المرأة في عيدها الأول بعد الربيع العربي .. ومكافأتها على ثباتها الثوري في الميادين / جزاء سنمار وعادت بخفي حنين -والعباءة أم كباسين-.!



فيفا صندي
2012 / 3 / 8

تعد إشكالية حقوق المرأة واحدة من أهم القضايا الشائكة في المجتمعات العربية، وقد ازدادت تعقيدا بعد "الربيع العربي" مع وصول الإسلاميين إلى سدنة الحكم، فرغم إسراعهم لطمأنت المجتمع المدني على حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالخصوص، وتعهدهم باحترام الحريات الشخصية والمساواة، إلا أن مخاوف المرأة من أي انتكاسة وتراجع في حقوقها لا تزال قائمة بشدة، في ظل غيابها عن البرلمانات وعن مراكز صنع القرار السياسي في مجتمعات ثقافتها العامة ذكورية / متسلطة وأصبحت سياستها إسلامية وسطية / سلفية.

ومن هنا يحق للمرأة العربية أن تتساءل في ظل هذه التغيرات عن مستقبل حقوقها، وعما إذا كان الربيع العربي / الإسلامي سوف يأخذ بها إلى الأمام أو يرجع بها إلى الخلف في ظل خطاب ديني محكوم بإرث ثقافي ينتقص من المرأة ويراها دائما مخلوق عديم الأهلية، وكائن عاطفي غير عقلاني لا يحسن التصرف إلا في ظل وصاية الرجل، وأنثى لا تحسن في الحياة إلا إمتاع الرجل وتربية أولادها، ومصدر فتنة وغواية، وأخرا وليس أخيرا كائن شبق، وختانها ضرورة لضبط ميزانها الجنسي.

فما هي تداعيات "الربيع العربي" على حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والإنسانية بعد هذه المرحلة؟

شاركت المرأة في الثورات العربية وخرجت مطالبة بالتغيير وإسقاط النظام في شارع بورقيبة التونسي، وميدان التحرير المصري وساحة التحرير الليبية، وساحة التغيير اليمنية.. وغيرها من عناوين الانتفاضات الشعبية العربية المستمرة، وكانت مشاركة على قدم المساواة مع الرجل، فاعتصمت، وتظاهرت وكان صوتها يعلو أحيانا أصوات الرجال وتعرضت للعنف والشتم والاهانة وهي تندد بالظلم وتطالب بالتغيير.
وعلى خلفية ما سبق منحت جائزة نوبل للسلام لعام 2011 للمواطنة والصحفية اليمنية توكل كرمان، التي سميت "المرأة الحديدة" للربيع العربي، والتي تقاسمت الجائزة مع امرأتين أخريين، عملت كلاهن على إرساء حقوق المرأة ومشاركتها الكاملة في بلادهن.

فماذا جنت المرأة في دول "الربيع العربي" كـ ثمار لإسهاماتها وانجازاتها التي شهد لها العالم ككل؟

في تونس، لم يتأخر الأمين العام لحركة النهضة عشية الفوز بالانتخابات البرلمانية من طمأنة المرأة التونسية على حقوقها المكتسبة، ووعدهن بعدم فرض سلوكيات معينة على المجتمع واحترام حقوق المرأة.. لكن واقع الحال يقول أن الإسلاميون عامة هم ضد مدونة الأحوال الشخصية التونسية بل ويعادونها ويرون فيها نقضا للثوابت الدينية خصوصا في مسألتي الطلاق والتعدد.
وتجد المرأة التونسية اليوم نفسها في وضع المدافع عن حقوقها الموجودة وتناضل من أجل ضمان استمراريتها بدل الكفاح من أجل نيل حقوق جديدة. وتضغط النساء على الأحزاب لحماية قانون 1956 الذي يمنح المرأة التونسية مساواة كاملة مع الرجل ومواجهة الضغط المتزايد من المسلمين المتشددين الذين يرغبون في إعادتهن لأدوارهن التقليدية.

وفي المغرب، جاء الدستور الجديد مكرسا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مع إلغاء جميع أشكال التمييز على أساس الجنس، وأكد على مبدأ المناصفة في البرلمان.
لكن النتائج الأولية للانتخابات في عهد الدستور الجديد جاءت مخيبة للآمال، حيث شهدت هيمنة "ذكورية" على البرلمان المغربي الجديد، حصلت فيها النساء على ستين مقعدا على مستوى اللائحة الوطنية وثلاثة مقاعد فقط في اللائحة المحلية، مع استفراد امرأة واحدة بحقيبة وزارية ضمن حكومة الإسلاميين.
وقد عبرت مجموعة من الجمعيات النسائية والحقوقية عن "قلقها" إزاء هذه التغيرات ووصول الإسلاميين إلى السلطة، وتخوفهن على "المكتسبات" التي حققتها المرأة المغربية حتى الآن. رغم تصريحات عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة "المطمئنة" بهذا الخصوص.

