هكذا تحتفل النساء........



محمد قرافلي
2012 / 3 / 8


تمثل النزعة الاحتفالية سمة مشتركة بين أفراد الجنس البشري غم اختلاف أجناسهم وتباين ثقافاتهم وحضاراتهم، إذ تلازم مظاهر الاحتفال كل انجازات الإنسان وتطبع مساره وصيرورته ولا نجد جماعة بشرية تشكل استثناءا عن هذه القاعدة، إلى درجة يمكن القول أن الاحتفال غريزة وان الإنسان كائن احتفالي بطبعه. وان رمزية الاحتفال تلفه من أخمص قديميه إلى رأسه وتلازمه من المهد إلى اللحد وتستمر من ورائه، ولعل سر ذلك يرجع إلى أهمية الاحتفال وما يحدثه من شرخ في مجرى السيولة الزمنية وتغيير وقلب في بعض التمثلات والمفاهيم وما يواكبه من كيفيات الانهمام والاهتمام بالذات وما يقدمه من وظائف تتجسد في تطهير وتنشيط فعالية الإنسان و إعادة لحم للذاكرة الجماعية، وكذا تجديد لحركية التاريخ واغتناء لصيرورته. فلا غرابة أن تمايزت الشعوب والمجتمعات في أشكال احتفالاتها وفي كيفيات إحيائها وتباينت في طرق الاحتفاء بها.
الحال أن غريزة الاحتفال في فترتنا الراهنة قطعت أطوارا وتقلبت أحوالا إلى درجة يصعب مقارنتها ومقايستها بما سبقها لأنها ابتدعت ما لانهاية من أشكال الاحتفال واتسعت دائرتها من حيث احتوائها وتجاوزها لمختلف أشكال الاحتفال ومسخها ووأد البعض منها وتجديد البعض الآخر. ولعل أهم ما يميز عصرنا هو تداخل وتقاطع أشكال الاحتفال بين مختلف الشعوب في ظل الانقلابات والتحولات الاجتماعية والسياسية التي أفرزت طرق جديدة في الاحتفال بمختلف القضايا بدءا بما يرتبط بالإنسان بهمومه وقضاياه وانجازاته، حيث أصبحنا نسمع باليوم العالمي للشغل واليوم العالمي للطفل واليوم العالمي للتدخين واليوم العالمي لمختلف الأمراض والأوبئة كاليوم العالمي للسكر ولأمراض الكلي وللسيدا......... التي تهدد البشرية في عصر العلم المظفر وأيام للاحتفال بالمشاعر كعيد الحب .....ومنها ما يرتبط بالبيئة كاليوم العالمي للأرض واليوم العالمي للمحافظة على البيئة وهلم جرا قد تطول القائمة ولا نستطيع جرد الأيام العالمية بحيث يمكننا أن نتصور وفق تلك السيمفونية تناسل للأيام العالمية فلا نندهش إذا شاهدنا مستقبلا لكل حيوان يومه العالمي كاليوم العالمي للحمار وللكلب وللسلحفاة......وأيضا يصبح لكل عنصر من الكائنات يومه العالمي لكل بحر يومه ولأنواع أسماكه يوم خاص بكل نوع، للدلفين وللقرش، وللسردين الذي اخذ ينقرض من المياه المغربية ويحتاج إلى وقفة والى أكثر من يوم لأنه يهدد انقراضه حياة المغاربة بالانقراض. كما يمكن أن نتصور لكل فرع معرفي يومه المعرفي كاليوم العالمي للفلسفة واليوم العالمي للطب واليوم العالمي لتسامح الحضارات.....ليس الغرض من الجرد التنقيص أو السخرية من المشهد وإنما عرضه في شموليته كي لا نتيه وسط الأيام العالمية ، وعوض الاحتفاء والاحتفال بكل الأيام والتي قد لا تسعف 365 يوما على استيفائها عليناان نقلص اللائحة حتى يمكن التحكم فيها وعقلنتها ونتمكمن من الاقتصاد في الجهد والزمن والتفكير وتبويبها وتشجيرها بحسب الجنس والنوع كان نقتصر على اليوم العالمي للحيوان كلبا او قطا كان او سمكة واليوم العالمي للإنسان طفلا أنثى أو ذكرا طفلا أو مراهقا شابا او شيخا كهلا، يهوديا أو يسوعيا مؤمنا أو ملحدا مدخنا أم سكيرا معافى أم عليلا.... وتجميع العلوم في سلة أو سلسلة واحدة ما دامت بدأت تتزاوج مع بعضها وقد يؤدي ذلك إلى تناقحها بدل تشتيتها..... وكذلك الأمر بالنسبة لخطاب الحقوق وسياساتها....