المرأة حركة نسايئة وتحرك اجتماعي بين مطرقة العقائد وسندان المساواة



مكارم المختار
2012 / 3 / 22



المرأة حركة نسائية وتحرك أجتماعي نسوي بين مطرقة العقائد وسندان ألمساواة

مقدمة :ـ " الحركة النسوية " في العالم العربي، بوصفها حركات اجتماعية تهدف إلى تغيير وضع المرأة وتحسين مكانتها في المجتمع، وتسعى هذه الحركات بالاتكاء على ما تيسر لها من مراجع ودراسات ووثائق ان تقارن ما بين " الحركات النسوية " في العالم العربي في مستوى أولا وما بينها، وبين مثيلاتها في العوالم الأخرى في مستوى ثان، وكلما بدا ذلك ضروريا".
فالموضوع إذن يندرج في رؤية " خصوصية " ألحركات " النسوية العربية " بما هي نتاج اجتماعي وثقافي عربي، لكنها خصوصية لا تتناقض مع العالمية التي تتوحد في ظلها مشكلات النساء في العالم بصرف النظر عن سلم الاولويات، او المسارات المتقدمة منها أو المتأخرة .
وقد يكون من المفيد الإشارة هنا إلى ان وجود مشكلات متماثلة للنساء على مستوى العالم لا يلغي الافتراض بوجود تجارب مختلفة لهن، حتى وإن كانت هذه التجارب مبنية أساسا" على القهر الذي يتعرضن له بسب النوع ( ألجندر ) أي لا لسبب آخر سوى كونهن نساء .
ننطلق من هذه المقدمة من موقف نظري يتعامل مع عناصر ومكونات ومهام ووظائف الحركات كما يعرفها الباحثون والمشتغلون بالفكر الاجتماعي والسياسي، كمحكات لتقييم الحركات النسوية في العالم العربي بوصفها حركات اجتماعية هدفها تغيير وضع المرأة وتعديل مكانتها في المجتمعات العربية .
وإذا كانت العناصر التي تتشكل منها الحركات الاجتماعية متعددة ومتنوعة بتنوع أهدافها وغاياتها، فإن الممارسة االنظرية لهذه الحركات بوصفها حركات اجتماعية لا تتغير كثيرا" بين حركة عمالية أو حركة نسائية أو حركة شبابية، وهنا تؤكد الحرية وتؤكد المساواة وحقوق الانسان .
والحركات الاجتماعية بالرغم من الكثير من مظاهر التنوع والتغيير الذي تمثله هذه الحركات إلا انها " تشترك معا" في طريقة تحريك الفرد من خلال الحس الأخلاقي …" ، وهي تشترك كذلك في االسعي لتحقيق االعدالة والسلطة الاجتماعية عبر التحرك الاجتماعي … ".
ويفصل المعجم االنقدي للعلوم الاجتماعية تاريخ أنبناء الحركات الاجتماعية حيث يرى " انها لا بد ان تمر بمرحلة أولى هي مرحلة التعبئة او التجميع… " على ان التجميع وحده لا يكفي فلا بد للأفراد أو الجماعات التي تتشكل منها هذه الحركة ان يتحرروا من القيود " التقليدية " وان يطوروا قدرات تنظيمية يستطيعون بفضلها تحديد أغراض مشتركة ووضع الموارد المطلوبة للوصول الى هذه الاغراض واذا كان ينوجد في حركة اجتماعية، فالذات بالنسبة لتوران " لا توجد إلا كحركة اجتماعية . وقد يتصل بالجماعات التي " تتجمع " في حركة اجتماعية تحدد أهدافها بدقة وتربط بين الوسائل والغايات".
