آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة 8 مارس 2012.....1 & 2 &3



محمد الحنفي
2012 / 3 / 15

إلى:
ـ المرأة العاملة / الكادحة، التي تعمل على فرض التمتع بكافة حقوقها.
من أجل مجتمع تختفي فيه أنماط الذكورية المتجبرة، مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل.
محمد الحنفي
تقديم:
تعتبر المرأة بصفة عامة، والمرأة العاملة بصفة خاصة، أكثر معاناة، من غيرها، من نساء العالم، نظرا لطبيعة المجتمع العربي من المحيط، إلى الخليج، والذي تطغى فيه الذكورية بشكل كبير، إلى درجة نفي كيان المرأة الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، نظرا لسيادة الرجل عليها، ولأفضلية ذكوريته على أنثوية المرأة، التي يتم التعامل معها، من منطلق كونها عورة، مما ينفي عنها إنسانيتها، وقدرتها على العطاء، اللا متناهي، إلى المجتمع، الذي يعول في وجوده، واستمراره على المرأة، أكثر مما يعول على الرجل.
وقد كان من المفروض أن يصير الربيع العربي، أو الحراك العربي، أو الثورات الشعبية العربية، في خدمة انعتاق المرأة، وتحررها من العبودية، التي تعاني منها، والتي صارت موروثة عبر الأجيال العربية المتعاقبة.
إلا أن النتائج التي حققتها الثورات العربية، توحي بمجيء أفق مظلم، يزيد المرأة معاناة، ويبخسها الحق في أن تصير، كما الرجل، تتمتع بنفس الحقوق، إن كان الرجل يتمتع بها فعلا، وتقوم بنفس الواجبات.

