المرأة والثورات العربية فى المجتمع الذكورى



ميشيل نجيب
2012 / 3 / 9

8 مارس الجارى هو عيد المرأة العالمى، وفى هذه المناسبة يحاول المهتمين بقضايا المرأة طرح أسئلة تجيب عن واقع المرأة سواء قبل أو بعد الثورات العربية، وهل أرتقى وضع المرأة فى تلك المجتمعات أم تخلف عن العالم الحديث، ما نسمعه من أخبار العالم المتحضر الحديث أن المرأة تعمل فى كل المجالات من عاملة صغيرة إلى رائدات للفضاء الفسيح، تعمل المرأة جنباً إلى جنب مع زميلها فى العمل دون إقحام للدين بين البشر فى أعمالهم، تمارس حياتها بكل حرية وأستقلالية لها شخصيتها القادرة على الأعتماد على ذاتها لأنها مؤمنة بقدراتها وبكيانها الإنسانى.
فى المجتمع العربى الذى يقحم الدين فى كل صغيرة وكبيرة، المرأة بالنسبة له تتلخص فى كلمة واحدة ألا وهى الشرف، لأن المرأة فى ثقافتهم هى مجرد عورة يجب الحفاظ عليها من أن يسمع أحداً صوتها أو ينكشف جزء من وجهها أو جسدها، إنها أشياء وفقاً للثقافة الجديدة التى هبت على المجتمعات العربية بعد الثورات الحديثة يجب إخفاءها حتى لا تنطبق السماء على الأرض وتثور البراكين والزلازل من تلك العورات العربية التى يخجل منها إله السماء وينال منه الغضب مقداراً كبيراً، وهو كلام رجال الأديان والسياسة الدينية والذى يصدقه البسطاء وما أكثرهم فى دنيانا.
لكن نشكر البشر من العالم الآخر الذين ملأوا حياتنا المتخلفة بكافة أنواع التكنولوجيا والرفاهية وأختراعاتهم التى تداوى مرضانا وأمصالهم التى تنقذ أطفالنا من الموت، لكن رغم ذلك فالجميع مستمر فى لعن هؤلاء البشر الذين أفسدوا لنا النساء والرجال الضعفاء الذين أستجابوا لثقافتهم المفسدة للأخلاق وعلومهم التى أنارت المجهول من عالمنا الأرضى وأسالت الذهب الأسود بين أيديهم بينما العرب يسيلون الدماء فى كل مكان.
أولاً: بدا واضحاً منذ حملات الدعاية الإنتخابية للمرشحين على سبيل المثال فى مصر أنهم أستعاضوا عن صورة المرأة بصورة وردة فى دعايتهم الأنتخابية، وذلك للعدد القليل جداً من المرشحات الذى فرضه وحدده قانون الأنتخابات لمشاركة المرأة، ويبدو الآن جلياً تلك النسبة الضئيلة للتواجد النسائى فى مجلس الشعب المصرى الذى يسيطر على سبعين فى المائة منه التيارات الإسلامية، أن الثورات لم تكن فى صالح المرأة فقط بل لم تكن فى صالح الشعوب نفسها، لأن هناك قوى خارجية وداخلية أنتزعت الثورة من أصحابها ونجحوا فى السيطرة على المجتمع بمساعدة المجلس العسكرى.
يقال أن هناك تغييرات محدودة بعد الثورات التى قامت فى بعض الدول العربية، لكن الحقيقة أنها تغييرات كبيرة أنتقلت بعقلية البشر من الأرض إلى غيبية السماء، تلك العقلية التى ينتظر الجميع ما ستفرزه وما ستقدمه لمجتمعات تعانى من الفقر وغارقة فى مشاكل إقتصادية لا نهاية لها وتحتاج إلى عقول تستخدم العلم الأرضى الذى تقدم به الإنسان وصنع حضارته وليس العلم السمائى الغيبى الذى يخدم فقط روحيات المؤمنين به لكنه يعجز عن ملئ جيوبهم وبطونهم بما يلزم من مستلزمات الحياة الإنسانية الضرورية.
