الحكم من تحت الخمار وتصنيفات النساء



محمود فنون
2012 / 4 / 3



لقد ظهر الخمار في التاريخ من اجل حماية المرأة من نظرات الرجل ,وهو من اول اشكال ظلم واستعباد النساء وعزلهن
هل تم فعلا عزلهن؟
ان الامر يتعلق بنساء الطبقة المالكة ,وفقط نساء الطبقة المالكة هي التي كانت تملك تكلفة الزي اولبس الالبسة الثمينة وهي التي كانت تستطيع الجلوس في البيت
بينما نساء الطبقات الكادحة فقد كن يكدحن مع الكادحين ويشكلن نصف قوة العمل الاجتماعية مثلهن مثل الرجل .
لم يكن بمقدور نساء الطبقة الكادحة ان يمتلكن الزي واشكاله بل بالكاد كانت الواحدة تمتلك ما تغطي به جسدها وكانت النساء حتى عهد قريب اربع تصنيفات:

التصنيف الاول :العبدات والاماء والسبايا

وهؤلاء كن الفئة الاكثر كدحا سواء في بيوت الاسياد او في الحقول واشكال العمل الموجودة .وبالطبع لم يكن اختلاطهن ممنوعا ولم يكن لباسهن يغطي وجوههن بما يتعارض مع عملهن (وكان الامر كذلك قبل مجيء الاسلام وبعده والى وقت قريب حيث الغيت العبودية قبل اكثر من قرن بقليل في الولايات المتحدة الامريكية )

التصنيف الثاني :نساء الفلاحين الاقنان وكن مع ازواجهن ومع الرجال في كل اشكال العمل (الاقنان هم عبيد الارض التي يعملون عليها لصالح الاقطاعيين والباشوات والاغوات وقد الغي الاقطاع في تركيا بعد الثورة على السلاطين في عام 1908 من القرن الماضي ,وفي عام 1961 في مصر زمن عبد الناصر ) لم يكن الحديث الديني عن الاختلاط من عدمه ولا نوع اللباس يشمل التصنيفين اعلاه,بل انه لم يكن متاحا للعبدة ان تلبس لباس الحرة تحت طائلة العقاب حتى في عهد الدولة الاموية والعباسية حيث طبقة العبيد الواسعة وطبقة الاقنان الواسعة والتين كانتا تشكلان النسبة الاعظم من السكان.

التصنيف الثالث :نساء الفلاحين الاحرار الصغار :وهؤلاء كن يدا بيد مع ازواجهن واهلهن في الحقل والمرعى والمحطب وكل اشكال العمل الموجودة سواء بالعمل المباشر او الاسنادي والخدمات .
ان الحديث عن عزل المرأة بالنسبة لهذه الطبقة كان يعني المستحيل فقد حملت امهاتنا عبئا كبيرا مع الآباء بل قامت بدور فيه "الشقاء"المزدوج كما كانوا يقولون تعبيرا عن شدة المعاناة وشدة الكدح في البيت وفي الحقل وفي كل مكان
وبالطبع لم يكن لباس المرأة يشمل غطاء الوجه وكان يتناسب مع طبيعة العمل ولباس الراس كان وحرا وليس مثبتا بعدد من الدبابيس خشية ان تظهر ولو شعرة واحدة .
لم يكن الحديث عن غطاء الوجه وعن الاختلاط يشمل المرأة الفلاحة اذن
ان هؤلاء النسوة المصنفات اعلاه ليس مشمولا بمقولة المرأة والنساء كما سنرى لاحقا ولم يكن يشملهن الحديث عن تحريم الاختلاط ولا عن الخمار ولا حتى الاشار وكان هذا التمييز الطبقي دارجا في عهد الاقطاع الغربي والاقطاع الآسيوي معا بل هو اشد في الاقطاع الآسيوي وكانت المرأة اكثر امتهانا .