ولعل الأسئلة التي طرحها الحوار المتمدن، بمناسبة عيد المرأة: 8 مارس 2012، استشفت هذا الأفق المظلم، الذي صار ينذر بسحب كل الحقوق التي تتمتع بها المرأة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا، وقانونيا، وهذا السحب، لا بد أن يطال كيان المرأة، التي سوف تزداد احتقارا، وسوف تتضاعف دونيتها إلى أقصى درجة ممكنة، حتى لا تجرأ، مطلقا، على المطالبة بحقوقها، المنصوص عليها في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، بالخصوص، لتصير كنظيرتها في دول الخليج، وفي العراق، وفي إيران، لا تجرؤ على كشف وجهها أمام الناس في المجتمع.
ونحن في معالجتنا للموضوع، سنعتمد نفس منهج الحوار المتمدن، ونفس الخطوات التي تقترحها الأسئلة المطروحة، حتى نرتبط بعمق الموضوع.
ولذلك سنتناول:
1) نصيب المرأة من التغييرات المحدودة، التي أفرزها الربيع العربي.
2) التغييرات الاجتماعية في منظومة القيم، المتعلقة بالسلطة الذكورية.
3) التغييرات الجوهرية، وعوائق تحقيقها.
4) الأسلوب الأمثل لنضال المرأة، في ظل وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم.
5) الأحزاب الإسلامية المؤدلجة للدين الإسلامي، لا تعرف انفتاحا تجاه المرأة.
6) المرأة العربية، التي تذوقت معنى الحرية، لا تقبل العودة إلى الماضي.
7) دور الرجل في التحرر من عقلية التسلط على المرأة.
وسنحاول، من خلال عناوين الفقرات، أن نجيب على أسئلة الحوار المتمدن، بما يساهم في إغناء محور 8 مارس 2012، ويعيد للمرأة اعتبارها، أمام ما صار يتهدد مستقبلها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، من أجل أن تنهض، لتتحدى المجتمع الذكورين وتفرض احترام حقوقها، التي تجعلها مساوية للرجل، على جميع المستويات، ومن أجل قيام تعاون مشترك بين الرجال، والنساء، لبناء مجتمع الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.
نصيب المرأة من التغييرات المحدودة، التي أفرزها الربيع العربي:
إننا، برجوعنا إلى طبيعة الربيع العربي، أي طبيعة الثورات العربية، باعتبارها ثورات الشعوب، سنجد أنفسنا أمام نتائج تقول لنا: بأن ما حصل في تونس، وفي مصر، لا يمكن أن يذهب بعيدا في عملية التغيير، بعد إسقاط الأنظمة. وأكثر من هذا، سوف يقع تراجع مهول، عن العديد من المكتسبات، التي تحققت للإنسان العربي، خلال عقود من النضال المطلبي، بما في ذلك التراجع عن المكتسبات، التي تحققت لصالح المرأة في البلاد العربية. والأمر بالنسبة إلينا، أن من طبيعة الإنسان العربي، أنه تجريبي، وأن تجريبيته تبعده عن اعتماد التحليل العلمي الملموس، للواقع الملموس، الذي يقطع، وبصفة نهائية، مع التجريبية، ويضع أرجلنا على محك العلمية.
وعملية تحليلنا للواقع، في ظل الربيع العربي، يؤكد لنا: أن سيادة أدلجة الدين الإسلامي ،الممولة خليجيا، في البلاد العربية، التي يتمسك سكانها بالدين الإسلامي كهوية، لا بد أن يوصل مؤدلجي الدين الإسلامي إلى السلطة، كما حصل في تونس، وكما حصل في مصر، بعد إجراء الانتخابات. وهو ما يعني أن المكتسبات التي كانت تتمتع بها المرأة، في مراحل معينة، لا بد أن يقع التراجع عنها، وباسم الدين الإسلامي، وباسم تطبيق الشريعة الإسلامية، الذي يستهدف بالدرجة الأولى، التراجع عن المكتسبات الحقوقية، والتشريعية، التي تحققت للمرأة، بالخصوص، في ظل الأنظمة الاستبدادية، التي ثارت الشعوب ضدها، وأسقطت أنظمة بعضها.
وما يحصل في البلاد العربية من تحول، يبين أنه ليس للمرأة نصيب من التغييرات المحدودة، التي طرأت حتى الآن، بل إن التراجع عن المكتسبات التي حصلت عليها، يبقى واردا، نظرا لموقف الإسلاميين، وهو موقف تقليدي، لا ديمقراطي، ولا شعبي، ولا حقوقي، يستهدف الحد من تأثير المرأة، وتحجيم فعاليتها، والاستبداد بها، باعتبارها مجرد متاع، كأي متاع يمكن أن يحصل عليه الرجل، إلا أن هذه الوضعية لا تعني الدوام، والاستمرار، بعد تحقق الاستبداد البديل، الذي لا بد أن يكون مصيره مصير الاستبداد الساقط، خاصة، وأن الاحتجاجات لا زالت مستمرة، حتى في البلدان التي سقطت أنظمتها الاستبدادية. وهو ما يفسح المجال أمام إحداث تحول عميق في الفكر، وفي الممارسة، يترتب عنه إقامة سد منيع ضد كل أشكال الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وأمام تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، التي تهيئ المجال، لتمكين المرأة من التمتع بكافة حقوقها، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة، اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حتى تصير المرأة مساوية للرجل في الحقوق، وفي الواجبات، مما يمكنها من المساهمة الفعالة في التنمية، على جميع المستويات، من خلال انخراطها في تحمل المسؤوليات المختلفة، في المؤسسات المنتخبة، وفي أجهزة الدولة، وفي إيجاد التشريعات المكرسة للمساواة بين الرجل، والمرأة، من أجل الانخراط في عصر المساواة، الذي لا زلنا نبحث عن مدا خله، في البلاد العربية.
التغييرات الاجتماعية، والثقافية، في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية:
وانطلاقا من السؤال الذي طرحه الحوار المتمدن، حول حصول تغييرات على الصعيدين: الاجتماعي، والثقافي، في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية، والعقلية التسلطية، التي تعاني منها نساء الشرق، والمدى الذي يمكن أن تحصل فيه تغييرات جوهرية، في ضوء الحراك الشعبي الواسع، والخلاص من رأس النظام، وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية، فإننا يجب أن نسجل:

أولا: أن أهم ما جاء به الحراك العربي، أو الربيع العربي، أو الثورات الشعبية العربية، في كل بلد من البلاد العربية، هو تكسير منظومة القيم القائمة، والتي تختلف من بلد إلى بلد، والتي نجد من بينها سيادة القيم الذكورية المتخلفة، التي لم تعد مقبولة أبدا.

ثانيا: أن مساهمة المرأة في الحراك العربي، لا بد أن تصير لها انعكاساتها على المستوى المتوسط، والبعيد، على وضعية المرأة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والحقوقية، والقانونية.

