قهر المرأة: أسبابه وبعض تجلياته كما تعكسها الثقافة الشعبية



حسني إبراهيم عبد العظيم
2012 / 3 / 25

تعاني المرأة في معظم الثقافات التقليدية من ألوان شتى من القهر، ويتساءل كثير من الباحثين من خلال ملاحظة حياة النساء في العديد من المجتمعات، كيف خلقت تلك المجتمعات من النساء طبقة خاضعة Subordinate ومهمشة Marginalized وتعاني من التمييز، كما يتساءل الباحثون أيضاً كيف يتم إنتاج علاقات القوة والهيمنة ويعاد إنتاجها ويتم شرعنتها Legitimated (Cruz 2002: 3)

ويعد التمييز ضد المرأة أحد أهم مظاهر القهر التي تعاني منها ، والتمييز ضد المرأة هو أي نيل من إنسانيتها، أو تقييدها، أو استبعادها، أو المساس بحقوقها الشخصية والاجتماعية والنفسية، والثقافية، والسياسية، والمدنية على أساس النوع.(سامية الساعاتي 2003: 297)

وقد رصد علماء الأنثروبولوجيا بعض صور ذلك القهر، خاصة في المجتمعات التقليدية، ففي مجتمع «الفوري» Fore في غينيا الجديدة يستأثر الرجال بأفضل مصادر البروتين الحيواني، ويعتقد الرجال أن مصادر البروتين التي قد تزود بها النساء (كالضفادع وصغار الطرائد والحشرات) قد تؤدي إلى إصابة الرجل بالأمراض، والواقع أن هناك تأثيرات قاتلة لصور التحامل والتمييز ضد الأنثى، إذ نجد مثلاً أن معدلات وفيات الفتيات الصغيرات في غينيا الجديدة مرتفعة جداً مقارنة بالذكور، وفي بنجلاديش يحصل الطفل الذكر على تغذية جيدة وصحية، ويتناول الطعام مع أبيه أولاً، وتقدم إليه الأطعمة المتميزة مقارنة بشقيقاته، ويكون من نتائج ذلك ارتفاع معدل وفيات الإناث تحت خمس سنوات، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى 50% أعلى من الذكور. (مارفن هاريس 2006: 315)

ويمثل العنف أحد مظاهر القهر التي يتعرض لها المرأة، وخاصة ما يعرف بالعنف المنزلي Domestic violence وهو الانتهـــاك اللفظي والبدني الذي يمارسه الرجال ضــــد النساء اللائي تربطهن بهم علاقات حميمة، وهو نمط واســـع الانتشـــار في مختلف المجتمعات.(Lloyd &Taluc 1999 :376) فقد أوضحت دراسة أجريت على عينة من ربات البيوت في احدي المناطق الفقيرة في شيكاغو أن 15% من العينة قد تعرضن للدفع والطرح على الأرض، و8.6%تعرضن للصفع ، و5.5% تعرضن للركل بالقدم واللكم باليد،و8% تعرضـــن للعنف أثناء العلاقة الجنسية.ومن ناحية أخرى قررت 36.7% من العينة أن أزوجهن أو أصدقائهن Boy friends منعوهن من الذهاب للمدرسة أو العمل، كما قررت 6.1%أنهن تعرضن لإصــــابات استلزمت علاجا طبيا، في حين قررت 16% أن أزواجهن أو أصـدقائهن قد منعوا عنهن النقود أو أنهم استولوا على أموالهم.(Lloyd &Taluc 1999:374)

وثمة نمط آخر من العنف تعاني منه المرأة وهو ما يعرف في خطاب علم الاجتماع بالعنف الرمزي Symbolic violence الذي يعرِّفه بورديو بأنه القدرة على فرض دلالات ومعانِ معينة بوصفها دلالات ومعانِ شرعية، وإخفاء علاقات القوة التي تمثل الأساس الذي ترتكز عليه هذه القدرة ، وينطبق المفهوم على أي تكوين اجتماعي يتم إدراكه كنسق للقوة . وتعد التربية بكل تجلياتها : في المنزل ، في العمل ، في المدرسة ، في الإعلام مصدراً للعنف الرمزي (Mander 1987:432).