وفي ليبيا، أثار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي قلق الكثيرين عندما تعهد بالالتزام بالشريعة فيما يتعلق بقضية تعدد الزوجات في كلمة ألقاها احتفالا "بتحرير" ليبيا، لكنه منذ ذلك الحين خفف من نبرة أية تلميحات عن حكم إسلامي متشدد.
ولم تشغل المرأة إلا موقعين من أكثر من أربعين منصبا رئيسيا في حكومة المجلس الانتقالي في بنغازي وقد استقالت إيناس الدراسي من المجلس تاركة المحامية سلوى بوقعيقيص عضوة وحيدة فيه قائلة: "عندما بدأت الثورة كان للمرأة دور كبير، والآن انحل هذا الدور/ اختفى.. ولا أعرف لماذا؟".

أما في مصر، ورغم الدور الكبير الذي لعبته المرأة خلال الثورة، إلا أنها كانت الخاسر الأكبر بعد نجاحها في إسقاط النظام، حيث عانت التهميش السياسي والضغط النفسي والعنف الجسدي نتيجة الانفلات الأمني.
فقد فوجئت المرأة المصرية بتهميش وإقصاء لها، بدءا من التراجع في القوانين التي استمرت تناضل من أجل الحصول عليها، وصولا إلى استبعادها تماما من كل مواقع صنع القرار.
فبين إلغاء الكوتة النسائية، واستبعادها من لجنة الحكماء لتعديل الدستور، وتجاهلها في التشكيل الحكومي، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، وحملة لإلغاء المجلس القومي للمرأة.
وبين استمرار القوى السياسية الدينية والمؤسسات الإسلامية والمسيحية، التي لازال يهيمن عليها الفقه التقليدي، وضع المرأة في دور هامشي في الحياة السياسية والأنشطة العامة، مع فرض أفكار فقهية تحط من دور المرأة تحت مقولات شعاراتية بأن دور المرأة في المجتمع عظيم ولكن يتمركز في تربية الأسرة فقط.
بين هذا وذاك تجد المرأة المصرية اليوم نفسها خارج المشهد السياسي، مضغوطة بالفكر الفقهي الرجعي الذي يريد تقزيم دورها فقط في خدمة الزوج داخل البيت.

ووضع المرأة في اليمن وسوريا والسعودية وباقي الدول العربية، لا يقل سوءا ولا تهميشا ونكرانا للذات.

ومع أن الوقت لازال مبكرا للحكم، إلا أن الصورة الحالية قاتمة، والبدايات لا تدعو للتفاؤل، ولا توحي بخير قادم.
فقد نجحت الثورات العربية في إسقاط الأنظمة، لكنها لم تستطع بعد إسقاط الفكر السائد، فضمان حقوق المرأة وتكريس المساواة بين الجنسيين وإلغاء التمييز بينهما ليسوا بعد على جدول التغيرات العربية.. ولن يتحقق هذا التغيير إلا بقدرة المجتمع على تغيير فكره ككل.

وما يجب البدء به الآن هو التصدي للخطابات الرجعية التي عادت للانتشار اليوم عن المرأة، فالنزعة الماضوية التي لازمت الخطاب الديني وجعلته أسيرا للماضي، يعيد إنتاج مقولات الفقهاء ويبحث في الماضي حلولا لمشكلات الحاضر دون انفتاح على ثقافة العصر ومتغيراته يجب أن تنتهي.

نحن أبناء اليوم، وحلول الماضي لا تجدي نفعا لقضايا الحاضر، لا في قضية المرأة ولا في غيرها، فقط يجب الأخذ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". فلكل عصر مشاكله، ولكل عصر حلوله وفتاويه التي لا تتوافق إلا معه ولا تنفع لغيره.

وما تحتاجه المرأة هو معاملتها كما أمر رب العالمين في القرآن الكريم، إنسان مكرم لدى خالقه، له كافة الحقوق الإنسانية، مع تكريس العمل على اساس مبدأ المواطنة، وهي السياق الأعم والأشمل الذي يجب التمسك به.

وكل عام والمرأة بألف خير..