ثالثا: أن تحقيق التمتع بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، لا بد أن يتيح الفرصة، أمام إمكانية الاستمرار في تكسير قيم الاستبداد الذكوري، والشروع في هدمها، والعمل على بناء قيم الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والنضال المستمر من أجل تسييدها في الواقع الاجتماعين والثقافي، والسياسي، بعد فرض احترامها في الواقع الاقتصادي.
رابعا: أن هذا الحراك العربي، فسح المجال أكثر، من أجل التفاعل مع ما يجري في العالم، ومع قيم التقدم، والتطور، ومع منظومة القيم المعمول بها على المستوى الدولي، والذي أصبح الإسلاميون المنخرطون في الحراك العربي، يستقوون بها، ضد الأنظمة المستهدفة بالحراك، من أجل أن ينخرط العالم كله، باقتصاده، وبمنظومة قيمه، التي كانت تحارب من قبل الإسلاميين، من أجل أن تساهم المنظومة الدولية، في تفاعلها مع منظومة التخلف، في الخليج العربي، في إسقاط الأنظمة الستهدفة بالحراك العربي.
خامسا: أن ما بعد سقوط الأنظمة، ستعرف البلاد العربية صراعا جديدا، بين قيم التخلف، التي يعمل على تسييدها مؤدلجو الدين الإسلامي، بعد وصولهم إلى السلطة، وبين قيم الحداثة، والتطور، التي تصمد أمام استمرار سيادة قيم التخلف، من أجل فرض سيادتها بقوة الواقع، لتنتزع بذلك مجموعة من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لصالح المرأة، وعلى أساس تحقق المساواة بينها، وبين الرجل.
سادسا: أن الاحتكام إلى الشعب، في كل ما يهم مؤسسات الدولة، لا بد أن ينتج تحولا عميقا في الواقع، لصالح الشعب، ولصالح المرأة، التي تشكل نصف الشعب.
وما سجلناه من تكسير لمنظومة القيم القائمة، ومن مساهمة المرأة، وبشكل واسع، وعن وعي، في الحراك العربي، ومن تحقيق التمتع بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، ومن فسح المجال، أكثر، من أجل التفاعل مع ما يجري في العالم، ومع قيم التطور، والتقدم، ومع منظومة القيم المعمول بها على المستوى الدولي، ومن استمرار الصراع ضد قيم التخلف، ومن الاحتكام إلى الشعب، فيما يهم مؤسسات الدولة، لا بد أن ينتج وضعا جديدا، تصير فيه للمرأة المكانة التي تناضل من أجلها، لتصير بذلك مساوية للرجل في الحقوق، كما في الواجبات.


2**************************
إلى:

ـ المرأة العاملة / الكادحة، التي تعمل على فرض التمتع بكافة حقوقها.

من أجل مجتمع تختفي فيه أنماط الذكورية المتجبرة، مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل.

محمد الحنفي


التغييرات الجوهرية، وعوائق تحقيقها:

والتغييرات التي تنجم عن قيام الربيع العربي، أو الحراك العربي، أو ما أسميه شخصيا بثورات الشعوب، لا تستهدف، لحد الساعة، إلا رأس النظام، رئيسا، أو حزبا، وإزاحة مؤسسات دولته، لتحل محلها مؤسسات أخرى، تقود الإسلاميين، الذين أسميهم شخصيا، كذلك، بمؤدلجي الدين الإسلامي، إلى الحكم، عن طريق تلك المؤسسات، لا يمكن اعتبارها جوهرية؛ لأن الاستبداد الذي كان قائما، تم تعويضه باستبداد بديل، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الأوضاع، التي كانت ناجمة عن سيادة الاستبداد.

ولذلك فالتغييرات لا تستهدف إلا الشكل، أما المضمون، فيبقى هو هو، كما كان، مع استثناء واحد، وهو أن الأنظمة الساقطة كانت تقرر كل شيء يخدم مصالحها، وباسم الشعوب، أما الآن، فإن الشعوب هي التي تقرر عن طريق الانتخابات الحرة، والنزيهة، وبناء على دساتير ديمقراطية شعبية، إذا تم وضعها، فعلا، على هذا الأساس.

وعدم حدوث تغييرات جوهرية، بسبب الربيع العربي، ناجم عن مجموعة من المعيقات، التي حالت دون تحقيق التغيير الجوهري، الذي يمكن أن تتحقق معه كرامة المرأة، وإنسانيتها، وفي إطار تحقق كرامة، وإنسانية المجتمع ككل.

والمعيقات التي تحول دون تحقيق التغيير الجوهري، تتمثل في:

أولا: كون الأنظمة المستبدة الساقطة، أو الآيلة للسقوط، أو المنتظر أن تؤول إلى السقوط، مع استمرار الحراك الشعبي في البلاد العربية، أو في بعضها، على الأقل، مؤدلجة للدين الإسلامي، ومضللة للشعوب، عن طريق التوظيف الأيديولوجي، والسياسي، حتى صارت أدلجة الدين الإسلامي، وسيلة للارتباط بالحكام، ووسيلة للتسلق الطبقي، في نفس الوقت، ليتم بذلك تضبيع جميع أفراد الشعوب، الذين يصيرون، جميعا، وسيلة لتحقيق غايات الحكام، الذين يمارسون كافة أشكال القهر الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وخاصة ضد المرأة، كحلقة ضعيفة في المجتمع.

