فايروس الثقافة ،،،،، وبكتيريا القيم



لينا جزراوي
2012 / 4 / 23

ما الذي يستدعي منا اليوم ان نتأمل بكل المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا وعلى أكثر من صعيد ، وان نذهب لنقترب أكثر من واقع الهموم الشخصية والعامة في نفس الوقت ، مشكلات يعتقد البعض انها اجتماعية فقط ، لكنها في حقيقة الأمر لا يمكن فصلها عن الاقتصادي ولا عن السياسي ، خصوصا عند الحديث عن قضايا المرأة وهموم النساء ، واستطيع القول ان كل ما هو ثقافي وديني كذلك هو شديد الارتباط بما نعاني منه نحن معشر النساء على امتداد العالم العربي.
فهل الحديث عن مشكلات المرأة يحتاج الى زمن آخر غير هذا الذي نعيشه اليوم زمن تتغيير فيه المفاهيم والعقليات وتتطور فيه ثقافة المجتمع ، فيصبح قادر على اقرار حقوق للنساء بدون كوتات ولا غيرها من تصنيفات التمييز الإيجابي لصالحها؟ أم ان الوقت قد حان لطرق الأبواب المغلقة على النساء وما يخص قضاياهن من امور تشريعية وتنفيذية وقضائية، في بلد تكلست فيه محاولات التغيير ووقفت تستجدي بعضاً منها عند عتبات الوزارات وأصحاب القراروالبرلمانات غير النزيهة ؟
هي الأم الحنون والأخت المعطاءة والأبنة المطيعة والزوجة الخاضعة لكل التعاليم وفنون الخدمة واكثر، فالمرأة هي الصديقة وربما الأنيسة التي تنفض عنك هموم التعب في غفلة من الحياة الزوجية الرتيبة ،أليست حقا نصف المجتمع ؟
ثقافة تحمل المرأة وزر تدهور الوضع الإقتصادي والسياسي ، وازدياد ارقام البطالة وربما تصبح هي المسؤولة عن العنف المجتمعي ، لأنها قد تخرج من بيتها دون غطاء للرأس ، ثقافة تحتاج لتأمل ، وبحث .
ما الحل اذن ؟؟؟؟
لا بد من التفكير ومن التخطيط ، لا بد من تحديد منبت الانتهاك ،،، ومعالجته ، منبت الانتهاك ومصادر تغذيته ، وهو ما نسميه نحن النسويات بفايروس الثقافة السائدة ، وبكتيريا القيم المعطلة ، التي تقوم مقام القانون ، مرورا بالعرف الذي يأبى أن يتنازل للمرأة عن امتياز الذكورة التاريخي ،،،، فيرمي لها سيدها بالفتات الذي لا يكاد يسد رمق الجائعات والمتعطشات للعيش، ولو بالحد الأدنى من الحرية والحقوق والكرامة
هذه هي الصورة بدون تزييف ولا عمليات تجميل ، صورة نلمسها كل يوم في محاكمنا، ودوائرنا القانونية ، صورة اتضحت معالمها في التعديلات الدستورية الأخيرة وفي عقلية معدليه ، نراها نظرة انتصارللجاني، ونظرة رعب تعرف الضحية ، مسبقا أن لا مفر من دفع ثمن لأنوثتها ، ومن له عينان للنظر ،، فالينظر.
ثقافة ،قيم ، تقاليد تنتج حزمة من القوانين والتشريعات ،، ثم تصطدم مع عقلية مطبقيها ، ثقافة ترفض مبدأ الشراكة ،،، وواضعيها أيضا لم يستشعروا احتياجات المرأة ،ولم يقتنعوا بأن قضايا المرأة لا يمكن أن ترى الا بعدسة المرأة ،، ولا يعنيهم بأن تكون شريكا في السرب ،،،، بل دفعوها لتحلق خارجه.
وبنظرة شديدة المادية ،، وبعيدا عن العواطف ،، ولأننا نقرأ ونسمع ونشاهد المدافعين عن حقوق النساء، ينادون بمكانة كريمة للمرأة ،، الأم والأخت والحبيبة ، والابنة ،،، وأن دورها الأمومي العظيم هو الذي يحافظ على استمرار الكون ويحفظ بقاءه ،،، نعم ،، لولاها لما استمر هذا الكون ،، وبمادية بحتة أقول ، أن المرأة جزء من عملية الانتاج ،، فالمرأة بتمتعها (بتقنية الانجاب) ، هي مصنع هذا الكون ، وما تقوم به هو الانتاج بعينه ، ،، فتنتج أدوات استمرار عجلة الاستهلاك ، تنتج المستهلكين ،، تمد الدولة بأدوات حفظ امنها ، المرأة تنتج قوة عاملة ،، وتمد المجتمع بالبنية الأساسية لاستمراره، ،،،،الاسره ،،،،،،، لكن في بلداننا ، وفي ظل ثقافتة السائدة، لا يعترف ، بأهمية هذا الدور الا (يوم الأم) ، بضع اغنيات واحتفالات ، وباقات من الورود ، وقصائد شعرية متقنة التراكيب اللغوية ،، ومجموعة من طناجر الضغط الحديثة لتعينها على لعب الدور الذي فرضته عليها هذه الثقافة ، وحتى آيات قرآنية كريمة تقدس الأم ،، لا تتلى الا هذا اليوم ، ثم ينساها المجتمع على مدار العام ،، ولا يذكرها حتى القاضي في محاكمنا ، لحظة النطق بالحكم ، فيمعن في ظلم الضحية .
ما أكثر انتاج المرأة العربية ،،، وما أفقر عوائدها.
لقد آن الآوان لأن نحرك الماء الراكد في عقولنا تجاه وضع النساء وحقوقهن بعيداً عن المدح بالخصال الحميد ة التي توصف بها المرأة ، و وأن نقترب من حقوقهن الإنسانية وأدوارهن المتعددة المهام والوظائف ، حتى يستطعن الخروج من شرنقة هذا المجتمع المكبل بقيم وعادات وأعراف ما كان لأي من الرجال ان يرضاها على نفسه ولو كان في قبر ينتظر يوم الحساب.
أليس أجدر بنا أن نتوقف عن التغني والغزل بنصف المجتمع وأن ننطلق جميعاً نحو بناء ثقافة جديدة تستهدف النصفين معاً دون تفضيل أي منهما على الأخر سوى بالكفاءة والجهد والمقدرة؟
لقد آن الأوان اليوم لاستهداف هذه الثقافة قبل ان يدركنا شتاء قارس يدخلنا في سبات عميق ،،، آن الأوان لفكر نسوي عربي .