هموم و هواجس -امرأة معيلة-!!



مركز موارد التنمية
2012 / 6 / 14

تنفست الكثير من النساء المعيلات الصعداء عندما تمت المصادقة والاقرار على قانون التأمين الصحي الخاص بهن، فقد صدق رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة على هذا القانون ليصدر رسمياً برقم 23 لسنة 2012 ويدخل بعدها حيز التطبيق.

ويتضمن القانون الذى أقره مجلس الشعب منذ أيام 12 مادة، تنص المادة الأولى على "إنشاء نظام التأمين الصحي للمرأة المعيلة ويقصد بها " المرأة التى تتولى بمفردها رعاية نفسها أو أسرتها، ولا تتمتع بمظلة التأمين الصحى تحت أى قانون آخر" وفي المادة الثانية "تتولى الهيئة العامة للتأمين الصحي تقديم خدمات العلاج والرعاية الطبية فى جهات العلاج التى تحددها داخل وخارج وحداتها للمرأة المعيلة وفقا لمستويات الخدمة الطبية والقواعد التى يصدر بها قرار من وزير الصحة والسكان".

ويقدم التأمين وفقا للمادة الثالثة جميع الخدمات العلاجية والتأهيلية، في حالتي المرض والحوادث، التي يغطيها نظام التأمين الصحي العادي، وتضم المادة الرابعة تنظيماً لمصادر تمويل هذا التأمين الذي ستتحمل المرأة المعيلة جزء يقدر بـ 1% من دخلها بحد أدنى يصل الى 12 جنيهاً سنويا، وهناك اشتراكات سنوية ستتحملها الخزانة العامة للدولة، بواقع 200 جنيه لكل سيدة معيلة.

ثم تحدد المادة الخامسة "استمرار علاج المرأة المعيلة حتى تشفى أو تستقر حالتها الصحية"، وتنص المادة السادسة على "انشاء حساب خاص لهذا النظام التأميني تودع به حصيلة الموارد وعائد جميع الخدمات والاستثمارات الخاصة به على ان يتم فحص المركز المالي لهذا الحساب سنوياً بمعرفة لجهات المختصة بما فيها قيمة الالتزامات القائمة"، ويشير القانون الى "الزام الدولة بدفع فارق التكلفة التي لا يغطيها التأمين الصحي مثل زرع الكبد وغيرها من الامراض المزمنة" على ان يصدر وزير الصحة اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال شهر يونيو الجاري.

ماذا نعني بالمرأة المعيلة؟:

عندما نتحدث عن مشكلة المرأة المعيلة فاننا نتحدث عن مشكلة عامة تواجهها الكثير من دول العالم، فهي لا تقتصر على منطقة بعينها، وهي ليست جديدة ايضا في المجتمعات الانسانية، فلطالما وجدت نساء على مر الزمان وحيدات يرعين مصالحهن واسرهن.

الا ان الظاهرة اخدت في الإنتشار بشكل مخيف في الاونة الاخيرة، بسبب سوء حال الاقتصاد وكثرة المشاكل الاجتماعية التي تفتك بالاسر.
المرأة المعيلة: هي تلك التي تتولى رعاية اسرتها مادياً بمفردها دون مساعدة رجل سواء كان هذا الرجل زوج او أخ او أب، وقد تكون أرملة او مطلقة او مهجورة او غير مرتبطة ولكنها مستقلة او متزوجة وزوجها لا يؤدي واجيه نحوها ونحو اسرتها لاسباب عديدة، فتضطر هذه المرأة الى العمل من اجل تلبية الحاجات الضرورية لـ"الاسرة الاحادية" وهي الاسرة التي يعولها طرف واحد فقط.

هموم المرأة المعيلة:

تواجه المرأة المعيلة الكثير من الهموم وتختلف مشاكلها باختلاف المجتمع الذي تعيش فيه، وتكثر نسبة النساء المعيلات في مناطق الحروب بسبب موت الرجال أو اعتقالهم او اختفائهم وكذلك في المناطق التي كثيراً ما يهاجر الرجال منها بحثاُ عن العمل، مخلفين وراءهم اسرة سواء صغرت أو كبرت فهي في عنق المرأة.