العيش بكرامة وعدالة ليست قضية المرأة أو الرجل أو الطفل بل هى قضية الإنسان فى كل زمان ومكان، وإن لم تفهم المرأة ذلك فإنها تساهم فى الخنوع أكثر لإرهاب الرجل المستمر عبر القرون، ومن هنا على المرأة أن تعتز بدورها الحيوى فى المجتمع وتقاوم الصعاب والتحديات التى تقف أمام طموحاتها المشروعة للنهضة بالأسرة والمجتمع الإنسانى.
ثانياً: ستحدث تغيرات كثيرة بل بدأت تحدث قبل سقوط تلك الأنظمة الفاسدة، لأنها أنظمة نافقت وسمحت للتيارات الدينية بالتسلل والعمل الهادئ فى تغيير الشكل الإجتماعى للمرأة والرجل وتم تدجينهم وأستئناسهم لصالح الدين، ومنذ ذلك الحين أصبحت الثقافة الدخيلة الآتية من الخليج والوهابية السعودية سخية الأموال واقع منظور، ورأينا أولى تلك التغيرات عندما قامت قوات الشرطة أو الجيش بسحل الفتاة المصرية وسط المظاهرات الشعبية ولم يدافعوا عنها، بل أدانوها وبدلاً من أن تكون الضحية أصبحت متهمة .
منظومة القيم الثقافية والإجتماعية الإنسانية تم أغتيالها بالدهاء السياسى وأستغلال جهل المتخلفين وجهل المثقفين، وتم إحلال قيم القمع والتسلط والأستعباد لتتعالى أصوات الذكور ولتصمت أصوات النساء العورة، فالحراك الشعبى مرتبط بصراخ القادة الذى يحدد لهم ماذا يأكلون وماذا يشربون وماذا يلبسون، القادة الأتقياء الصالحين الذين لا يؤمنون بالديموقراطية إلا لتأتى بهم إلى الحكم ثم يحكمون ويشرعون بما تقوله لهم الأديان.
ثالثاً: لابد من تغيير ثقافة الرجل والمرأة تجاه الآخر، فنظرة الرجل المهينة للمرأة وأستسلام المرأة لتلك النظرة وتلك الممارسات التى تسلبها حريتها فى التصرف والتفكير والتحرك، هى ما تحتاج إلى التغيير الحقيقى فالثقافة المتخلفة مازال الرجل والمرأة يتلقاها منذ نعومة أظافره فى البيت والمنزل والمعبد والمسجد والكنيسة والشارع، ونقص الوعى أو لنقل تحديداً غياب الوعى بوجود مشاكل فى حياتهم هو ما يمنع التفكير فى علاجها، لأن المرأة تعتبر أن هذا دورها فى المجتمع وفى الحياة وعليها أن تسير وراء الرجل تنفذ رغباته وأوامره.
المرأة تحتاج الخروج من الخيمة الجاهلية المتوارثة، والدخول إلى عالم العلم والتقدم والحضارة الإنسانية والأتحاد فيما بينهم والتشجيع على الأستمرار فى التعليم والبحث عن المعرفة التى تقودها لمساعدة المحتاجات، وحتى تتمكن المرأة من فرض وجودها وهو شئ صعب فى تلك الغابة الذكورية التى لا ترحم، فالمرأة فى تلك المرحلة الصعبة من التغيير السياسى من الواجب عليها أن تكون منفتحة الذهن قادرة على التعامل مع أخوة وأباء وأزواج نظرتهم وثقافتهم تؤكد لهم بأن المرأة أصل كل الشرور، وعليه لابد أن تكون المرأة مقتنعة داخلها بأنها قادرة على تغيير تلك النظرة وتلك الثقافة المتخلفة بثقافتها الجديدة التى تؤتى ثمارها فى الجيل الجديد.
