المرأة و الخرافة



نزار جاف
2005 / 1 / 17

قبل مدة حدثني صديق عزيز يقيم هو الاخر بالمانيا عن مسألة عابرة حدثت في حياته ، ومضمونها أن زوجته قد أيقظته ذات ليلة لتنبأه أن ثمة أصوات غريبة تصدر من المطبخ ، ولما ذهب الى المطبخ وجد أن شباک المطبخ کان مفتوحا مما کان يدع النسيم يدخل ليعبث بالستائر وبعض الحاجيات الاخرى ، فأغلق الشباک وطمأن زوجته لعلة تلک الاصوات . لکنه وبعد أن إندس في الفراش فوجئ بزوجته تسأله سؤالا غريبا مفاده : هل إن الجن يتواجدون في المانيا أيضا ؟ ولاداعي للمزيد من الاسترسال في ما حدث لصديقي وزوجته ، إذ أن المهم في الامر هو مجرد التلميح لمسألة لها جذور عميقة و تداعيات جانبية عديدة في حياة النساء الشرقيات ولاسيما عدم الواعيات منهن . فالخرافة و قضية الرکون الى المسائل الغيبية هي من الاشکاليات التي تشغل حيزا غير عاديا في حياة المرأة اليومية وخصوصا في المجتمعات الشرقية حيث نجد أن مسائل من قبيل التفأل بکل صيغها و إحضار الارواح و الجن لها سوقها الرائجة و بضاعتها مرغوبة . ولو تم تمحيص الحالات التي تعاود فيها النساء الشرقيات " العرافين و العرافات " لوجدنا أن معظمها يتعلق بمشاکل من قبيل العلاقة الزوجية و مستقبلها من خلال سبر غور الزوج و معرفة نياته بصدد کل الامور ناهيک عن المسائل الفرعية التي تتشعب منها ، بالاضافة الى أن قسم منها يتعلق بمسائل من قبيل إستقراء المستقبل بخصوص الزواج أو الوضع المادي و العملي و العاطفي . وهنا لامناص من الاشارة الى أن قسما من الرجال أيضا يعيرون مسألة الخرافة أهمية ما و يلجئون إليها في حالات معينة ، لکنها تبقى مع ذلک إستثناءا و ليس قاعدة عامة کما هو الحال مع النساء ، ولعل ترکيز المرأة على هذا الجانب الميتافيزيقي من حياتها يرتبط إرتباطا وثيقا بوضعها ومکانتها المحددة في الخارطة الاجتماعية . تلک الخارطة التي منحتها مرکزا ثانويا قد يصبح في بعض الاحيان أدنى من ذلک بکثير ، فالمرأة لم تکن تتمتع بإسقلالية من أي وجه من الوجوه بل کانت مجرد تابع لاحول له ولاقوة سوى تنفيذ الاوامر و إشباع الرغبات ، ولذا فهي کانت تنظر دوما الى مستقبلها بقلق بالغ و تحاول تبديد قلقها و توجسها من المستقبل باللجوء الى کنف الخرافة" من خلال العرافين . ورغم إن " أريک فروم" يؤکد على المحتوى الانساني للأسطورة ويرى تعلق الانسان بها من باب حل طلاسم الواقع الموضوعي ، فأن الدکتور " ألکسيس کاريل" في معرض بحثه في کنه الذات الانسانية و ماهيتها الاساسية يرى أن تشبث الانسان بالخرافة و الاساطير يأتي في سياق شعوره بالخوف وعدم الاطمئنان من الذي جرى أو سيجري . وقد يکون يونک أکثر دقة حين يلمح الى أن الاسطورة هي زاد الانسان متى شعر بالضعف و الخوف وأن الطرف الاکثر إحساسا بالضعف و الخوف لن يکون الرجل بالتأکيد . من هنا کان من البديهي أن ترکن المرأة للجانب اللامرئي من حياتها لتفسير و تطمين الجانب المرئي من حياتها ، والجانب المرئي هو عبارة عن کومة من الهموم و المعاناة و الاحساس بالدونية و القهر الاجتماعي الذي يسلبها في معظم الحالات ماهيتها الانسانية و يجعل منها کائنا ذليلا ينتظر حدوث المعجزات کي ينال الطمأنينة و الراحة ! ورغم التقدم الذي طرأ على وعي و ثقافة المرأة و منحها حيزا من الاستقلالية و الثقة بالنفس قابلا للملاحظة ، لکن ذلک مازال دون الطموح ، ذلک أن الحيز المشار إليه يتعلق بالنساء اللائي نلن قسطا من الثقافة و الحرية وهن للأسف الاقلية فيما تبقى الاکثرية ترزح تحت وطأة عوامل القهر الاجتماعي و بالتالي تجبرها على أن تلوذ بالمنجمين و العرافات .

کاتب وصحفي کوردي
مقيم في المانيا