اذ تعاني هؤلاء من مشاكل نفسية واقتصادية واجتماعية تجعل من حياتهن تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، أ.ع، 26 عاماً،هي واحدة من هؤلاء اللواتي نطلق عليهن "امرأة معيلة"، هاجر زوجها للعمل في السعودية منذ أكثر من عام تقريباً، لديها من الاطفال أثنان والثالث قادم في الشتاء.

"الناس ما بترحمش، لو الراجل قاعد يقولوا قاعد وسايب عيالو بالجوع، ولو سافر علشان يشتغل يقلك سايب الست لوحدها مع عيلين وحامل، وتقعد الناس تنهش فيا بقا، ملهمش قصة الا أنا، يا بيحسدوني علشان جوزي بيشتغل برة ويقلك تلاقيه بيجيب فلوس كتيرة يا يجيبوا سيرتي وانا رايحة وجاية من المدرسة، بيدايقوني الستات لما بيقعدوا يتوتوتوا وانا ماشية من جنبهم، بس هعمل إيه همومي ومسؤولياتي اكبر بكتير من إني انشغل بيهم، بعمل نفسي لا سامعة ولا شايفة" تقول أ.ع.

فبالرغم من قيامها بدور الام والاب لاطفالها، وعملها خارج المنزل كمدرسة، الا ان المجتمع لم يرحمها ويكرس نفسه لمراقبتها واطلاق الاحكام عليها، بدل من ان يفخر بها لقيامها بمسؤولية هي في الحقيقة لو قسمت على اثنين (الرجل والمرأة) لتعبا منها.

"ناس تانية بقا بيبصولي نظرة شفقة وتعاطف شديد بتخليني احس اني ضعيفة ومكسورة الجناح، اللي تقلك ربنا يرجعهولك يختي دا الراجل في البيت سند حتى لو كان ما بيشتغلش، دا حسو في البيت يكفيكي انتي والعيال" تكمل أ.ع.

نظرة أخرى لا يمل المجتمع منها وهي ان يظر للمرأة غالباً بنظرة الاشفاق والترحم، هذه النظرة التي تجعل المرأة تشعر بانها مخلوق ضعيف لا يمكن له ان يعيش وحده دون حماية "الرجل" الذي يعتبر مصدر القوة المادي والمعنوي في المجتمع الابوي الذكوري.

"دا غير بقا هم الولاد اللي ما بيبطلوش سؤال على أبوهم، هو راح فين؟ وجاي امتا؟ وليه سابنا؟ وغيرو من الاسئلة اللي مش بتخلص" تضيف أ.ع، اذ انه من المؤكد ان غياب الأب والذي كان المعيل الرئيسي المفترض للاسرة قد يؤدي الى حالة ارباك شديد في العائلة، لان هرم القوة يختل بغيابه، فمن العادة في المجتمعات العربية ان يكون الاب هو رأس الهرم في السلطة وهو الذي يقرر للعائلة ويملي الأوامر والشروط على الاطفال وعلى المرأة، وبغيابه تضطر المرأة ان تأخذ دوره وتقوم بما كان يقوم به في أعلى الهرم، مما يتعبها نفسيا وجسداً ويؤدي أحيانا الى كثير من المشاكل بينها وبين اطفالها الذين لا يتقبلون فكرة ان تقوم الام بدور الاب "المتسلط" و "القاسي" فهم معتادون على السيطرة والتسلط من الاب وليس من الام التي تعتبر الطرف المسامح والمسالم في الاسرة، وغالباً ما يلجا لها الاطفال عند الشعور بظلم من السلطة المتمثلة بالأب.

أما المشاكل الاقتصادية بالنسبة للمرأة فتتلخص بكون الأجور ضعيفة ولا تلتقي بأي حال من الاحوال مع الإرتفاع الهائل في الاسعار والتي يعاني منها العالم باكمله وليس دولة بعينها.

أم علي امرأة خمسينية، أصبحت المعيل الرئيسي لاسرتها بعد فقدان زوجها قدرته على العمل "والنبي أنا يا بنتي اضطريت انزل اشتغل بعد العمر دا والمرض اللي انا فيه، جوزي كان بيجيب حاجتنا، بس تعب ومبقاش قادر يروح الشغل، انا نزلت ادور على شغل، قلت مش هقعد للصدقات لازم اجيب اكل عيشي من تعبي، ممعيش شهادة ولا خبرة في أي شي، لقيت محل كشري عايز عاملات يقشرولو بصل وبديت اشتغل معاهم، بقشر في اليوم 15 شوال وباخد 50 جنيه، من الساعة 8 الصبح للساعة 5 يومين في الاسبوع".