ثانيا: كون معظم الأحزاب المنخرطة في الحراك العربي، أو الربيع العربي، مؤدلجة للدين الإسلامي، والتي تمارس نفس التضليل على الجماهير الشعبية الكادحة، التي صارت تعتقد بظهور الإسلام من جديد، وأن الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، هي بمثابة الأنبياء، والرسل، وأن الثورة التي تحققت بقيادة هذه الأحزاب، ستعيد الإسلام إلى مجده، فكأن شيئا لم يتغير، وهو ما يعيق كون المرأة تحقق هدفا معينا، بوصول من يسمون أنفسهم بالإسلاميين إلى الحكم، إلا إذا استمر النضال من أجل ذلك، على المدى المتوسط، والبعيد، ودون توقف. وهذه المرة في الشارع العمومي، وبالاعتماد على أوسع الجماهير الشعبية الكادحة، التي يجب أن ينتقل إليها الوعي بخطورة أدلجة الدين الإسلامي على مستقبلها، وعلى مستقبل المرأة بالخصوص.

ثالثا: كون التشريعات القائمة في البلاد العربية، تبخس المرأة حقها، وتستحضر في صياغتها سيادة الرجل على المرأة، مهما كانت الشروط الذاتية للمرأة، والشروط الموضوعية القائمة في الواقع، تقتضي أن تصير التشريعات، المشار إليها، ضامنة لتمتيع المرأة بكافة حقوقها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، وفي المواثيق الدولية، وفي الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

رابعا: كون الاختيارات القائمة في البلاد العربية، باعتبارها اختيارات رأسمالية تبعية، تجعل الاقتصاد القائم في البلاد العربية، في خدمة الرأسمال الأجنبي، وتسعى إلى خدمة مصالح الطبقات الحاكمة، التي نهبت كل خيرات البلاد العربية، وأصبح الإعلام لا يتحدث عن الادخار الوطني، أو الاستثمار الوطني، بقدر ما يتحدث عن ممتلكات هذا الرئيس، أو ذاك، أو هذا الملك، أو ذاك، وما ادخروه من أموال نهبوها من شعوبهم، ووضعوها في أبناك أوروبا، وأمريكا الشمالية، وما صاروا يتمتعون به من قدرات مالية هائلة، تمكنهم من شراء العالم، في الوقت الذي يغرقون فيه شعوبهم، بالمزيد من الديون، التي تعجز عن أداء فوائدها، وترهنهم لعشرات السنوات.

ومن مقتضيات هذه الاختيارات، المحافظة على ذكورية المجتمع، التي تكرس دونية المرأة، وتبخسها كافة حقوقها، وعلى أساس مرجعية النص الديني المؤدلج، من أجل تطبيق ما يسمونه بالشريعة الإسلامية، التي تغرق المرأة في الدونية، وتجعل المرأة في البلاد العربية، لا ترقى إلى مستوى ما عليه نظيرتها في البلدان التي تحترم فيها الديمقراطية.

فكون الأنظمة المستبدة مؤدلجة للدين الإسلامي في البلاد العربية، وكون معظم الأحزاب المنخرطة في الحراك الشعبي، تقوم على أساس أدلجة الدين الإسلامي في البلاد العربية، وكون التشريعات المعمول بها في البلاد العربية، تبخس المرأة حقها، وكون الاختيارات الرأسمالية التبعية القائمة في البلاد العربية، تحرص على ذكورية المجتمع، وتكريس دونية المرأة، يعتبر من المعيقات التي تحول دون حدوث تغييرات جوهرية، يمكن أن تؤدي على المدى القريب، إلى تمتيع المرأة بكافة حقوقها، في إطار تمتيع جميع أفراد المجتمع بتلك الحقوق.

الأسلوب الأمثل لنضال المرأة في ظل وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم:

وإننا نعرف جيدا، أن وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم، في أي بلد من البلاد العربية، لا بد أن يشكل خطورة على المرأة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وحقوقيا. وهو ما يطرح عليها الانخراط الواسع، في مختلف النضالات التي تجري في المجتمع، في كل بلد من البلاد العربية.

