حال المرأة العربية .. بين الوهم والواقع



حامد حمودي عباس
2012 / 3 / 20

لا يستفزني حال ، اكثر من تناول شأن المرأة في بلدان انقلبت قوانينها الى أعراف ، فحيثما تجد قوانينا سنت في أوطاننا ، تجد تجريفا لها من قبل ولاة الشريعة وشيوخها ، يدعمهم في ذلك تاريخ يستند على إرث نخرت به عوامل البيئة والتقادم ، حتى اضحى مجرد سخف لا يفعل غير صنع التخلف ورداءة المصير . وليس هناك من متسلط على حريتي في التصرف ، عندما اضحك من اعماق نفسي وأنا استمع واقرأ ديباجات يحكمها نفاق متعمد ، يشرح حال المرأة العربية فيصورها وكأنها تعيش حياتها فعلا وهي بالحقيقة اقرب الى الموت منها الى الحياة .. ولم ولن يرغمني طرح مهما بدا متماسكا في حجته للتصديق ، بأن نسائنا ينتمين الى آدمية تتيح لهن ممارسة شيء من تلك الآدميه .
قد يكون ما ذهبت اليه قاسيا ، الى الحد الذي يجعله استهانة بكرامة المرأة وبنظر الكثيرين ممن يطيب لهم البقاء في كنف عدم الموضوعية في وصف حالها ، غير عارفين بانهم لو لم يقولوا الحقيقه ، فانهم يساهمون ، بمعرفة منهم او بدون معرفه ، بتحطيم بقايا ما للمرأة من هوية وكيان .. لقد مرت علينا دهور ونحن نحتفل بعيد المرأة أسوة بما تفعله بقية شعوب العالم المتحضره ، واستهوتنا معالم ان يقتني البعض منا أكاليل الزهور، معلنين الاحتفال بهذه المناسبة مع علمنا بان احتفالنا في جل مظاهره يلفه الحياء خشية ان يفسر بكونه بطر وخروج عن المألوف ، وتبارت أطراف تبنت في مناهجها الفكرية والتنظيمية نصرة حقوق المرأة في الاعلان عن سرورها بحلول الثامن من آذار عيد المرأة العالمي ، مستذكرة تلك المناسبة وسط هالة من ملامح الفخار ..
ولكن .. بماذا تنطق الحقيقه ؟ ..
الحقيقة تنطق وبلسان فصيح ، لتقول بان النساء في منطقنا ، لا زلن في ذات الدائرة من العيش كما كن أيام سيادة القوانين التي تبيح المتاجرة بالرقيق ، ولا زالت الاعراف التي كانت تبيح للأعراب تأجير زوجاتهم للضيف مقابل ان تمنحهم الصدف خلفة من الذكور شديدة المراس قي سوح الوغى ، هي ذاتها موجودة في عالمنا المنزوي عن الحضارة ، غير ان ما يجعل زجاج الواقع مطلي بطلاء الزيف هو النفاق والمكابرة وحب الشهوات .. ومن لا يصدق ترهاتي هذه ، فليذهب الى عشوائيات المدن ، وليطلع على ما وراء أكمات الجوع والحرمان وأطلال الحكم الذكوري البغيض ، في بلاد تنتمي الى حواضر تسمح لرجالها افتراش عاهرة لمخدع الزوجية علنا ، ولا تغفر للمرأة ان تشتهي وضع علكة في فمها خلال مراسيم احتفال عام .
مئات .. بل ملايين القصص المختفية وراء ستار الحياء ودوافع الغيرة العشائرية ، وبفعل حيوانية الرجولة العربية المعفرة بريح الدين ، تحكي حقيقة واقع النساء المهلهل والمصاب بشتى الامراض الاجتماعية المذله .. قالمرأة في بلادنا مهما بلغت من رقي ثقافي ومدني ، فانها تخضع رغما عنها لسنن المجتمع الباليه ما دامت تسير في الشارع العام وتمارس عملها في دوائر الدوله ، وما دامت مضطرة للاختلاط والتماس مع غيرها من ابناء وبنات مجتمعها خلال مرور يومها العادي .. انها إمرأة بمفهوم بائع الخضار وصاحب متجر الملابس كما هي بنظر شرطي المرور ومأمور المركز ، وهي مطاردة على الدوام من قبل هكسوس العصر الحديث أينما حلت وحيثما ذهبت ، لا تنقذها أحزاب ولا مقاعد برلمان ، ولا تحميها رفعة في المقام من أن يبهذلها ابناء الشوارع عند نقطة عبور ما ..
تحكي احدى الاعلاميات العربيات ، بانها احتاجت خلال جولتها في عاصمة عربية لشراء بطاريات جافة لكاميرتها المحموله ، فاستعانت بشرطي قريب منها ليرافقها الى الجهة المقابلة من الشارع عندما لاحظت تجمع عدد من المراهقين من حولها ، وفوجئت بان الشرطي قام بضربها على مؤخرتها بعد ايصالها الى المكان الذي تريد ، وسط هرج الصبية وضحكاتهم .. في محيط اجتماعي كهذا تتحرك اناثنا مثقات وانصاف مثقفات وأميات ، وفي اطار اجتماعي بائس ، لا يميز بين ان تدمع عين او تنفرج اسارير بشرية عن ابتسامه ، تحيا امهاتنا واحواتنا وبناتنا وزوجاتنا مهما اختلفت مرجعياتهن الثقافية والوظيفية والعلميه .
