المرأة والشريعة



سامية نوري كربيت
2012 / 3 / 8


شكرا لموقع الحوار المتمدن لطرحه هذا الملف المهم وفي هذا الوقت بالذات لأني اعتقد بأن كل ما يحدث في كثير من الدول العربية من أحداث سياسية يعطي مؤشرات تدعو لطرح هذا الموضوع المهم على صفحات الموقع ، الذي من أولوياته الدفاع عن حقوق المرأة بأعتبارها ركنا أساسيا من أركان بناء الأجيال الجديدة والتي تقع على عاتقه مهمة الحفاظ على وحدة المجتمع وقوة تماسكه والدفع به إلى الأمام لكي يصل إلى مصافي الدول المتقدمة ، تلك الدول التي تحررت من سلطة الكنيسة ورجال الدين وكل الأفكار والخرافات البالية التي سادت في اوربا طوال عشرات القرون وطبقت الديمقراطية الحقيقية ، وجعلت للمرأة مكانة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات ورفعت من شأنها وأعطتها المقام الذي يليق بها .
أما بالنسبة للأسئلة التي تضمنها الملف فسأحاول أن أجيب عليها باختصار شديد لأنه في الحقيقة أن كل سؤال مطروح يستدعي ملف بحد ذاته ، والسؤال الأول المطروح يتساءل هل سيكون للمرأة نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحدى نتائج الربيع العربي ؟؟
وقبل أن أجيب أحب أن أتسأل هل يحق لنا أن نقول إن ما يحدث في الدول العربية الآن هو ربيعا عربيا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أم هو شتاء حالك السواد ونتائجه لا يعلم بها سوى الله وحده ؟؟؟ لقد ابتدأ ربيعا قام به شباب مثقف محروم ومغيب مطالبا بحقوقه الأساسية في حياة حرة كريمة ، ومحاولا تخليص بلاده من حكام متسلطين نهبوا خيرات بلاده وكبسوا على أنفاس شعبه لعقود طويلة ، ولكن سرعان ما سرقت هذه الثورات من يد الشباب الذين قاموا بها والذين قدموا التضحيات بمئات الشهداء والجرحى ، سرقت من قبل تجار الدين الذين كانوا ولا زالوا يوظفون الدين لخدمة مصالحهم بتخدير شعوبهم بألأوهام والخرافات والعمل على العودة بالمجتمعات العربية إلى عهود التخلف والهمجية بغية الوصول إلى السلطة الذي هو هدفهم النهائي والاستراتيجي .
وهكذا خسر الشباب كل جهودهم وتضحياتهم ولم يحققوا أي من مطالبهم لأنهم وقعوا تحت سيطرة قوة ليس بإمكانهم الوقوف بوجهها ، خاصة إن هذه القوة تملك المال والدعم من كبار رجال الدين الملتفين حول حكام الدول ذات الاتجاهات الدينية المتشددة التي اتخذت من الدين وسيلة لأستلام السلطة ومن ثم احتكارها ، كما أنهم يملكون الأيديولوجية التي يستطيعون بواسطتها إخضاع الشعب الذي لا يزال يعيش بعقلية الجاهلية والمحروم من الثقافة ومفاهيم الحداثة ، والمغيب في عالم من الأوهام والخرافات بحيث يستطيع إمام جامع وبخطبة واحدة أن يحول الشخص إلى قنبلة موقوتة ، وبهذا تحولت السلطة من يد حكام بغاة إلى يد أشخاص يحملون فكرا سياسيا إسلاميا متشددا وليس أدل على ذلك ما نسمعه ونشاهده الآن في تونس والمغرب ومصر وليبيا وما حدث ويحدث في العراق والذي يدعي حكامه بأنهم يطبقون الديمقراطية ، وهم في الحقيقة طلاب سلطة ونفوذ وجاه مستندين على مرجعيات دينية شيعية تبرر وجودهم بفتاوى يستسلم لها الشعب المغلوب على أمره والموعود بجنات تجري من تحتها الأنهار ووووو كما نجد ذلك في الدول العربية الأخرى التي تقاد بأجندات سنية وهابية محصنة بفتاوى شيوخ الإسلام السلفيين ، وفي كلا الاتجاهين الشيعي والسني يهلل معظم الرجال في الدول العربية ويرحبون بالحكم الديني الذي تمنحهم فيه الشريعة الإسلامية كافة الحقوق والامتيازات وتجعلهم قوامون على النساء يفعلون بهن ما يشاؤون مدعومين بفتاوى رجال الدين الذين كانوا ولا زالوا يقودون الدول الاسلامية من وراء الستار وينفذون أوامر الحكام بإصدار الفتاوى والتشريعات ويجمعون من وراء ذلك ملايين الدولارات خاصة بعد أن أصبحت لبعضهم قنوات فضائية .