وانطلاقا من سؤال الحوار المتمدن:

ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة، لفرض وجودها، ودورها، ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، في تلك الدول العربية، التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية السياسية إلى الحكم؟

نرى أن نضال المرأة، رهين بمدى امتلاكها للوعي بذاتها، كامرأة إنسانة، وبحقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وأن هذا الوعي، هو الذي يقودها إلى الانخراط في كافة أشكال النضال النقابي، والجمعوي: الحقوقي، والثقافي، والسياسي، حتى يصير نضالها شموليا.

والنضال الشمولي، بالنسبة للمرأة، يكتسي أهمية بالغة. والحركات المناضلة تزداد أهميتها بالانخراط الواسع للمرأة، الذي يعبر عن تقدم وعي المرأة، وتطورها، لتتجاوز بذلك وضعية الدونية، التي تعاني منها، ولتصير مساوية للرجل في المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

وحتى تصير المرأة مالكة لوعيها بذاتها، ومساهمة في مختلف أوجه النضال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، لا بد من إنضاج الشروط الذاتية، والموضوعية، والقانونية، المتمثلة في:

أولا: اعتبار المرأة كائنا إنسانيا، لا فرق بينها وبين الرجل في الكفاءة، والمؤهلات، والقدرة على امتلاك المهارات المختلفة. وهذا الاعتبار يعتبر أساسيا، بالنسبة للعلاقة بالمرأة في المجتمع، أي مجتمع.

ثانيا: إشراكها في كل مجالات الحياة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تمتلك الخبرة الواسعة بتلك المجالات، ومن أجل أن تصير مصدرا لإنتاج المعرفة بها، والوعي بأهمية كل مجال، بالنسبة للمجتمع، وخطورة ما يمارس من خروقات في حق المجتمع ككل، وفي كل مجال على حدة.

ثالثا: تمكين المرأة من الوعي بحقوقها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تدرك أهمية الانخراط في النضالات الهادفة إلى تمتيعها بكافة حقوقها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

رابعا: ملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تضمن لجميع مواطني الدولة العربية، أي دولة عربية، بمن فيهم النساء، التمتع بالحقوق العامة، والخاصة.

خامسا: ضمان حصول المرأة على المؤهلات، التي تمكنها من إيجاد عمل متلائم مع مؤهلاتها، من أجل ضمان استقلالها المادي، والمعنوي عن الرجل، في إطار الأسرة، أو في إطار العائلة.

سادسا: ضمان تنمية مستدامة: اقتصادية، واجتماعية، متناسبة مع نسبة الزيادة في عدد السكان، لتمكين العاطلات، والمعطلين، من العمل، والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني المتحرر.

فاعتبار المرأة كائنا إنسانيا، وإشراكها في كل مجالات الحياة، وتمكينها من الوعي بكافة حقوقها، وملاءمة القوانين الوطنية مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وضمان حصول المرأة على المؤهلات، وضمان تنمية مستدامة متناسبة مع النمو السكاني، يمكن المرأة من وعيها بذاتها، باعتبار ذلك الوعي بالذات، هو المدخل لكل تحول ممكن لصالح المرأة، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

ولذلك، فأسلوب نضال المرأة، لا يختلف عن الأساليب النضالية، المعهودة في الإطارات النقابية، والحقوقية، والحزبية، وفي الإطارات الخاصة بالمرأة، إلا أنه يجب أن يصير مقرونا بوعي المرأة بذاتها، حتى يصير ذلك الوعي وسيلة لممارسة نضال مزدوج، نضال لفرض احترام المرأة داخل الإطار، ونضال لفرض احترام إنسانية المرأة في المجتمع.

الأحزاب الإسلامية المؤدلجة للدين الإسلامي، لا تعرف انفتاحا تجاه المرأة:

والكارثة العظمى التي أصيب بها العرب، والمسلمون في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، تتمثل في شرعنة استغلال الدين الإسلامي، لتكوين أحزاب إسلامية، إلى درجة سيادة الاعتقاد بأن الدين الإسلامي، يتجسد في الانتماء إلى تلك الأحزاب، والعمل ببرامجها، والتصويت على مرشحيها، من أجل قيام مؤسسات تشريعية إسلامية، تنبثق عنها حكومة إسلامية، وقضاء إسلامي، يعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، في ظل قيام دولة إسلامية.

وانطلاقا من النص الديني الذي يؤوله مؤدلجو الدين الإسلامي، بما ينسجم مع أدلجتهم للدين الإسلامي، فإن المرأة تعتبر عورة، لا يجوز لها أن تظهر أمام العموم، إلا مستترة من رأسها، إلى أخمص قدميها، إلا أنهم، ونظرا لأهمية صوت المرأة في الانتخابات، فإنهم يتظاهرون بالعمل على ضمان حقوق المرأة، لا كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة؛ بل كما يتصورونها هم، من أجل أن تصير المرأة أكبر داعم لمشروعهم الإسلامي، ولقيام الدولة الإسلامية العالمية.