هذه المجموعة من النساء المعيلات، غير متعلمة، ولا تمتلك خبرة في اي مجال يسمح لها بالعمل فيه وكسب قوتها فتضطر الى العمل في ظروف سيئة وأجر قليل بسبب قلة خبرتها ومعرفتها بالعالم من حولها، مما يؤدي بها الى الاستغلال من صاحب العمل وقد تتعرض للتحرش والاغتصاب في بعض الاحيان نتيجة للحاجة وطمع الرجال فيها بسبب معرفتهم بحاجتها.

هذا وقد ترفض الاسرة في بعض الاحيان عمل المرأة معتبرين عملها في وظائف دنيا انتقاصاً لهم "ابني بيقلي انتي مش هتبطلي الشغل دا وريحتك البصل اللي خانقانا، وانا بقلو لو مكنتش اشتغلت كنتو هتاكلو منين؟ دا بدل ما يشكروني على التعب اللي انا فيه بيقهورني بيكلامهم، هو انا لو لقيت حد يصرف عليا وعليهم كنت نزلت من الاساس" تكمل ام علي.
وقد يؤدي هذا الرفض ببعض النساء المعيلات الى ترك العمل وبالتالي خسارة المورد الاقتصادي الذي تعتاش الاسرة منه وعليه، أو ان يرفضن ويتمردن على العادات وعلى هؤلاء الذين يقفون في طريق "لقمة العيش" فتزاد بذلك الضغوط النفسية التي يسببها هؤلاء بسبب "الزن والكلام الطالع والنازل".

اما الهموم الاجتماعية فلا تنتهي، وخصوصاً بالنسبة للمرأة التي توفى زوجها تاركاً لها أطفالاً صغار بحاجة للاكل والشرب والمدرسة وغير ذلك من الاحتياجات، فهذه المرأة قد تتعرض لظلم مجتمعي كبير، فهي مراقبة في دخولها وخروجها من المنزل وفي تصرفاتها وقد يتعرضن للقذف دون أي سبب، وقد يخاض في اعراضهن لمجرد انهن اصبحن "ارامل" تقول ام علي عن أحدى صديقات ابنتها "ترملت بدري وعندها 5 عيال، مكنتش بتشتغل، ولا عندها شهادة، جالها عريس وقلها هيصرف على الولاد، أهل جوزها يا عيني فضحوها وشتموها وبهدلوها، طب هم لو صارفين على العيال كانت فكرت اصلا تتجوز؟؟ والا اهو بس كلام، دلوقت بقت تشتغل في مستشفى خاص في التنضيف، وكمان مش خلصانة من لسانهم قال سايبة العيال لوحدهم ومبتخليش بالها منهم".

هذه المرأة تفقد حقها في اتخاذ القرار الذي يناسب حياتها ويجعل منها سهلة لها ولأولادها فبسبب نظرة المجتمع وكلامه وعاداته وتقاليده البالية قد تجبر المرأة على تصرف لا يناسبها وغير مقتنعة به كأن تتزوج مثلا من أخ زوجها حتى وان كان متزوجاً ولكن الاخير "يحفظ ولاد أخوه".

فإما ان تقبل بالزواج من الرجل الذي اختاروه لها او انها تحرم من الزواج أبدا بحجة الاطفال، وفي حال تمردها على الخيارين فانها قد تضطر الى خسارة اطفالها وعدم رؤيتهم الى الابد باعادتهم مجبرة الى عائلة الزوج.

هذه بعض هموم النساء المعيلات في مصر حيث تكثر نسبتهن بسبب هجرة الرجال للعمل في الخارج وخصوصا دول الخليج تاركين ورائهم اسرهم ونساءهم لمجتمع لا يرحمهم ولا يرحمهن، في الوقت الذي تحاول فيه هؤلاء ومن خلال جهود جبارة ان تلعب دور الرجل والمرأة في نفس الوقت، ولكن المجتمع لا يقدر للمرأة أي جهود تقوم بها.