نساء ثائرات...محبطات!!



أسماء صباح
2012 / 4 / 3

نساء شاركن في ثورة 25 يناير في ميدان التحرير وكل ميادين مصر، كان مرحب بهن جداً وسط اقرانهن من الرجال، لكن الموازين انقلبت بعد تحقيق الإنتصار وسقوط الديكتاتور، بعضهن حاولن اقتناص فرصة والمطالبة بحرية المرأة وحقوقها عبر صندوق الاقتراع وفشلن أمام أول تجربة لهن في المحيط العام، لماذا؟ لأن المجتمع ذكوري ولن يقبل بامرأة تمثل قضية جنسها بدخول البرلمان، اخريات انتفضن على الفوضى ورفضاً لتحويل مصر لدولة عسكرية ورغبة منهن في انقاذ الثورة فسحلن وعرين على مسمع ومرئى من جميع "الذكور" ذاتهم أقرانهن في التحرير، وشتمن بعد سحلهن وتساءلوا عن "كباسين العباية" في عز البرد، وثالثة تعرت بمليء ارادتها لتقول ان لا سيطرة لأحد على جسدي الذي هو "ملكي" فشتمت وتحولت صورتها الى بركان يطاردها.

هن نساء إنتفضن بكل ما يملكن من وسائل، لكن أجسادهن ظلت الفيصل.

الفتاة المسحولة..

لا احد يعرف حتى الآن أو متيقن من هوية الفتاة التي اصطلحت وسائل الاعلام العالمية عليها اسم " ذات الحمالة الزرقاء" للاشارة الى نوعها الاجتماعي وتبيان العنف الذي مورس ضدها بأنه ليس عنفاً موجهاً لمتظاهرة فحسب وانما هو عنف موجه لنوعها، لتفاصيل جسدها، لصدرها "ذلك العضو الذي يميز المرأة عن الرجل" ويبدو ظاهراً جلياً، وهو اشارة الى الامومة والارضاع والدور الانجابي.

شاركت آخرين من اجل استكمال الثورة الا انها بعدما تعرضت لما تعرضت له من امتهان لنفسها وجسدها، هوجمت من قبل "المجتمع الذكوري"، سواء كان الذي هاجمها ذكوراً او اناث وقيل أنه لا يعقل أن ترتدي فتاة عباءةً مباشرة علي الجسم، بدون ملابس سفلية مثل قميص قطني "بودي" أو خلافه، كما أن الفتيات المنقبات لا يرتدن عباءات بأزرار أمامية كما شاهدنا الفتاة في الصورة، أما التبرير الغبي الثالث فكان ان الفتاة كانت ترتدي ملابس داخلية فاخرة، مما يدل أنها كانت تقصد التصوير وذلك ظهر بوضوح، عندما أخذ رجال الجيش تغطية جسمها بعد كشفه كانت تتعمد إزاحة العباءة عن جسمها!

بهذه الكلمات برر مدعوا الفهم والتحليل هذه الفعلة التي اقدم عليها مجموعة من الجنود "المصريين" وأمام مرأى ومسمع من العالم، لا لشيء الا كراهية في نوعها وجسدها.

علياء المهدي..لوحة عارية

هي نموذج آخر من نماذج الفتيات "الثائرات" سواء كنت أرى شخصياً هذه النوع من الثورة "سلبي" او "ايجابي" الا انه أي هذا الفعل "التعري" يدخل في اطار الثورة أيضاً، فعلياء البالغة من العمر 20 عاماً يبدو انها تفتحت على عالم غير عالمنا "المقفل بأقفال صدئة" واعتقدت انه يحق لها التعبير عن ما يجول في خاطرها وان كان مناف لقيم واعراف مجتمعها، قد يكون فهمها للحرية و"الليبرالية" من منطور غربي هو ما دفعها لتفعل ما فعلت من اجل ايصال رسالة مفادها "ان هذا الجسم المختلف هو سبب انتهاك حقوقها كنوع في مجتمعها ولو انها كانت تمتلك جسماً آخر بتفاصيل خشنة مختلفة عن تلك التفاصيل الناعمة لكانت قد قوبلت بترحيب في مجتمع ينظر فيه للمرأة على انها عورة بكافة المقاييس، ان لبست الاسود من رأسها لاخمص قدمها فهي عورة، وان تعرت تماماً فهي عورة أيضاً، وعلياء اختارت التطرف فتعرت بينما اختارت غيرها "تطرفاً اخر" وغطت نفسها بالسواد.

اللافت اعزائي في تلكم الحادثتين من "التعرية والعري" ان صح ان نسميهما هكذا، الاولى لانها بفعل فاعل والثانية لانها ارادية، ان المرأة في الحالتين شتمت واهينت جسدا وروحا والهدف كان نوعها "الانثى".

فلم ترحم "الفتاة المسحولة" مع انها "المفعول بها" وكان احرى بالمهاجمين ان يسرعوا لانقاذ شرفها الذي هو بدوره شرفهم "كرجال المجتمع الذكوري" حيث ان شرف المرأة مرتبط بشرف الرجل، ونساء المجتمع هن شرف رجال المجتمع، بدل من ان يجد مبرات للفاعل ويصب جام غضبه على "جسد الفتاة" وعباءتها التي ما استطاعت ان تحميها من طول الالسن.

جميلة اسماعيل..مرشحة
أما هذه المرأة التي لا تعرت ولا سحلت، فكانت من النساء الاوائل اللواتي قاومن الظلم والعنف والدكتاتورية وهي التي وقفت بجانب زوجها "أيمن نور" في أحلك الظروف ودولتها، وعملت ليل نهار حتى رأى النور، وشاركت بعد ذلك في ثورة 25 يناير هتفت وبح صوتها ونامت بالعراء والجوع، قررت بعد انتهاء ثورتها وتحقيق مطالبها ان تسعى الى النهاية في أخذ حقوقها وحقوق بنات جنسها عملاً أو اعتقاداً بـأن "باب الحرية إتفتح وإتفتح" ساعية للدخول من هذا الباب، الذي ما لبث ان اوصد في وجهها بعد "فشلها" في دخول البرلمان كممثلة للثورة والشباب.

ويكمن السبب وراء هذا الفشل في كونها أيضاً امرأة في مجتمع يراها فيه عورة ولا تصلح الا للطبخ والولادة ولاشيء غير ذلك، فصحيح انه رحب بها وبمشاركتها في الثورة الاستثنائية التي حصلت، وكانت برايي استثناءاً في كل شيء حيث غيرت قواعد العادات "المقبول منها والممنوع" في 18 يوماً لتصبح مشاركة المرأة في التظاهرات وعصيان "النظام سواء السياسي او الاجتماعي" مقبولاً جداً ومرحب به، لان الخطاب في تلكم الايام تغير، فكان خطاب الحرية بكل تجلياتها يسيطر على الرجال والنساء والاطفال والمؤسسات وغير ذلك، لهذا انتصر الشعب بكل أطيافه، لأنه نسي الحدود المرسومة له.

و نستطيع القول بأن الزمن قد توقف "لحظات" في الـ18 يوماً، لتصبح هذه الايام خارج اطار المجتمع والنظام ولتحقق ما ارادته الى نهايته، واهم ما في الامر ان تلك الايام انتهت واننا الان نتحدث الى عودة كل شيء الى مكانه "لا أقول الطبيعي" ولكن الى حيث اعتدنا عليه ان يكون، لهذا همشت المرأة وارجعت الى المكان الذي سجنت فيه بأمر من عادات وتقاليد قيم المجتمع "الذكوري" الذي لا يرضى لها بأكثر من ذلك.