أهمية جمع وتأريخ مشاركة المرأة في الثورات العربية؟



أسماء صباح
2012 / 3 / 6

يقال أن التاريخ " يعرف الماضي بأفراحه وأتراحه لفهم الحاضر وتشريع المستقبل المرغوب للفرد والمجتمع، وذلك يؤدى -كما هو الحال مع فلسفة التربية - إلى تحديد نوع الإنسان المطلوب فى مرحلة زمنية قادمة، ويفيد "محمد زياد حمدان" أن التاريخ هو إناء التراث وسجل ماضي الأمم والشعوب، الذى يضم فى ثناياه صعاب الحياة وسهلها، وإبداع الأفراد والمجتمعات أو عقمها وتقهقرها، ولكن التاريخ فى كل هذه الأحوال مصدر عبرة وحكمه ووسيلة هامة لفهم الحاضر وتخطيط المستقبل الأفضل.

وفي تعريفه للتاريخ أيضاً يقول ابن خلدون في مقدمته "أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وتشد إليه الركائب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة.. وتتنافس فيه الملوك .. ، ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأول ، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال وتؤدى إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمحال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان لهم الزوال0 وفى باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لهذا أصيل في الحكمة عريق ".

ولأن التاريخ على إرتباط وثيق بالثقافة، من خلال قيامه بدور فعال في صيانة واستمرار وتحسين ثقافة المجتمع بتبنيه الأهداف التربوية العامة للمجتمع والعمل على تحقيقها بالمعلومات والخبرات والأنشطة الاجتماعية المناسبة، وحمايته للتقاليد والمثل والمعتقدات التي يقبلها معظم أفراد المجتمع ويشتركون في تطبيقها، ودمجها معا بصيغ تربوية يسهل تقبلها وتعلمها، وتركيزه على بناء الفرد وإصلاحه وإظهار الدور الذي يمكن أن يقوم به لنفسه ولمن حوله في نمو ثقافة الأمة وتطويرها.

وللتاريخ أهمية عظمى في بناء الأمم، والمحافظة على هويتها وشخصياتها بل وعلى قوتها، وقدرتها على الشموخ، والاستطالة والاستمرار فهو جذور الأمة التي تضرب بها في الأعماق، فلا تعصف بها الأنواء، ولا تزلزلها الأعاصير، ولا يفتنها الأعداء 00 وهو ذاكرة الأمة، والذاكرة للامة كالذاكرة للفرد تماماً، وبها تعي الأمة ماضيها، وتفسر حاضرها، وتستشرف مستقبلها.

تاريخ المرأة في الثورة!

بعد هذه المقدمة عن أهمية التاريخ في حفظ ذاكرة الفرد والأمة لا بد لنا من القول أن على المرأة أن تجد لنفسها مدخلاً من أجل حفظ دورها تدوينه وتأريخه حتى لا يضيع جهدها ولا يتم نقله بأمانة للأجيال القادمة من النساء الصغيرات والفتيات، وحتى تكون الأمهات محطة فخر للبنات.

ولكي تؤكد المرأة وتحفظ حقها في مشاركة الرجل مشاركة سياسية تنموية فاعلة بعد تجلي الثورات وانتصارها انتصاراً كاملاً ليس بعد شهر أو شهرين، سنة أو سنتين وإنما بعد سنوات وقد يكون عقود، فإذا لم تتنبه المرأة لهذه الخطوة الآن فستضيع تضحياتها وتجد نفسها على هوامش تاريخ الثورة، إن حصلت على الهامش، فللرجل المتن كله.

ففي حين يهتم المؤرخ "الرجل" بتأريخ وتدوين كبرى الأحداث في الثورة ينسى ذكر التفاصيل، ليس لأنه يريد نسيانها ولكن لأنه غير ملم بتفاصيل الأفراد، فكل فرد أدرى بدروه ومدى الفاعلية التي أحدثها في هذا الحراك الإجتماعي الذي أدى الى التحول السياسي وقد ينتقل في المستقبل الى تحول ديمقراطي فعلي، أما اذا لم تنتهز المرأة الفرصة وتتنبه لخطورة المرحلة فسيؤدي بها ذلك الى الخروج من صفحات التاريخ القادم وهي التي شاركت بقوة غير مسبوقة متحديةً النظام الإجتماعي أولاً والسياسي والثقافي في نفس الوقت.

يقول ستيوارت هيوز "إن التاريخ كان يعد نفسه دائماً علماً شاملاً وعلماً وسيطاً، وقد كان التاريخ في الماضي يربط الشعر بالفلسفة، وهو اليوم يربط الأدب بعلم الاجتماع، وما دام لكل شيء تاريخه، فإن التاريخ كعلم يشمل كل شيء" لذلك فالروايات الشفوية والمكتوبة وحكايات النساء عن الثورة ستكون جزءاً مهما من التاريخ القادم إن عملت النساء أنفسهن على ذلك.