رابعاً: من النماذج الثورية التى تعيش مجتمعاتها روح المدنية الحديثة، نجد مصر وتونس حيث تسيطر الأحزاب الإسلامية على مفاتيح العمل السياسى حالياً، وهناك فرق بين ما تطرحه تلك الأحزاب إعلامياً وسياسياً الآن وبين ما سيتحقق بالفعل على أرض الواقع، والكل ينتظر ما سيتم تطبيقه من أهداف إذا كانت تتفق مع الثورة ومصالح الشعب أم أنها أهداف تتفق ومصالح الإله الغيبى.
مصر هى وطن لكل المصريين ينبغى أن يكون حاضناً لكل مصرى ومصرية مهما كان معتقده أو جنسه أو لونه، وإصلاح الوطن يحتاج إلى أيدى كل مصرى ومصرية ولا يحتاج إلى الأديان التى تعرقل عجلة التقدم والتغيير، مشاكل المرأة التى بدأنا نراها تطفو على السطح هى نتاج دينى تحاول قلة دينية فرضها على المجتمع المصرى خاصةً على المرأة التى يتلاعبون بها بأعتبارها ملكية خاصة للرجل العربى.
نظرة الرجل الشرقى للمرأة بأعتبار جسدها للخدمة والمتعة، هى أساس الأنحدار الثقافى والأخلاقى الذى يعانى منه المجتمع العربى، حيث يعطى الحكام السياسيين والقادة الدينيين لأنفسهم الحق فى سلب المرأة حقها فى الخروج بمفردها أو العمل أو أستخراج رخصة لقيادة سيارتها كما يحدث فى بعض البلاد العربية، ولا يوجد ثورة أو إنتفاضة لا من الرجال ولا من النساء على تلك الأوضاع المهينة لإنسانيتهم، لأن الدين يقيد أفكارهم وتصرفاتهم مما يعطل حريتهم ويعيق قدراتهم على التحرر من قيود الدين الغيبية.
خامساً: المرأة التى رضخت وأستكانت بالسمع والطاعة لسيدها، حملت على عاتقها مسئولية تبعيتها الأبدية للرجل الدكتاتور إضافة إلى أستمرار وراثة العادات والتقاليد البدوية والريفية والتى تسير جنباً إلى جنب مع التثقيف البدائى والتعليم الطائفى المتخلف عن ركب الحضارة، يعطى أستمرارية أكبر لتقليل المرأة من قدر نفسها وتسليمها الطوعى للذكر بحقوقها والخضوع له طواعية، حيث أن الغالبية من النساء يعيشون فى جهل وتخلف كبير فرضه عليهم المجتمع الذكورى وتقبلته النساء بصدر رحب وتعايشوا معه بأعتباره واقع أرتضاه الله لهم.
يوم عالمى للمرأة معناه أن تتذكر المرأة أنها إنسانة مثلها مثل الرجل، عليها واجبات ولها حقوق وعلى الجميع أحترام واجبات وحقوق الآخر حتى ينمو المجتمع ويتقدم بكافة عناصره الإنسانية، يوم عالمى للمرأة ليس معناه أحتفالاً بل هو تذكير للمرأة قبل الرجل بأن هناك نساء يتم إضطهادهم وإرهابهم والتحكم فى حياتهم بأسم الدين الذكورى وحياتهم تحولت إلى حبس أو سجن إنفرادى مستحيل عليهم مغادرته، لذلك على الجميع مناقشة المشاكل التى تعانى منها المرأة وتقابلها فى المجتمع العربى، لنستطيع التقدم نحو المستقبل بمجتمع متوازن تعمل فيه المرأة وتمارس حريتها فى المشاركة المجتمعية الفعالة إلى جانب الرجل.