فالمرأة بالنسبة للإسلاميين، أو لمؤدلجي الدين الإسلامي، هي دون مستوى الرجل، كما جاء في منطوق القرءان: (أحل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة). وهي لا ترث إلا نصف ما يرثه الرجل: (للذكر مثل حظ الأنثيين).

وبعض مؤدلجي الدين الإسلامي، يتمسكون بملازمة المرأة للبيت، من أجل القيام بوظيفتها البيولوجية، والتربوية، التي يعتبرون أنها وجدت من أجلها.

وإذا كان هناك انفتاح تجاه المرأة في المجتمعات الحديثة، فإن ذلك ليس إلا مرحليا، ومن أجل ذر الرماد في العيون، أمام الرأي العام الدولي، حتى يتمكن مؤدلجو الدين الإسلامي من السلطة، لينقلبوا ضد المرأة، وضد الإنسان، أنى كان هذا الإنسان، سعيا إلى فرض الالتزام بأدلجة الدين الإسلامي، ليصير بذلك تكريس دونية المرأة قرارا ناجما عن أدلجة الدين الإسلامي، ليصير بذلك قرارا دينيا.

ولذلك، فانفتاح الأحزاب الإسلامية المؤدلجة للدين الإسلامي على المرأة، هو انفتاح مرحلي، من أجل الظهور بتمتيع المرأة بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى الوصول إلى مراكز القرار، وعندها يكون شيء آخر تجاه المرأة، التي ترجع إلى ما كانت عليه، كما ينص على ذلك الدين الإسلامي، وكما تقرره الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، ليصير الأمر إلى ما كان عليه، وهو ما يعني أن الانسياق وراء انفتاح الأحزاب الإسلامية المؤدلجة للدين الإسلامي، إنما هو انسياق وراء الوهم؛ لأن هؤلاء لا يؤمن جانبهم.


*****************************************

إلى:

ـ المرأة العاملة / الكادحة، التي تعمل على فرض التمتع بكافة حقوقها.

ـ من أجل مجتمع تختفي فيه أنماط الذكورية المتجبرة، مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل.

محمد الحنفي




المرأة العربية، التي تذوقت معنى الحرية، لا تقبل العودة إلى الماضي:

وإذا اعتبرنا الأحزاب الإسلامية غير مأمونة الجانب، في ادعائها الانفتاح على المرأة، فإن المرأة التي تذوقت معنى التحرر من التبعية للرجل، في البلاد العربية، ستبقى متمسكة بحريتها، وبقدرتها على الإبداع، والعطاء اللا متناهي، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعلمية، والمعرفية، إعلانا عن أحقيتها بتلك الحرية، التي هي المدخل لتكريس إنسانيتها.

وفي هذا السياق، وتماشيا مع السؤال الذي طرحه الحوار المتمدن:

هل تتحمل المرأة، في الدول العربية، مسؤولية استمرار تبعيتها، وضعفها أيضا؟

أين تكمن هذه المسؤولية؟

وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟

فإننا نجد أن مسؤولية استمرار تبعية المرأة للرجل، وضعفها، لا تتحملها المرأة، ولا يتحملها الرجل، بقدر ما تتحملها الاختيارات القائمة في كل بلد عربي، والتي، وإن اختلفت من بلد عربي، إلى بلد عربي آخر، فإنها تتفق على تكريس دونية المهمشين بصفة عامة، وتكريس دونية المرأة بصفة خاصة.

وانطلاقا من الاختيارات المتشابهة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، فإن المرأة تقع تحت طائلة القهر العام، الممارس على جميع كادحي المجتمع: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا، وتحت طائلة القهر الذي يمارسه الرجل على المرأة في البيت، وفي إطار الأسرة، والعائلة، بالإضافة إلى القهر القانوني، وخاصة في إطار قوانين الأسرة، وقوانين الإرث، وعلى مستوى العادات، والتقاليد، والأعراف.

ولذلك، فالمرأة لا تتحمل، في البلاد العربية، مسؤولة استمرار تبعيتها للرجل، وضعفها، وتكريس دونيتها؛ لأن تلك المسؤولية، من شأن الاختيارات القائمة في البلاد المذكورة، ومن شأن الرجال الذين يعتمدون تلك الاختيارات، كمنطلق للتعامل مع المرأة في البيت، وفي إطار الأسرة، والعائلة.