وعندئذ تتحقق لرؤيتنا العقلانية وتنتزع المشروعية وتتماشى مع خطاب الكونية الذي تجتره مختلف المنابر وتطفح به خطابات العولمة وبالتالي ننأى بأنفسنا وبغيرنا عن التلبيس والاستهتار وتمييع المشهد. عل ماذا يؤشر المشهد الاحتفالي؟ ألا يمثل الاحتفال باليوم العالمي بالمرأة جزءا من المشهد العام أم يشكل استثناء ويعبر عن نقلة نوعية وانقلابا جذريا في أطرنا المفاهيمية وفي نظرة الإنسان لذاته ونظرته للمرأة ولعلاقته بالأخر بصفة عامة؟ ثمة خطاب واحد حول المرأة يستحضر ويأخذ بعين الاعتبار مختلف شروط وأحوال المرأة أينما كانت أم انه خطاب متمركز وفئوي ينبع من خلفيات ويعبر عن إرادات وقوى تنزع نحو التسلط والهيمنة؟ ثم من يستفيد من هذا الخطاب؟ وهل هو خطاب واحد أم خطابات متعددة؟
حتى لا نتيه وسط شبكة وحقول المواقف والخطابات المتعددة حول إلزامية وضرورة الاحتفال بالمرأة وتصوراتهم لأشكال الاحتفال فانه يمكن التمييز بين تصورين جديدين قديمين يمثل كل واحد منهما رد فعل على الآخر، خطاب يعتبر القضية مصيرية بغض النظر عن الخلفيات والشروط التاريخية لهذا الخطاب ويعتبرانه ينبغي النهوض بعملية انتربولوجية وفكرية لتغيير الصور النمطية التي ترسخت في المخيال الفردي والاجتماعي عبر العصور وانغرست في المنظومة القيمية والرمزية في عقلية الإنسان العربي خاصة وتم إضفاء عليها القداسة وتحولت بمثابة قوالب تابثة منها يستلهم العربي مبادئه وتمثلاته ومفاهيمه في نظرته للمرأة وفي كيفية تعامله ومعها والغاية من وجودها. إذ تستبطن تلك التمثلات مفهوما للمرأة تشييئيا يحولها إلى مصدر للإفراغ والإشباع النزوي أو تحفة نادرة وديكورا للتباهي والتفاخر وموضوعا وخشبة مسرح لانجاز بطولات فارغة وغزو أراضي جديدة، وقد نحتاج إلى انتربولوجية تاريخية لتعرية الركامات واستنطاق المسكوت عنه في قبائل العرب وصحاريها كما نحتاج إلى انتربولوجية لليومي وللراهن من اجل معاينة مختلف التمثلات وكيف تصرف في البيت وفي الشارع وفي المدرسة وفي السوق وفي العمل وفي أسرار السرير وفي النكت والمقاهي .......كما يستند هذا الخطاب إلى جهد سياسي ونضالي تجلى مع مختلف الحركات السياسية التحررية التقدمية التي حققت انجازات لا يمكن إغفالها في فترات ما بعد الاستقلال وخلال الستينات والسبعينات والتي لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها، كمحاولات التأصيل فكريا وإخراجها من العتمة ومن المحرمات وتفكيك الثالوث المحرم الذي تقوم عليه، وفضح النزعة الذكورية التي تحكم التاريخ العربي والسلطة التي تغلغلت في بنية المجتمعات العربية في الحكم والسياسة وفي الدين وفي التربية والتعليم وفي البيت وهي سلطة أبوية تكرس علاقة الشيخ بالمريد وعلاقة الجلاد بالضحية، مع محاولة التأسيس لها قانونيا وسياسيا ونقابيا والنضال من اجل تفعيلها. لعل هذا الواقع المأزوم للمرأة والانجاز الذي تم تحقيقه نسبيا يضفي على اليوم العالمي للمرأة مصداقيته بالنسبة للعالم العربي بحكم أن واقع التازيم لا يزال قائما من جهة وكذا تراجع الاهتمام بأهمية القضية وتراجع الجهد الذي تمت الإشارة