أما مرحلة بناء القدرات التنظيمية، فهي المؤشر على وجود الحركة وقدرتها على الاستمرار والوصول إلى تحقيق أهدافها وغاياتها .
فلا بد من التمييز هنا بين المبادرات المتفرقة غير المنسقة لمجموعة من الأفراد أو الجماعات المتحورة حول موضوعات محددة، وتتمثل بتعبيرات مختلفة ومؤقتة لا تلبث ان تتوقف، وبين الحركة الاجتماعية المنظمة التي تحدد أهدافها بدقة فتحولها إلى استراتيجيا تربط مباشرة بين الوسائل والغايات.
ويتفق معظم الباحثون الاجتماعييون على ان مفهوم الحركة الاجتماعية هو مفهوم غامض، وغموضه يتيح استخدامه في مواضيع مختلفة، تبدأ بمجموعات الضغط وتنتهي في الحركات الدينية أو العقائدية، ونحن وأن أنصفنا ألاسلام، ألا أن حكم ألعقائد والمجتمع تسود جورا أحيانا،
كما ان الحركات الاجتماعية تظهر وتنمو وتتطور في الفترات التي تعاني فيها المجتمعات أزمات محددة، وتساهم هذه الحركات عادة في تعديل هذه المجتمعات أو تغيرها.
وحبذا لو أنا أدخلنا بعض الدقة على هذا الوصف، ليمكننا القول ان الحركات الاجتماعية " أما ان تهدف إلى تغيير القواعد وأما ان تهدف إلى تغيير القيم " وقد تكون الحركات الاجتماعية وبتحديد أولى الفاعلين الاجتماعيين يتمايزون بالنسبة للقواعد التي يساهمون في تغييرها أو القيم التي يحملونها، لكنهم مع ذلك يشكلون وحدة متناسقة تجمعها الرؤية المتجهة نحو تحقيق غايات استراتيجية صريحة وواضحة.
ألنسوية وألنسائية في المجتمع العربي .... مفهوم ومفاهيم
أمكانية تطبيق وكيفية ......!
يستدعي الكلام على " الحركات النسوية " في المجتمعات العربية تدقيقات مفهومية متعددة ، فالنسوية تعرف هي " ألاعتقاد بأن ألمرأة لا تعامل على قدم المساواة، لا لأي سبب سوى كونها امرأة في المجتمع الذي ينظم شؤونه ويحدد أولوياته حسب رؤية الرجل واهتماماته .
وتعرف الحركات النسائية " بأنها " مجموعة من الحركات الصغرى التي نبعث من سلسلة من ردود الفعل التلقائية المنظمة وغير المنظمة من جانب الآلاف من النساء…."
وهناك التمييز بين الحركات النسوية والحركات النسائية كترجمة، حيث ان نسائي أو نسائية " هي كل بنية كانت تركيبتها من النساء "، أما النسوية فهي التي تهدف إلى تعزيز وضع النساء " .