التصنيف الرابع :نساء الطبقات العليا في المجتمع من الاقطاعيين والبرجوازية المدينية في العهود السابقة :وعن هؤلاء كان يدور الحديث عن عزلهن في البيوت ويدور عن انواع الازياء الممكن ارتداؤها.
وكل الاحاديث والاوامر والنواهي كانت موجهة لهذه الفئة وهن يشكلن عددا صغيرا من نساء المجتمع تبعا لصغر عدد افراد الطبقات العليا في المجتمع وهن " النساء" والسيدة عندنا وهن الليدي في الغرب.
لقد ظهر العمل بأجر نقدي من زمانوكان على نطاق ضيق ولكنه اصبح اساسيا وسائدا في عهد المجتمع الرأسمالي فقط حيث انتهى نهائيا وجود العبيد والاقنان.وتوجهت القوى العاملة للعمل في المصانع والمزارع والمتاجر بالاجرة اليومية ليحصل العاملون على الاجر ويحصل البرجوازيون على الربح . وتحول الاستغلال من الاستغلال العبودي والاقطاعي الى الاستغلال الراسمالي وهو على اية حال استغلال وان يكن اقل وطأة واكثر حرية.
هنا توجهت المرأة الى العمل في المصانع بالضرورة من اجل لقمة العيش ,وهنا يستمر الاختلاط كما كان في العهود السابقة ولكن بشكل اكثر حضاري ومواكبة مع التطورات الحضارية الواسعة التي ادخلها المجتمع الرأسمالي بفضل النضالات الدموية المتواصلة التي شنها العمال الكادحين منهم والكادحات من اجل تحسين شروط العمل ومكان العمل والوصول الى مكان العمل ومستوى الاجور واحترام العامل على خلاف ما كانت عليه العلاقة بين الطبقات الشعبية (العبيد والاقنان)وبين الطبقات المالكة في العهد الاقطاعي البائد .
هذا التطور شمل منزلة المرأة ووصلت آثاره الى بلادنا
واذا كانت المرأة العاملة ظلت مشدودة الى طراز اللباس الذي يناسب العمل في المصنع والحقل والمتجر والمؤسسة فان تحسن مستوى المعيشة مكنها من ارتداء ملابس شبيهة بملابس البرجوازيات وان كانت لا تضاهيها فخامة وغلاء وجودة (وهذه الايام الله يخلف على الصين)
لقد اصبح بامكان المرأة الكادحة ومن أي طبقة كانت ان ترتدي ما تشاء من انواع الرياش اذا استطاعت الى ذلك سبيلا, ولم يعد محرما عليها لباس نساء الطبقات البرجوازية اذا استطاعت, ولم يعد مظهر اللباس يميز العبدة عن الحرة كما كان ايام العبودية .
كانت النساء العثمانيات من الطبقات الغنية من الاقطاع او التجار يلبسن لبوسا خاصا ومميزا ولا تلبسه الفلاحات ولم يكن الاختلاط محظورا على الكادحات .
ان اول اشكال الحظر قد بدأت عند المالكين الكبار الذين كان بامكانهم الاستغناء عن عمل زوجاتهم وتشغيل النساء العبدات والفلاحات وزوجات الاقنان بدلا من زوجاتهم .لم يكن هذا التشغيل في دائرة التحريم والعيب ,فقط كان تشغيل نساء الاغنياء يدور في نطاق التحريم والعيب,حيث ظهر لباس العفة وقفل العفة وبيت المحرم حفظا على نقاء النسل ومن اجل الارث.
هذه خلفية تاريخية يفضل الكثيرين نسيانها ونسيان طبيعتها ,ويعيدوا ما حصل بها الى الجهل بالأديان والسنة النبوية وما شابه وليس الى طبيعة المراحل الاقتصادية الاجتماعية وانعكاسها على منزلة الرجل والمرأة ودور كل منهما ارتباطا بالواقع الطبقيوضرورات العمل .
اليوم وبفضل تطور الحضارة الغربية وتعميمها في انحاء الارض ومفاهيم المساواة في الحقوق والواجبات والمساواة امام القانون ازيحت الفوارق الطبقية بين الناس وحصلت المرأة على حريات متزايدة وخاصة في بلاد الغرب .
بينما ينتشر في بلادنا وبضغوطات متزايدة محاولات قمع المرأة وعزلها في المجتمع وتغطيتها كالخيمة المتنقلة من قدمها الى رأسها على اعتبار ان هذا ما يرضي الله (ما يرضي ذكورية الرجل,وحرصا عليه من الغواية اذا شاهد المرأة)
في هذا السياق وبضغوطات شديدة ومتواصلة يجري اقناع المرأة بالعزلة وما يسمى بالزي الشرعي (وهو كان موجودا قبل الاسلام في بلاد فارس وآسيا الوسطى ويخص فقط النساء الاقطاعيات ) وهناك محاولات واسعة لتعميمه على كل النساء بالتخويف من العقاب بنار جهنم يوم القيامة وبضغط الرجل على اطار تأثيره من النساء.
ملاحظة
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو مشاهدة صورة نساء مخمرات ولا يظهر منهن شيئا يعقدن مؤتمرا صحفيا وهن قياديات من حزب النور الاسلامي السعودي في مصر.