مركز لحجز المُعنِّفين.. قبل دور المعنَّفات.



محمد عبعوب
2012 / 4 / 28

مقال الزميلة مرثا فرنسيس بالحوار المتمدن حول دور إيواء المعنَّفات من النساء أثار غيرتي على الرجال والرجولة بمعناها الشريف الذي يعني الحكمة والمروءة والشجاعة والعقل والارتفاع عن صغائر الامور، كما أثار ضميري وعطفي على نصفنا الآخر الذي يُجلد ويُحرق ويُضطهد ويُسرق لأنه مستضعف ولم يعرف بعد كيف يحمي نفسه ويحقق استقلاله ويفرض على الآخر احترامه..

كم هو محبط ومخجل ان يُلحق الرجل العربي كل هذا الاذى بالمرأة التي حملته جنينا في أحشائها تسعة اشهر، وأرضعته لبنا دافئا من صدرها لعامين، واحتضنته طفلا وشابا وزوجا واخا، ليرمي بها عند أول خطأ ترتكبه -وربما لم يكن خطأ سوى في نظره- في الشارع بعد ان يوسعها ضربا وحرقا ، هذا إذا لم يكن متهورا ويزهق روحها، لتجد نفسها ملقاة في ما يدعى دار المعنَّفات!! تسبح في دموع الاسى والقهر الذي أغرها فيه من كان يفترض أن يكون حاميها وراعيها وحضنها الدافئ الذي تلتجئ اليه عند الشدائد..

إن ما تسجله لنا وسائل الاعلام المختلفة كل يوم عن امتهان وتعنيف المراة العربية وتحقيرها وتعذيبها وحتى وأدها على يد الرجل الذي احتضنته طفلا وزوجا، لهو عار يلحقه هؤلاء الجهلة والمسكونين بأوهام متحجرة عن الرجولة ، بشرف الرجولة التي تسمو على كل هذه النقائص.. إن اي اهانة او أذى جسدي او نفسي يلحقه رجل بامراة سواء كانت زوجة او ابنة او ام او اي انثى كانت، لهو اعتداء واذى يمس كل الرجال ويطعنهم في اهم فضائل جنسهم التي تتجسد في العقل والصفح وسعة الصدر والمروءة و القدرة على التحكم في النفس عند النوازل؛ فالرجل الذي يتحلى بهكذا صفات لا يمكنه ان يمد يده بالاذى لأنثى او ينال منها نفسيا لأتفه الاسباب في كثير من الاوقات، ولا لشئ فقط لأنها ضعيفة و لم تعرف بعد كيف تحمي نفسها من عدوانيته. ومهما كانت خطيئة المرأة فإن العنف المفرط والعقوبة خارج القانون كلها طرق تدينها شرائع المجتمعات المتمدنة، ولا تبررها القوانين المتحضرة، وليس كما هو موجود اليوم في دولنا التي تعاني في فيها منظومة قوانين الاحوار الشخصية من تخلف وتحجر تجاوزته الكثير من الدول النامية فضلا عن الدول المتقدمة التي تجاوزت عقدة التمييز على خلفية الجنس واصبحت المراة فيها محمية بالقانون، مع إدراكنا لتسجيل حالات الانتهاك لحقوق المراة في هذه المجتماعت أخذت شكلا متطورا مع تطور الحياة عندهم، مثل استعمالها كفرجة ومثير للغرائز في الافلام ودور عرض الازياء، وغيرها من اشكال الانتهاك ..

إن أول ثورة لتحقيق حقوق المرأة العربية وحمايتها من العدوان والانتهاك، يجب ان تتم في منظومة قوانين الاحوال الشخصية التي يجب تطهيرها من كل التشريعات والنصوص التي تشجع الرجل على ممارسة عدوانيته عليها وتبرر ممارساته الخاطئة في حقها، وعندما يتم صيانة حقوق المرأة وحمايتها قانونيا فإن ذلك سيشكل رادعا يكبح عدوانية الرجل ويجعله يفكر الف مرة قبل ان يرتكب اي خطيئة في حقها.. وحتى تصبح هذه القوانين فاعلة ومؤثرة لا بد ان تواكبها حملة توعية إعلامية واسعة ومكثفة تستهدف الطرفين؛ توعية الرجل بحدوده في التعامل مع المرأة ، وتعريف المراة بحقوقها وبطرق صيانتها وحماية امنها والتخلي عن التقاليد البالية التي تضعها كتابع للرجل وظلا له .

اشعر بالاسى والحزن الشديدين وأنا اقرأ من وقت لآخر او اشاهد في حياتنا اليومية مواقف تنال من انسانية المرأة في شرقنا سواء على يد الرجل او حتى على يد المرأة نفسها، وكم شعرت بالعار وأنا اقرأ عن دور للمعنَّفات في الاسكندرية او غيرها من حواضر هذا الوطن الذي يصر رجاله على الابقاء على نصف مجتمعهم في حالة شلل كامل، إذ كيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يستوعب فكرة إقامة معتقل لحجز ضحايا العنف من النساء وإن أعطي اسما ملطفا "دار "، فيما يترك مرتكب العنف ومنفذه يرتع حرا دونما رادع؟!!! اليس حريا بنا قبل كل شيء إقامة مراكز لحجز مرتكبي العنف وإخضاعهم للعلاج النفسي ومعالجتهم من روح الذكورية العدوانية الطاغية لديهم بدل تركهم يمرحون ويفاخرون بما يرتكبونه في حق اقرب الناس اليهم؟!!!! ثم بعد ذلك يمكننا الالتفات الى النساء المعنفات واحتضانهم في دور يتلقون فيها علاجا نفسيا مركزا من آثار العدوان، وتوعيهم بحقوقهم التي تقرها لهم الشرائع والقوانين العالمية وتدريبهن على طرق حماية انفسهن من العدوان وردع المعتدين، وتمكنهن من الاعتماد على انفسهن في تدبير احتياجاتهن، بدل الاعتماد الكامل على الرجل والارتهان له .

حقا نحن اليوم في اشد الحاجة لإقامة مراكز في كل المدن والحواضر في بلداننا العربية لاحتجاز مرتكبي العنف ضد النساء من الرجال ومن يحثون ويحرضون عليه ، وإخضاعهم لعلاج نفسي وتربوي مكثف يخلصهم من روح العدوانية التي تشربوها في مجتمعاتهم الذكورية المنغلقة على تقاليد بالية تجاوزها الزمن، كما نحتاج الى ثورة حقيقية تهز منظومة قوانين الاحوال الشخصية، تنظفها من كل التشريعات التي تمتهن المرأة وتشرع العنف ضدها وتسرق حقوقها، كما يجب علينا البدء في برنامج توعوي واسع وشامل وطويل المدى، ينهض بالمرأة وينقلها من خانة التابع الى خانة الفاعل المؤثر في حركة المجتمع القادر على افتكاك حقوقه والحفاظ عليها..