وفي رأينا ان هذا التمييز يستجيب على نحو معقول للتعريفات أستنادا إلى قراءة موضوعية فيما يسمى " عمل الهيئات الأهلية ـ المجتمع ىالمدني " – النسائية التركيب- حيث يتبين ان العمل الاجتماعي والإنساني من جهة، والعمل النسوي من جهة أخرى يدفع للتساؤل حول حقيقة وجود حركة نسائية ، نسوية.
على ان هذا التمييز لن يلغي الأهمية الكبرى لتلك المبادرات التي قامت بها نساء عربيات شاركن بالفعل، وربما بشكل تلقائي وغير منظم في ذلك " الكفاح الذي لا يلين في سبيل تحقيق المساواة " 8 والذي حدد إلى جانب غيره من الحركات معالم القرن العشرين.
إن انخراط النساء العربيات في " حركات نسائية " يؤكد على ان جذور " الحركة النسوية " العربية تجد مكانها الأولي في بدايات النهوض العربي في القرن التاسع عشر .
وليس من الصعب تلمس الآثار العميقة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي بدأت ترسم معالمها في المجتمع . تلك التغيرات التي فجرت الأسئلة النهوضية حول التقدم والتخلف… وكان السؤال عن وضع المرأة ودورها في التقدم أو التخلف أحد الأسئلة الهامة التي ترددت في كتابات النهوضين الأوائل
ولهذه الأسباب وغيرها صياغت الخطابات العربية الأساسية حول المرأة " .
على ان قراءة الوثائق والدراسات التي تحدثت عن الحركات النسائية ، لم تقدم تبريرا" كافيا" لهذه التسمية، فالكلام عن الحركة النسائية يتسم بالتعتيم ؛ فهو مرة يتحدث عن نساء بكرن في إعلان موقفهن من قضايا المرأة، ومرة أخرى يتحدث عن جمعيات خيرية او تطوعية أسستها نساء ، ومرات أخر يتحدث عن الاتحادات النسائية باعتبارها الشكل الارقى لما يسمى الحركات النسائية .
وقد يكون من المفيد هنا المقارنة مع التراث العالمي الذي ينقلنا مباشرة إلى موجات النسوية التي ابتدأت بواكيرها مع عصر التنوير كما تقول سارة غامبل ، وإرجاع الموجة النسوية الثانية إلى صعود العمل الطلابي والسياسي في شتى أنحاء أوروبا وأميركا في الستينات من القرن العشرين، وإذا كان الجدل لم يحسم حول ما إذا كان من باب الدقة إطلاق وصف النسوي أصلا" على الجهود التي بذلتها المرأة في القرن التاسع عشر، إلا إننا نستطيع القول ان العناصر الأساسية والمهام والوظائف التي أنيطت بالحركات النسائية في مطالع القرن العشرين تكسب لفظة النسوية شرعية اكبر، كما يتيح لنا التمييز بين نسائية ونسوية في إشارة إلى الانتظام في سلسلة متدرجة من الرؤية والخطاب ، حتى بلورة استراتيجيات تتضمن غايات وأهداف ووسائل كافية لتحقيقها.
فهل ينطبق هذا القول على " الحركة النسوية العربية " وكيف تتجلى النسوية في مجتمعاتنا العربية ؟ وكيف تتجلى " النسوية العربية " إن وجدت في الرؤية والخطاب في سياق تطورها التاريخي
جذور " النسوية العربية " عودة إلى التاريخ .
والتاريخ بالنسبة لموضوعة المرأة العربية ليس بعيدا" جدا" فقد كان على المجتمعات العربية ان تتلقى الصدمة الأولى لتستفيق من سبات، وتعي تدريجيا" ان الفروقات الكمية والكيفية بينها وبين المجتمعات الأخرى الزاحفة نحوها قد أصبحت كبيرة وعميقة، وهي تطال جميع مستويات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية .
ولا بد من حملة، وحملة أتصالات تحمل أفكار ورؤى جديدة و تقدم ووسائل وطرق في الإدارة والسياسة المدنية، مرجعيتها النظرية هي المنظومة الفكرية يتبناها المفكرون النهضويين وإن بدرجات مختلفة.
أن تؤسس دولة تستطيع ان تكون مستقلة تشرع في تحديث واجتهد في زيادة الموارده المالية و اهتمام بالزراعة والإدارة والتعليم والصناعة، وعمل على إيجاد قوانين واجراءات لازمة لتحديث هذه القطاعات. ولعل المعلم الأبرز لهذه " الحداثة " لم يكن في بناء مؤسسات الدولة والاهتمام بمواردها فحسب بل في التزامن الذي ظهر في اهتمامه بمؤسسات التعليم. وبالبعثات العلمية التي تنوعت مقاصدها وغاياتها فكانت البعثة الأولى سنة 1813 إلى إيطاليا لتعلم فنون الطباعة و كان من نتيجتها إنشاء أول مطبعة في مصر تعنى بإصدار الكتب للعموم وهي مطبعة بولاق.
ولعل البعثة الأشهر بين جميع البعثات هي البعثة التي رافقها رفاعة رافع الطهطاوي الذي عاد من باريس مملوءا" حماسا" لنقل التجربة الأوروبية إلى المصرين . وكان كتابه " تلخيص الإبريز في وصف باريز" 24 أول كتاب يربط بين إصلاح التقاليد التي تؤثر على المرأة وبين الإصلاح الاقتصادي والتقني من اجل تحديث الأمة .

مكارم المختار