الاغتصاب ... والزواج بالاكراه ..



علي الأسدي
2012 / 6 / 11


الزواج كما نعرف عقد اجتماعي بين اثنين ناضجين عقليا ، ذكرا وأنثى يتعهدان على العيش معا ويتبادلان المحبة والتفاهم المشترك بدعم من القانون وحماية المجتمع. ويتقاسم الاثنان الأعباء التي تفرضها وتتطلبها الحياة الزوجية بما فيها المسئولية التضامنية عن تنشئة الأطفال،واحترام القوانين والعلاقات الاجتماعية والأعراف السائدة. وتتقارب المبادئ الأساسية للعقد الاجتماعي هذا في اكثر المجتمعات البشرية المتحضرة برغم اختلاف وتعدد اللغات والديانات والمعتقدات السياسية. لكن واقع الحياة في المجتمعات الاسلامية له تطبيقاته المغايرة لمبادئ العقد الاجتماعي هذا سنأتي اليها لاحقا.
منذ خمسينيات القرن الماضي شاعت في المجتمعات الرأسمالية روابط عائلية خارج عقود الزواج والعرف القانوني والكنسي ، حيث يختار الطرفان العيش سويا ، وقد أصبح هذا النمط من الحياة الزوجية واقعا اجتماعيا يصعب تجاهله. وبناء على الواقع الجديد صدرت تشريعات قانونية تنظم العلاقة بين الشريكين الذين اختارا هذا النمط من الحياة الزوجية بارادتهما الحرة على أن يتقاسما المسئولية عن الأطفال الذين يولدون نتيجة لتلك العلاقات. وثبتت قانونيا حقوق الأطفال في حمل اللقب العائلي لأحد الزوجين ، وأن يضمن لهم المساواة امام القانون في النفقة والميراث مع الأطفال الآخرين الذين يولدون في عائلات قامت بناء على عقود زواج موثقة رسميا. وقد حاز هذا النمط من العلاقات الزوجية تدريجيا اعترافا وقبولا من غالبية المجتمع الغربي الذي كان قبلا ينظر للأطفال خارج عقود الزواج نظرة دونية ، تتحمل الأمهات بسببها القسط الأكبر من التسقيط والادانة حتى نهاية العمر.
لقد بدأت مثل تلك العلاقات أولا في الدول الاسكندنافية وألمانيا ، تلتها لاحقا بسنين المملكة المتحدة وبقية الدول الأوربية. الدول الاشتراكية في شرق أوربا لم تتقبل هذا النوع من العيش المشترك قبل الزواج برغم انتشاره على نطاق واسع في دول الجوار، عكس ما كان يشاع عن إباحية واسعة داخل مجتمعات المنظومة الاشتراكية التي غذتها الدوائر الأستخباراتية والاعلامية الغربية الدائرة في فلكها. ويعود السبب في ذلك الى التأثير القوي لدورالعائلة والترابط المسئول بين الطفل ووالديه والكنيسة المسيحية ، وهذا ما حافظت عليه الثقافة الاشتراكية طوال وجودها. كانت مراسم الزواج تتم رسميا ويصادق عليها من قبل مؤسسات الدولة ، ومن قبل الكنيسة لمن يرغب بذلك.
وكما في اوربا الغربية قبل الخمسينيات ، كان الحمل قبل الزواج في أوربا الشرقية حتى نهاية السبعينيات غير مقبول شعبيا ومدانا ، ولذلك تلجأ الفتيات من كل الأعمار الى تحاشيه باستخدام الموانع الطبية المتاحة في الصيدليات وفي اكشاك بيع الصحف. وفي حالة حدوث الحمل رغم ذلك تتخلص الفتيات مبكرا منه عبر الجراحة لدى عيادات الأطباء ، ولم يتغير الوضع كثيرا بعد اندماج شرقي وغربي اوربا في التسعينيات. قبل ذلك وكما في أوربا الغربية في الخمسينيات كانت الفتيات في شرقي أوربا اللواتي يقعن في هذا المأزق ( الحمل قبل الزواج ) يتوارين عن أهليهن فترة الحمل وقبل التخلص من الجنين إما عبر الجراحة أو التنازل عنه لعائلات تتبناه وتتكلف برعايته وفق القوانين المنظمة لذلك. أما في المجتمعات الاسلامية فالحوامل وغالبيتهن قاصرات عمرا وساذجات عقلا يقعن فريسة الجهل والشعوذة وابتزاز الأطباء الجشعين الذين يمارسون عمليات اسقاط الأجنة بطرق جراحية بدائية خارج المستشفيات في أمكنة غير صالحة ، يتعرضن خلالها لخطر الموت في أحيان كثيرة بسبب جهل القائمين بها. وقد تقوم الفتاة بالتعاون مع أحد أفراد عائلتها بالتخلص من الجنين باي وسيلة كأن يرمى في الأنهر أو المزابل النائية ميتا أو حيا.
