ولن تتوقف عن ذلك حتى لو أدى إلى استشهادها وبذلك هي تسير نحو المستقبل مزدحمة بجوعها الى الحرية المنشودة ، ترفع إرادتها سارية لكل المناضلات على هذه الأرض .
كاتب سياسي