انني ، ولكوني اعتمد في بناء افكاري عموما على المعايشة المباشرة لأكبر مساحة ممكنة من اركان البنية الاجتماعية من حولي ، ولانني انتمي أساسا الى جبهة الفقراء ، فقد أصبحت ولحد كبير، مؤمن بان يدا قدرية باتت تتحكم بحركة التاريخ العربي ، توجهه الى حيث تريد ، ممسكة بتلابيب تلك الحركة بقوة وذكاء خارقين ، فجاءت الاحداث وبكل تفاصيلها وكأنها معد لها مسبقا ومع سبق الاصرار .. والا ما معنى ان تكون اتجاهات البناء السياسي والاقتصادي والتربوي في المنطقة العربية محكومة بمواصفات الردة على الدوام ؟ .. وبالتالي فان دورة خطيرة يتحرك ضمنها وداخلها مجمل الواقع االذي يحكم ويتحكم بالشعوب العربية فيجعلها عرضة للاهتزاز كلما سنحت الفرصة لجانب حياتي ما الى الخطو الى الامام ؟ .. ما معنى ان تنكسر وبشكل واضح شوكة التخلف ، وتبدأ ملامح التحضر بالظهور في بلد عربي ما ، ثم يحدث تسونامي مدمر يأتي على كل شيء ، لتشيدبعدها وعلى الفور جسور العودة الى الوراء ؟.. هكذا كانت الحال في العراق ، وهي ذاتها في مصر وتونس وفي ليبيا ، حيث تنطلق الان بواكير بناء الدولة الدينية والاجهاز المبرمج على ما تحقق من ارث حضاري تقدمي وخاصة ما يتعلق بالمرأة والاسرة عموما ، حتى تعكرت وبشكل مأساوي جميع أجواء الحرية الشخصية البحته ، وارتدت وبشكل مريع جميع المفاهيم المرتبطة بالقوانين المدنية ، وتهالكت كافة صروح العرف التقدمي في مصر والعراق وهما اكثر البلدان العربية تأثيرا على المسرح السياسي والاقتصادي في المنطقه .. ومن الطبيعي ان يجري تعميق الحواجز المنيعة بين المرأة وبين ان ترى النور ، أو تنال حقا من حقوقها المهظومه ، كاجراء ضروري جدا على طريق بناء كيان الدولة السلفية المتخلفه .
بكلمة واحده فانني أرى الآتي :
1- ان الواقع العربي آخذ في التردي بفعل تحالف سرمدي بين قوى تريد له ان يكون هكذا ، وبين استعداد نفسي وذهني ومن ثم معرفي للشعوب العربية لأن تتقبل ما يملى عليها من مفاهيم .
2- لقد ادركت القوى المؤثرة من خارج المنطقة العربية ، وما يتوفر لها من حلفاء في الداخل ، بأنها تستطيع تحقيق كافة مآربها وكما تريد ، شريطة ان تحضر عوالم التأثير الديني على الساحه ، بل كان من الواضح جدا أن عوامل التأثير الديني هي التي كانت صاحبة القول الفصل في رسم الاحداث في المنطقه .
3- وتبعا لذلك .. فان المرأة العربية وبكافة فصائلها ومواقعها الاجتماعية ، بدأت تعاني العزلة وتتسم حياتها بالضعف ، وراحت كياناتها الممثلة بما يدعى بمنظمات المجتمع المدني تبتعد عن مراعاة شؤونها ، لتتفرغ لشؤون الاثراء والكسب الشخصي وتجنيد قضايا المرأة لخدمة الاهداف النفعية الخاصه .
4- ان حدة الضربات المعرقلة لاية حركة تقدمية لنظام عربي ما ، ولو بشكل جزئي ، جاءت لتأخذ عزما في منتهى الشده ، بحيث يجري هدم البناء العام لذلك النظام وباعنف سبيل ، وعن طريق توفير الحليف الاساسي المساند للقوة الضاربه والمتمثل بالعنصر الديني الميال دائما باتجاه الرجوع الى الوراء ، يتم التحطيم على طريقة الترويع ثم الاجهاز كما جرى في العراق ..
5- وكحصيلة نهائية ، فان المرأة هي اول المتلقي لآثار عنف التغيير وباتجاه رجعي ، وكحصيلة نهائية ايضا ، فانها هي أكبر الخاسرين في اللعبة ، وستبقى كذلك على طول الخط مادامت هناك أطراف تمتلك ناصية التحكم بحالها كيفما تشاء ، لا كما يشاء فرسان التغني زورا بأمجادها والتباكي على أطلال تاريخها المليء بالعنف والحرمان .
ان قضايا المرأة في بلادنا سوف تبقى رهنا للتعاطي الادبي لا غير ، وستطول فترة انتظارها على ابواب هضم الحقوق ، وسوف تبقى حالها في ترحال دائم ، بين الانفراج الجزئي ، وبين الانكماش ضمن دائرة اللاحل .