وكما أن للمرأة عيدها كذلك أبتدعوا للرجل عيده العالمى يوم 19 نوفمبر من كل سنة وتبنى اليونسكو إعلانه منذ سنة 1999 ، وتعترف بهذا العيد ما يقرب من عشرة دول على مستوى العالم، وللأسف هناك من أعمتهم الثقافة الذكورية الدكتاتورية من النساء والرجال ويطالبون بالإحتفال بيوم الرجل العالمى، وتناسى الجميع أن يوم المرأة العالمى ليس للرقص والغناء وتقديم الهدايا، بل لدعم ومواصلة الجهود الرامية لأسترداد المرأة لحقوقها المسلوبة وأسترداد وضع المرأة الحقيقى كأنسانة فى مجتمع إنسانى ينظر إلى عقلها وليس إلى جسدها.
سادساً: فى النهاية نحن أمام منظومة تعليمية فى العالم العربى تتعايش على الموروثات الغيبية، وأصابها الجمود والنتيجة لذلك شعوب تتعلم بالسماع والتلقين والحفظ، وترفض محاولات الإصلاح وقيم الحداثة والتغيير بأعتبارها محاولات ومؤامرات خارجية تريد النيل من الثوابت العربية وهدمها عن طريق نشر قيم الفساد الغربية ومنها خروج المرأة للعمل والتحرر من سيطرة الرجل عليها، والدور الوحيد الذى يمكن للرجل عمله للتخلص من تسلطه وأستبداده بالمرأة هو قيامه بنشر الثقافة والتعليم لتغيير أفكار البداوة التى تخيم على المجتمع بأسره.
لذلك لا بد للمرأة أن تعى جيداً أن التعليم والتنوير هما أدواتهما الحقيقية للسباحة ضد التيار الذكورى الدكتاتورى، ولابد للمرأة أن تدين عبوديتها لنفسها ولاتستعذب عبودية الرجل لها، إن الإنجازات التى حصلت عليها المرأة فى مصر وتونس واضح أنها فى طريقها إلى الأندثار منذ أن وصلت التيارات الدينية للحكم بتلاعبها على وتر النزعة الدينية للشعوب.
لا تفكروا فى مساعدة الرجال لأنهم مشغولون بالحلال والحرام ومحاربة المواقع الإباحية وملابس المرأة وتغطية شعرها وشرب المواد الكحولية، ويعتبرون تدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس مؤامرة خارجية لضرب اللغة العربية والثقافة العربية، وبدأت حملاتهم منها حملة تبرعوا لسداد ديون مصر وحملة أتبرعوا بجنيه لتسليح جيش سوريا الحر...ولا نعرف إلى أين ستنتهى تلك الحملات والشعب المصرى الفقير من أين سيتبرع بكل هذا الأموال وسط كل هذه المشاكل والمذابح والأزمات والبلطجية، مش عارف ها يتبرع لمين ولا لمين سوريا والصومال وفلسطين وغزة وأفغانستان ...، طوال حياة الدكتاتوريين والمستبدين كانوا يزينون لهم نفس الأفكار بالتبرع للآخرين ليزداد فقرهم وحاجتهم للمعونات من البلاد الأجنبية ليظل الشعب صامت وعاجز عن الكلام وعاجز عن المعارضة أو الثورة ضد قادته.
عندما يتم تفعيل المواطنة ويطبق ذلك على جميع أفراد المجتمع رجلاً كان أو أمرأة، ساعتها يمكننا أنتظار رؤية شعاع أمل فى أن تقوم المرأة التى شاركت فى الثورة فى إحداث التغيير الحقيقى بإدخال ثقافة ثورية حقيقية تنتزع المرأة من سجنها الذى صنعته بنفسها وعلى مقاسها وأختارت أزياءها التى تتشرنق فيها.

فى هذا العيد أتقدم بمقالى المتواضع هذا لكل إمراة تحترم نفسها وتجبر الرجل على إحترامها بسلوكها المتحضر، أتقدم إليها بباقة من الورود وإلى كل أم وزوجة، إلى كل عاملة وباحثة تعمل من أجل تقدم وطنها وشعبها، إلى كل أمرأة لا تنظر إلى جسدها لكنها تنظر إلى عقلها وعملها من أجل البشرية أتقدم لها بهذا المقال.