إليه سلفا تنظير وتأصيلا وتأسيسا وممارسة مما يجعلها راهنيته تبدو ملحة. ويتمثل التحدي الثاني الذي قد يزيد من حضور الاهتمام وحتميته في معطيين، الأول خاص نسبي مصدره الحراك العربي مع الربيع العربي وما أحدثه من خلخلة لبنية الأنظمة الاستبدادية القائمة وما كشف عنه من تفككات وأزمات هيكلية من بينها واقع الاستبداد والإقصاء والتهميش الذي ليس حكرا على المرأة إنما يشمل الرجل والمرأة معا ويختلف من حيث الدرجة فقط، كما ارتبط بهذا الحراك عنصر ثاني لا يقل خطورة يتمثل في صعود التيارات ذات التوجه الديني والتي لا يزال خطابها حول المرأة يتصف بالانغلاقية والالتباس والانتهازية. أما التحدي الأهم والذي يجعل منه ظاهرة كونية يتجسد في المال والمنعطف الأخير الذي اتخذته الصور النمطية للمرأة في ظل العولمة بحيث أن عملية تكريس تلك الصور أصبحت صناعة تسهر عليها مؤسسات وشركات عابرة للقارات وتوظف فيها مختلف الوسائل التقنية والفكرية وتنجز مخططاتها عقول جبارة وبرامج وأنظمة رقمية جد متطورة. ويحكم اختراق صورة المرأة وتجريدها من مقوماتها الفكرية والأخلاقية عاملان: دافع تحصيل المال والربح بأية وسيلة وبأية طريقة لذلك تشكل الصور النمطية للمرأة سلاحا فتاكا يخاطب المخيال والوجدان ويخترق الأعماق وتتم العملية بكيفية محسوبة ومدروسة مدعمة بما استجد من تقنيات السينما والإخراج ومن فن صناعة النجوم وملكات الجمال ومن إثارة وإغواء وماركوتينغ المعاملة والمفاوضة وجذب الزبون.........وبالفعل قد تم النجاح في ذلك ويكفي تصفح القنوات ومعاينة الأيقونات والتحف المرمرية للمذيعات وللاشهارات وللأشكال المعوضة أو العبور إلى العالم الرقمي للاستمتاع، أو من خلال المسلسلات، أما العامل الثاني ويرتبط بالأول ارتباطا وثيقا لا ينفصل عن منظومة الرأسمالي وأصحاب الثروة فهما يستبطنان حقدا دفينا وباعثا راهبا لتجريد الآخرين من إرادتهم وكبريائهم خاصة المرأة من اجل تحويلها إلى بضاعة وبالتالي يتأتاه تكديس النساء والحريم تكديسه للأموال تلبية لغروره وإرضاء لنزواته وبالتالي ينجح في تحويل كل شئ يراه أو يسمعه ويتخيله ويمسه إلى بضاعة وشئ قابل للسمسرة وللكراء والرهن والقرض.........
نستنتج أن الصورة التي حاولنا معاينتها تبدو وفق منظور اشد تفاؤلية وتبعث على استحضار مختلف المفاهيم والتصورات السائدة والتي من خلالها نقارب المشكلة ونقراها ونحاكمها والتي تحتاج إلى إعادة تفعيل والى جرأة والى انتربولوجية لليومي والراهن تفكك على الأقل الصور النمطية وتحيط بالمشكلة في شموليتها بدل تجزيئها وتشظيتها، أما من منظور ثاني فانه يبرز البعد التراجيدي لصورة المرأة خاصة أن هذا المنظور يشكل خطابا مضادا للخطاب التحريري ويسعى باستمرار إلى التمويه والتعتيم وخلط الأوراق حتى تلتبس اللعبة ولا يمكن التمييز بين الجلاد والضحية وبين الجاني والبرئ وبين الفواعل الحقيقية وبين الأشباح الافتراضية والوهمية والمتخيلة كما انه مسنود ومدعوم ماديا وتقنيا وإعلاميا وإيديولوجيا بترسانة من أجهزة الضبط والمراقبة وأسلحة الإثارة والتحريض. وبالتالي فان الخطاب التحريري للمرأة مطالب قبل كل شئ أن يثور على نزعته الاحتفالية وان تحتفل النساء بطريقة أخرى بطريقتهن الخاصة مادامت المرأة تتقن فن الاحتفال أكثر من الرجل.