ويدلل بورديو على العنف الرمزي بمثال هام ، وهو ما يعرف بالهيمنة الذكورية ، إنه يعتقد أن هذه الهيمنة تمثل شكلاً نموذجياً Paradigmatic Form للعنف الرمزي، ويتسم العنف الرمزي المرتبط بالهيمنة الذكورية – بمعنى ما - بأنه غير مرئي invisible وغير ملحوظ، بحيث يبدو وكأنه جزء من طبيعة الأشياء المستقرة ، حتى أن المرأة وهي المضطهدة قد لا تشعر أنها في مرتبة أدنى Inferior من الرجل. (Krais 2006:122).

ويستند «بورديو» إلى مفهوم العنف الرمزي لتعميق فكرة تطبيع الفوارق بين الجنسين، أي إظهار تلك الفوارق وكأنها فوارق تحددها طبيعة الأشياء، فالعنف الرمزي هو شكل من السلطة يمارس على الجسد، بطريقة مباشرة، وكأنه يملك مفعولاً سحرياً، إذ أن تلك السلطة تتم خارج كل «إكراه» إلا أن هذا «السحر» لا يكون مؤثراً إلا إذا ارتكز على استعدادات كامنة في عمق الجسد ... إن النساء بصفتهن ضحايا للعنف الرمزي يقبلن علاقات التراتبية الجنسية الاعتيادية بطريقة تلقائية، وهذه التلقائية هي التي يصفها «بورديو» كنوع من الخضوع لمفعول الســــحر. (فاطمة المرنيسي 2002: 231- 233)

والحقيقة أن القيم والممارسات المرتبطة بقهر المرأة في المجتمع العربي هي تعبير عن ثقافة تقليدية، حيث أنها تعبر عن قيم اجتماعية سائدة في الثقافة العربية بشكل عام. فثمة منظومة قيمية عربية تحكم السلوك الاجتماعي العربي كما يوضح ذلك بعض علماء الاجتماع، إذ يرى «حليم بركات» أن هذه المنظومة القيمية نابعة من مصادر متعددة منها قيم البداوة المستمدة مباشرة من تفاعل البدو مع بيئتهم الصحراوية القاسية مثل قيم العصبية (كالتضامن ونصرة القريب، والافتخار بالنسب والثار "والشرف") وقيم الفروسية، وقيم الضيافة، ومنها القيم المستمدة من الريف كمحبة الطبيعة و«الخصب» والجمال والثبات والصبر، والقيم العائلية كالأمومة والأبوة و«الشرف» و«العفة» و«الحشمة» و«الصبر» وهناك القيم المرتبطة بـ«فرض سيطرة الرجل على المرأة حتى إخضاعها وتجريدها من حق ملكيتها لشرفها الذي يصبح ملكاً للرجل». (حليم بركات 2001: 325- 327)

إن قهر المرأة لا يستند إلى قيم دينية كما يعتقد الكثيرون، وإنما يرتكز على ترسانة صلبة من القيم والتقاليد الاجتماعية التي حاولت الأديان وخاصة الإسلام خلخلتها، فقد كانت التقاليد هي العائق الأكبر أمام كل الأنبياء، وكل الأفكار الجديدة التي أتت بها الرسالات السماوية، حيث اختزلت كل معاني رفض الفكر الجديد في عبارة (هذا ما وجدنا عليه آبائنا) وكان الرد القرآني قاطعا وحاسما (أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون).

فالأمر إذن يتطلب تغييرا جذريا في منظومة القيم الراسخة في أعماق بنيتنا الاجتماعية والثقافية، وهذا أمر ليس سهلا، وإنما هو مهمة ثقيلة تتطلب برنامجا متكاملا لرفع الوعي الاجتماعي وتخليص الوجدان الشعبي من تلك القيم التي أثقلت كاهل مجتمعاتنا ، وأسهمت في تراجع مكانتها الحضارية.