وعلى عكس أنماط الزواج الأصولية التي ماتزال سارية بشكل واسع في بلدان العالم المتحضرة يمارس في بلداننا الاسلامية الزواج بالاكراه ، وهو وإن سميناه زواجا فهو في حقيقة الأمر صورة محسنة للاغتصاب الذي تعاقب عليه كل القوانين المختصة في جميع بلدان العالم. مراسم زواج الاكراه لم تقل بها القوانين والشرائع الدينية السائدة التي نعرف ، لكن المتحمسين لها يصرون على كونها اسلامية ولا يجوز مخالفتها ، والا اعتبرت عصيانا لتعاليم الرسول محمد. واذا صح واعتبرناها عرفا فهي ليست أقل همجية من الاغتصاب ، فالزواج الذي يتم باكراه الفتاة الابنة على الاقتران بقريبها أو اي شخص تقترحه عائلتها دون أخذ رأيها بالرفض أو القبول هو موافقة صريحة ومسبقة على السماح باغتصاب ابنتهم. ويتم هذا الزواج بسبل عدة نعرف بعضها ، اما السبل الأخرى فلا علم لنا بها ، لكنها تتم ويشاع الأخذ بها بحسب تقاليد لا يعرف متى وكيف سوغ للبعض الأخذ بها لتصبح عرفا له قوة القانون الوضعي أو الالهي.
أحد نماذج هذا الزواج يتم على اساس مقايضة ابنة في مقابل اسقاط دين عن ذمة عائلتها. شكلا آخر للزواج بالاكراه يتم بموجبه تسوية مشاكل ثأرية بين عائلة الفتاة وعائلة أخرى تتنازل عنه مقابل ابنتهم التي ستكون زوجة لأحد أفراد العائلة ، حدثا كان أو رجلا بعمر والدها. وهناك ايضا من يتبرع بابنته لأحد المعارف تعبيرا عن امتنان او اجلال أو تكريم.
ولأنه لا توجد احصاءات رسمية موثقة يصعب تقدير الرقم الحقيقي لضحايا هذا النوع من الزواج القسري في الدول التي تجيزه. وما لم تتأسس منظمات تعني بالكشف وادانة هذا الصنف من الزواج الاجباري ستبقى الحقيقة غائبة عن الباحثين الاجتماعيين والمدافعين عن حقوق المرأة في العالم.
الزواج بالاكراه الممارس حاليا بعلم من القضاء ورجال الدين هو مصادرة صريحة وفظة لحق المراة في اختيار شريك الحياة الذي كفلته مبادئ حقوق الانسان الموقع عليها من قبل جميع بلدان العالم الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة. حق المرأة في اختيارشريك الحياة الزوجية يشكل الأساس لبناء حياة عائلية سليمة يسودها الود والتفاهم والاحترام المتبادل ، يتقاسم الاثنان بموجبه وظيفة انجاب وحضانة وتعليم وتاهيل أطفالها.اقامة علاقات زوجية مشتركة بالاكراه هو استمرار للعلاقات العبودية التي مورست بشكل واسع من قبل المستعمرين البيض فترة الهيمنة الاستعمارية والاقطاع التي استمرت لقرون عديدة في المستعمرات البريطانية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية والهولندية وآخرها في الولايات المتحدة حتى قيام الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917. اما عبودية المرأة فقد استمرت الى عهدنا الحالي وما زالت تمارس بشكل واسع في المجتمعات الاسلامية ، تحت عناوين كثيرة ككائن ضعيف ناقص الأهلية بايولوجيا ، وهو ما تدينه كل قوانين العصر الحالية.
والغريب في الأمر أن المنحدرين من مجتمعات البلدان الاسلامية التي انتقلت للعيش في العالم الغربي نقلت معها هذا العرف السيئ الى البلدان التي استقرت فيها. وفي الفترة الأخيرة تثار بشكل جدي مسألة انتشار ظاهرة الزواج بالاكراه في أوساط المهاجرين العرب وغير العرب الذين تزايدت اعدادهم بدرجة ملفته في أوربا والولايات المتحدة وبخاصة في بريطانيا وفرنسا خلال العقود الأربعة الماضية. وقد حاول حزب العمال البريطاني عام 2004اصدار قانون يعتبر الزواج بالاكراه جريمة يحاكم من يروجها بعقوبات بالسجن ، لكنه تراجع عن ذلك خشية فقدانه لأصوات المنتمين لتلك الجنسيات في الانتخابات التي كانت ستجرى عام 2005 ، حيث شكلوا حينها نسبة قد تؤثر على حظوظه في الفوز.
وتقوم وزيرة الداخلية البريطانية في حكومة المحافظين الحالية بسن قانون بهذا المعني يجرم القائمين والمروجين لهذا الزواج حتى لو كان الزواج قد تم في خارج بريطانيا. وتشير التحقيقات الجارية خلال نصف العام الماضي أن حوالي 1468 حالة زواج من هذا النوع قد جرى التحقيق فيها وقد تصدر احكاما بحق القائمين بها. وتقدر الجهات الأمنية ان الرقم الحقيقي لحالات الزواج بالاكراه قد تصل الى 8000 حالة ، أكثرها قام به بريطانيون من أصول باكستانية وأفريقية وهندية وبنغلادشتية وأفغانية. وتؤكد السلطات التحقيقية أن جميع حالات الزواج التي تم التحقيق فيها كانت الفتيات قد أجبرن على الزواج من مواطنين يرونهن لأول مرة في حياتهن.
علي ألأسدي