ولإخراج المرأة من وضعية الدونية، التي تعاني منها على المستوى العام، وعلى مستوى علاقتها مع الرجل، لا بد من العمل على:

أولا: نقض الاختيارات القائمة في البلاد العربية، والعمل على تفكيكها، من أجل إيجاد اختيارات بديلة، تحترم حرية المرأة، وتعمل على تمتيعها بكامل كرامتها، التي تعتبر شرطا لتحقيق إنسانيتها، التي، بدونها، لا يمكن الحديث عن شيء اسمه كرامة المرأة، وإنسانيتها.

ثانيا: تمتيعها بكافة حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل أن تصير المرأة كائنا إنسانيا، وفي إطار تحقيق إنسانية المجتمع برمته.

ثالثا: الإقرار الدستوري للمساواة بين الرجل، والمرأة، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا، حتى يفسح المجال أمام المرأة، لتأكيد إبداعاتها التي لا حدود لها.

رابعا: إعادة النظر في كل العبارات الواردة في البرامج الدراسية، وفي الثقافة، وفي الإعلام، والتي تحط من قيمة المرأة، وتكرس دونيتها، ومن أجل أن تصير البرامج الدراسية، والإعلامية، والثقافية، خالية من تلك العبارات.

خامسا: ملاءمة القوانين الوطنية في كل بلد عربي، مع الإعلانات والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة منها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

سادسا: تجريم كل أشكال التمييز ضد المرأة، والنطق بكلمات نابية في حقها، واعتبار تصريحاتها مما يمارس في حقها داخل البيت، من قبل الرجل، ثابتة، وصحيحة، ولا تحتاج إلى شهود.

سابعا: إعطائها الحق بالاستفراد بالسكن، في حالة قيام حالة الطلاق بينها، وبين زوجها، حتى تحافظ على أبنائها من الضياع.

وهذه الخطوات، المتمثلة في نقض الاختيارات القائمة، وفي تمتيع المرأة بكافة حقوقها، وفي الإقرار الدستوري للمساواة بين الرجل، والمرأة، وفي إعادة النظر في كل العبارات الحاطة من كرامة المرأة، وفي ملاءمة القوانين الوطنية مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي تجريم كل أشكال التمييز ضد المرأة، وفي إعطائها الحق بالاستفراد بالسكن، هي التي تمكن المرأة من استعادة كرامتها، ومن تحقيق إنسانيتها.

دور الرجل في التحرر من عقلية التسلط على المرأة:

وكما قلنا سابقا، فإن قضية المرأة في المجتمع العربي، وفي أية دولة عربية، أو في أي بلد من بلاد المسلمين، هي قضية الرجل، وقضية المجتمع برمته. ولذلك، فدونيتها، وتخلفها، وضعفها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمعرفي، والعلمي، والسياسي، لا بد أن ينعكس سلبا على الرجل، وعلى المجتمع، في نفس الوقت. أما تحررها بالمعنى العلمي للتحرر، وفي إطار المجتمع المتحرر، وإقرار مساواتها الدستورية للرجل، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وتمتيعها بكافة حقوقها، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي يتم إقرارها دستوريا، وتمكينها من عوامل تطورها الفكري، والمعرفي، والعلمي، والثقافي، بالإضافة إلى تمكينها من عوامل تطورها الاقتصادي، والاجتماعي، لا بد أن ينعكس إيجابا على الرجل، وعلى المرأة، في نفس الوقت كذلك.

غير أن مساهمة الرجل في تطور المرأة، وفي تحررها، لا بد أن يمر عبر:

أولا: النضال النقابي المبدئي، الذي يسعى إلى رفع الحيف عن الكادحات، والكادحين، وتمتيعهم جميعا بالحقوق الشغلية، سعيا إلى التقليص من حدة الاستغلال.

ثانيا: النضال الحقوقي المبدئي، الهادف إلى تمتيع جميع أفراد المجتمع: نساء، ورجالا، بكافة الحقوق، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما أقرها الدستور، في كل بلد من البلاد العربية.

ثالثا: النضال الثقافي المبدئي، الساعي إلى إشاعة قيم الحرية، والمساواة، والتطور، والتقدم، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بين جميع أفراد المجتمع، وعبر وسائل إعلامية متطورة، ووسائل ثقافية متقدمة، ومتطورة، حتى يتمكن الرجل، والمرأة على السواء، من التشبع بتلك القيم.