وفي هذه الأوضاع لايمكن أن نتوقع أية تغيرات ايجابية في حياة المرأة بل سوف تسوء أوضاعها الاجتماعية والثقافية طالما كانت السلطة بيد من يريد تطبيق الشريعة ، وأرجو أن لا يعلق احد الإخوة ويقول لي إن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة لأن في الشريعة الكثير الكثير مما يحط من شانها ، ولست هنا في مقام أن اذكر القارئ أو القارئة بمكانة المرأة وفق القوانين التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية واعتقد إن الأغلبية أصبحوا على اطلاع بمكانة المرأة على ضوء الشريعة ، ولكن مما جلب انتباهي في الانتخابات المصرية الاخيرة لمجلس الشعب إن أغلبية الفائزين كانوا من الأخوان والسلفيين وان اغلب المصوتين كانوا من النساء فهل تعتبر هذه النتيجة مطابقة للشريعة الإسلامية التي تجعل للرجل حظ الأنثيين ، إذن كان يجب جمع أصوات النساء وقسمتها على اثنين قبل حساب الأعداد للشخص الفائز ، وهذا مجرد اقتراح أرجو أن يؤخذ به عند انتخاب رئيس جمهورية مصر العربية أو رئيس أية دولة تجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي في الدستور .
وهنا استطيع أن أؤكد ومن متابعتي الدائمة للأحداث بأن ما تدعيه الأحزاب الإسلامية من أنها سوف تطبق أسلاما ليبراليا جديدا وحديثا يتناسب وفكرة الدولة المدنية هو كلام للاستهلاك المحلي فلم ولن تفعل ذلك لأن الأسلام يدعو إلى ( الثيوقراطية) في الحكم أو بمعنى آخر الحكم الإلهي وان الحاكم أو الخليفة يستمد سلطته من الله ولهذا لا يستطيع الشعب أن يحاسبه ، بعكس النظام الديمقراطي الليبرالي الذي يستمد سلطته من الشعب ، ولا يمكن أن نقول إن إجراء الانتخابات في الدول التي اجتاحها ما يسمى بالربيع العربي هو إجراء ديمقراطي لأنها تمت تحت شعارات دينية فالشخص المسكين الذي يذهب لكي ينتخب يقال له مثلا في مصر عليك انتخاب الأخوان أو السلفيين لأن الله يريد نصرة الإسلام وإذا لا تنتخبهم سوف يقع عليك غضب الله ، أما في العراق فالمصيبة اكبر وأعظم لأن الصراع بين السنة والشيعة على أشده الآن ولذلك يقال للشيعي يجب أن تنتخب الأحزاب الشيعية وإلا سيحكمك النواصب ، وان المرجع الفلاني أفتى بحرمة زوجتك عليك إذا لم تنتخب القائمة الفلانية أو الشخص الفلاني ، وفي الجانب السني يقال له إذا لم تنتخب الأحزاب الإسلامية السنية فلن يرضى الله عنك وسوف يحكمك الروافض ، و سيستمر هذا الوضع طالما استمر الصراع المذهبي سواء في العراق أو في الأقطار العربية والغير عربية الأخرى السنية المذهب والتي بدأ فيها نشاط شيعي ، وسوف نشهد قريبا صراعا مذهبيا في الشرق الإسلامي لا يعلم مداه سوى الله .
فأين ستكون المرأة من هذه الصراعات والدعوات التي تنتشر كالنار في الهشيم بتطبيق الشريعة الإسلامية ، أنا أرى بأن المرأة في الدول العربية سوف يزداد وضعها سؤا وسوف تبقى تعيش في الظل تعاني مرارة الحرمان من كل الحقوق ، كما إنها ستتحمل متاعب وهموم أكثر وتلقى عليها مسؤوليات اكبر ، بينما سيظل الرجل هو السيد وهو الآمر الناهي ولن يكون هناك أي إصلاح بل نحن مقبلون على فترة مظلمة حالكة السواد لن ننجو منها إذا لم ينهض شباب الأمة بدور قيادي من الجنسين ، وهذا لن يحدث إلا بقيام ثورة ثقافية تقضي على الموروث المتخلف وتفصل الدين عن الدولة وتقيم الدولة المدنية وتجعل الدين أمرا شخصيا بين الفرد وإلهه كائن من يكون ، وتفتح آفاقا جديدة للأجيال القادمة وأنا واثقة بأن هذا سيحدث في المستقبل (البعيد البعيد البعيد ) بعد أن تخوض الشعوب الشرق اوسطية مخاضا عسيرا تكون تكلفته باهظة جدا خاصة على المرأة المظلومة والمضطهدة دائما وأبدا.