في عيد المرأة .. دعوة لتطوير المتقدم في موروثنا الاجتماعي



محمد عبعوب
2012 / 3 / 7

لو طورنا بعضا من تقاليدنا الاجتماعية المستنيرة في العلاقة بين المرأة والرجل والتي ورثناها عن أجدادنا، ما كنا لنحتاج الى كل هذه الضوضاء عن حقوق المرأة وما كانت لتتردى حقوقها الى هذا المستوى من الانتهاك والمهانة التي اختلقناها بالامس القريب وترتفع اصواتنا اليوم للتنديد بها والمطالبة بتصحيحها.. مع التاكيد على ضرورة الأخذ بما يلائمنا من مكتسبات تحققت للمرأة في العالم المعاصر..

بنظرة متفحصة لواقع امهاتنا قبل ثلاثة عقود تقريبا، وبتحليل الكثير من تقاليدنا الاجتماعية قبل طفرة البترودولار وموجة الاصولية الظلامية التي اجتاحت منطقتنا مع نهاية سبعينات القرن الماضي، نكتشف ان وضع المرأة العربية كان متقدما بشكل يتجاوز واقعها اليوم، إن على مستوى التعامل او على مستوى المشاركة في صنع القرار في نطاق الاسرة، مع مراعاة عدم مقارنة ذلك الوضع بما يشهده العالم المتطور من انصاف للمرأة في نطاقه..

المرأة العربية وحتى ثمانينات القرن الماضي كانت شريكا أصيلا للرجل في العمل، خاصة في الارياف، ولا زلت اذكر والدتي ونساء قريتي وهن يعملن الى جانب الرجال في الحقول اثناء الحصاد وفي جني ثمار الزيتون وفي الكثير من مجالات الحياة، بل لا زالت أذكر نساء من المدينة يعملن الى جانب الرجال في المصانع البسيطة وفي الادارات كعاملات، ويقفن جنبا الى جنب مع الرجال في وسائل النقل العام بكل احترام وتقدير ودون ان يثرن اية شبهات نراها اليوم تسيطر على العقول وتحول المراة في نظر الرجال الى مجرد بئر لإطفاء الغرائز ، كما لن أنسى والدتي وهي ترحب بضيوف والدي من الرجال المحترمين في غيابه وتقدم لهم واجب الضيافة وتكليفنا نحن الصغار بتقديم الخدمات لهم، ولن انس العدد البسيط من فتيات قرانا درسن معنا في المدارس الابتدائية والاعدادية وحتى في المعاهد المتوسطة بزيهن البسيط الذي لو خرجن به اليوم لأدن بالتبرج والخروج عن الاسلام.. ولا زالت في مخيلتي صور تلك العجائز في قرانا الوديعة اللاتي فقدن أزواجهن في وقت مبكر وروين لنا كيف قمن بتربية اطفالهن وتأمين احتياجتهم بالعمل في الحقول وفي الكثير من المهن التي يحتكرها اليوم الرجال، بل إن منهن من حملت السلاح للدفاع عن أبنائها في أوقات الشدة.. ولن تغادر مخيلتي صورة عمتي تلك السيدة أخت الرجال التي كانت تقارع الرجال بزجلها البليغ وتواجههم بقوة بيانها ، وكيف فرضت الكثير من قراراتها على والدي الذي يصغرها سنا .. ولا زال حضور المرأة لحفلات الموسقى الشعبية وجلسات الشعر الشعبي الى جانب الرجال في حفلات الزواج بقرانا واريافنا تمثل نموذجا متقدما لتقاليد اجتماعية بدأت تندثر في مدننا منذ عقود.. الكثير من المشاهد والتقاليد الاجتماعية الموروثة عن أجدادنا فيما يخص دور المرأة في مجتمعنا، لو عملنا على تطويرها وتنقيتها من بعض الشوائب لكان حال المرأة في بلداننا غير الذي هي عليه اليوم..

لقد سجنا المراة في البيوت بعد ان كانت شريكا اصيلا لنا في معظم حقول العمل الزراعية والصناعية والمهنية.. نزعنا عن المرأة زيها الشعبي العملي والمحتشم وكفناها في لفائف من الظلام الاسود وحجبنا وجهها تحت ستار اسود بعد ان كانت تطل علينا بمحيا يبعث الاعجاب والاحترام فينا.. اقمنا مجتمعين واحدا للذكور وآخر للاناث في مناسباتنا المختلفة وفي ميادين العمل وفي وسائط النقل وفي مؤسسات التعليم ، واصبح مشهد المرأة حيثما حلت مثيرا للغرائز، وتغير مشهدها من شريك فاعل في الحياة بكل وجوهها الى مجرد فرج يعمل كل على احتكاره لإطفاء الغريزة وإلغاء كل ما يمكن ان تقوم به هذه المخلوقة من إسهامات في مجالات الحياة الأخرى..

لتحقيق نقلة نوعية للمرأة العربية قابلة للاستمرار وتحقيق نتائج ملموسة في حيتنا، اعتقد أنه لابد لنا من الرجوع الى الكثير من تقاليدنا وقيمنا الاجتماعية الايجابية الموروثة والعمل على تطويرها وخلق آفاق رحبة من خلالها تدفع بالمرأة من جديد لتطوير تلك القيم المتقدمة نسبيا في حياتهن والتخلص من ثقافة حقبة البترودولار وموجة السلفية المنغلقة ، والعودة لاحتلال مكانة جداتهن في العمل واتخاذ القرار وإدارة شؤون الحياة بما يتماشى وطبيعتهن الفسيولوجية، والكف عن حالة الاندهاش والجري وراء ثقافة مستوردة قد لا تفيدنا، والالتفات الى الجميل والمتقدم من موروثنا الاجتماعي لإغنائه وتطويره بما يفيدنا في انجاز مشروع إعادة الحياة الى نصف مجتمعنا المشلول .