رابعا: العمل، وبواسطة الجمعيات التربوية، على إشاعة التربية على حقوق الإنسان في المجتمع، حتى تصير، تلك التربية، وسيلة للتمرس على احترام حقوق الإنسان، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل أن يصير ذلك الاحترام هاجسا لكل المواطنين، ومهما كان مستواهم، وفي أي بلد من البلاد العربية؛ لأن التربية على حقوق الإنسان، غائبة في الممارسة اليومية، لمختلف الجمعيات الحقوقية، والتربوية.

خامسا: النضال من خلال الأحزاب السياسية المناضلة، الهادفة إلى تغيير الواقع تغييرا شاملا، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، عن طريق السعي المستمر، إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية.

وهذه المستويات من النضال النقابي المبدئي، والنضال الحقوقي المبدئي، والنضال الثقافي المبدئي، والعمل على إشاعة التربية على حقوق الإنسان في المجتمع، والنضال بواسطة الأحزاب السياسية، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، هي التي تجعل الرجل يلعب دوره في أفق جعل المرأة تتحرر، في إطار تحرر المجتمع ككل، وتتمتع بكافة حقوقها، في إطار تمتيع جميع أفراد المجتمع، بحقوقهم كاملة؛ لأن نضال الرجل في المجتمع، كنضال المرأة في المجتمع، لا يمكن أن يكون إلا شموليا، والنضال الشمولي، يهدف إلى تحقيق مكتسبات للرجل، والمرأة على السواء؛ لأن المساواة بين الجنسين، هي مساواة بين الرجل، والمرأة، في الحقوق، وفي الواجبات، وفي تحمل المسؤولية، وفي المساهمة في البناء الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

خلاصة عامة:

وهكذا، يتبين لنا أن آفاق المرأة، والحركة النسوية العربية، بعد الثورات العربية، رهين بمدى التحول العميق، الذي يحدث في البلاد العربية، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وعلى مستوى تكسير البنيات القائمة، وتعويضها ببنيات جديدة، تسمح بالاستمرار في عملية التحول العميق، الذي تعرفه المجتمعات العربية. وكون الانتخابات تفرز وصول الإسلاميين، المؤدلجين للدين الإسلامي، فإن ذلك لا يعني إلا بداية التحول، من واقع الاحتماء بالدين الإسلامي، كمكون من مكونات الهوية العربية، إلى واقع الاحتماء بالوطن، وبالدستور الديمقراطي الشعبي، وبالديمقراطية، وبالحرية، وبتحقيق العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.

وبناء على التحول العميق، الذي يعرفه الشعب، في كل بلد من البلاد العربية، التي تعرف ثورات شعبية، تساهم فيها المرأة بشكل كبير، فإنه لا بد أن يكون للمرأة في البلاد العربية، نصيب من التغييرات التي تحدث هنا، أو هناك، والتي قد تكون محدودة، أو متوسطة، أو عميقة، ولا بد أن تحصل تغييرات اجتماعية، وثقافية، في منظور القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية، ولا بد أن تعتمد المرأة أساليب النضال النقابي، والحقوقي، والثقافي، والتربوي، والسياسي، لفرض وجودها، ودورها، ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية، والثقافية، في البلاد العربية، التي عرفت حراكا شعبيا. والمرأة لا تتحمل مسؤولية تبعيتها، وضعفها؛ لأن تلك المسؤولية ترجع إلى الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي تقف وراء هذا الحيف، الذي يلحق جماهير عريضة، وواسعة، من المجتمع، بما في ذلك المرأة، التي تعاني من حيف مزدوج، حيف الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، وحيف الرجل، الحامل للعقلية المتزمتة، والمتخلفة، والذي لا يقبل أي شكل من أشكال التطور، الذي يستهدف انعتاق المرأة من التخلف، الذي تعاني منه. وقد كان من المفروض في الرجل، أن يقوم بدور إيجابي لصالح المرأة، وأن يناضل إلى جانبها، من أجل التخلص من كافة القيود، التي تحول دون تمتعها بكافة حقوقها، حتى تصبح فاعلة في المجتمع، ومساهمة في النضال من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، لتتحقق بذلك الكرامة الإنسانية للمرأة، والرجل، على حد سواء.

فهل يصير هذا الربيع العربي، في خدمة انعتاق المرأة من التخلف، الذي تعاني منه؟

وهل يمكن اعتباره بداية للتحرر من أدلجة الدين الإسلامي، المنتجة لدونية المرأة؟

إننا نأمل، أن تعرف الشعوب في البلاد العربية، تحولا عميقا، على جميع المستويات، حتى تتحرر الشعوب من كل ما يسيء إلى كرامتها الإنسانية.

ابن جرير في 12 / 3 / 2012

محمد الحنفي