أمل زاهد - حقوق المرأة السعودية المهدرة ومسؤولية السياسي!



أمل زاهد
2012 / 5 / 3

كثيرًا ما تُضمّن الكتابات والمقولات النسوية في صحافتنا أسطورة دعم السياسي للمرأة ورغبته في النهوض بها وإخراجها من عزلتها لتمارس دورها في الحياة العامة كاملا غير منقوص، في حين يقف رجل الدين – وحده- أو من أسماهم الدكتور محمد الدحيم “حملة الفقه” سدا منيعا في وجه هذه التحديثات؛ فالسياسي يمنح ويعطي، والفقيه يأخذ ويمنع!

وقد تُحمل بعض الكتابات الأخرى تردي وضع المرأة ومراوحته مكانه للمجتمعات الذكورية الأبوية وسيطرتها على البنى الفكرية والأنساق الاجتماعية الثقافية مع إغفال دور السياسي في تكريس هذه البنى وترسيخ جذورها في الثقافة. بل قد يصل الأمر إلى تصوير حرمان المرأة من حقها في قيادة السيارة إلى الذكورية الغاشمة والفحولة الكاسرة؛ التي تأبى إلا أن تحرم النساء من حق التنقل ثم تُخلى ساحة السياسي من أية مسؤولية. وكأن القضية هي قضية ممانعة ورفض من حزب المحافظة والتقليد في المجتمع؛ يقابلها دعم وتبني للقضية من حزب الحداثة والتجديد، على حين يقف السياسي موقف المتفرج في هذا الصراع منتظرًا لحظة الحسم ليأخذ القرار بالسماح أو المنع؛ في تسذيج وتسطيح متناهٍ للقضية من جهة، وفي تزييف للوعي من جهة أخرى!

في حين أن ممانعة التحديثات المتعلقة بالمرأة يُسأل عنها السياسي قبل الواعظ أو حامل الفقه؛ ليس فقط لأن القرار السياسي هو الحاسم القاصم لأية ممانعة اجتماعية – وقد حدث ذلك في قضية تعليم المرأة وقضايا أخرى غيرها -، ولكن لأن السياسي تخلى عن مهمته ومسؤوليته في تهيئة البيئة الفكرية والثقافية لتغيير أوضاع المرأة وتحسينها. فقُدمت التحديثات المتعلقة بالمرأة للمجتمع مفرغة من مضامينها الفكرية وأساسيات بنيانها، مما يساهم في إعادة إنتاج الممانعات واستنساخ الجدليات العبثية العقيمة التي تشغل المشهد وتلهيه؛ في حين أنها لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا، كون القرار بداية ونهاية بيد السياسي!

يستدعي تغيير أحوال المرأة وتحسين أوضاعها الاجتماعية الاشتغال على تجديد الخطاب الديني، وتفكيك الأنساق الثقافية المكرسة لدونية المرأة، ولا يمكن أن يتم ذلك دون قرار وإرادة سياسية حاسمة؛ تُوضع من خلالها الاستراتجيات للعمل على الخطاب الديني والثقافي والتعليمي والإعلامي والاجتماعي في سبيل التأسيس لوعي مغاير فيما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع والتنمية. فالبنى الفكرية للتشدد والتقليد لم تسقط علينا كسفًا من السماء، بل أفسح لها الطريق لتتجذر وتنمو وتتعمق عبر التعليم والإعلام، ومن خلال مفردات وأدبيات الخطاب الديني الوعظي الذي تركت له السيادة ليشكل الوعي الجمعي طبقا لرؤيته الأحادية!

من نافل القول أيضًا أن الأنظمة الحكومية تلعب دورًا كبيرًا في هدر حقوق المرأة المدنية وفي تكريس الفكر الوصائي عليها، فهي محرومة من الإنصاف لا تستطيع اللجوء للقضاء إلا بموافقة الولي أو حضور مزكييّن من أهلها يعرفان بها كي تتمكن من رفع قضية ضد زوج أو أب يعنفها. ناهيك عن التعاميم الأخرى التي تساهم في إيقاع الظلم عليها في المحاكم في حالات الطلاق أو الخلع أو العضل أو الحضانة . فضلا على حرمانها من حقها في منح الجنسية لزوجها غير السعودي ثم لأبنائها منه أسوة بأخيها الرجل. فعلى أبناء المرأة السعودية من زوج غير سعودي الانتظار حتى بلوغ الثامنة عشرة من العمر؛ وهنا أيضا يُفرَّق بين الذكر والأنثى، فيمنح الشاب الجنسية السعودية فيما لا تمنح الفتاة الجنسية إلا في حال زواجها من سعودي! ناهيك أيضا عن غياب قوانين رادعة تحميها من العنف الذي قد يقع عليها من أب ظالم أو زوج متجبر، ولعلّ مأساة المرأة الكبرى تتجلى في عدم الاعتراف بأهليتها الكاملة وخضوعها للوصاية الدائمة وموافقة ولي الأمر عند التعليم والعمل والسفر وإجراء العمليات وخلافه!* 1

بناءً على ما سبق؛ تتجلى الإشكالية الكبرى في خطاب النسوية السعودية بتوجيهه للبوصلة الوجهة الخاطئة، فهو يمسك في الفرع دون الجذر وفي العرض الظاهر دون المرض، فتتورط النسوية السعودية في صراعات مفتعلة وحامية الوطيس مع الوعاظ وحملة الفقه، وهو صراع يفتقر للتكافؤ مع خصم قوي محصن بقبب القداسة،مُكِّن من أسباب السيادة والهيمنة الكاملة على المجتمع وثقافته!

كما قد تنحرف أيضا بعض الكتابات النسوية إلى شخصنة القضايا والبحث عن معارك “دونكشيوتية” مع رموز التيار الوعظي؛ دون اشتغال فكري جاد وواع على هز القناعات الراسخة في اللاشعور الجمعي، وتقويض المقولات المتشددة والمتكلسة المتعلقة بالمرأة في الخطاب الديني والثقافي السائد.

* كتاب أسوار الصمت قراءة في حقوق الفرد المدنية في السعودية للدكتور وليد الماجد

وللمزيد من المعلومات عن حقوق المرأة المدنية المهدرة الرجاء الرجوع للكتاب السابق فصل : حقوق المرأة .