( مزيدا من فضح طبيعة - النموذج التركي - الرجعية ) - النساء و - المخطط الخبيث ضد الأمة التركية -



شادي الشماوي
2012 / 6 / 22

( مزيدا من فضح طبيعة " النموذج التركي " الرجعية )
النساء و " المخطط الخبيث ضد الأمة التركية "
( أخبار " عالم نربحه " ، 18 جوان 2012.)
فى سلسلة حديثة من الخطابات ، هاجم الوزير الأوّل التركي رجب طيب أردغان النساء اللواتى ترغبن فى الإجهاض. متحدّثا عن السكّان و النموّ ، قال : " لا فرق بين قتل طفل فى بطن أمّه و قتل طفل بعد ولادته". و قد صرّح بأنّ كلا من الإجهاض و ما سمّاه العمليات القيصرية " غير الضرورية" جزء من " مخطّط خبيث لإلغاء هذه الأمة من على وجه الأرض".( يومية أخبار الحريات ، 31 ماي 2012).
لقد أعلن أن حزبه ، حزب العدالة و التنمية ، كان يعدّ مسودّة قانون سيحدّد تحديدا كبيرا الإجهاض. و لم ينشر بعدُ القانون بيد أنّ سلسلة الخطابات و التعاليق الحماسية للوزير الأوّل و موظفي حكومة آخرين و حملة شاملة ضد النساء بثّا الخوف و الغضب فى صفوف النساء اللواتي تفهمن تبعات هكذا تصرّفات.
و لردّ الفعل على ذلك ، نظّمت النساء المسيرات والإحتجاجات فى عديد المدن التركية ، بما فيها أنقرة و أزمير. وفى أضخم مسيرة فى إسطنبول فى 3 جوان ، شاركت آلاف النساء فى ما إعتبرته التقارير أعظم مسيرة غير مسبوقة للنساء فى تركيا. و قد شاركت فيها نساء من كافة الأعمار من مختلف فئات المجتمع- فنانات ، طالبات ،مهندسات ،مدرسات ،ممرضات ،محاميات و ما إلى ذلك.
و فى عديد الأماكن ، صفّق الواقفون على الرصيف للنساء المحتجّات. و بيما كانت المسيرة تمرّ بساحة مدينة كاديكو ، صدحت حناجر النساء ب : " حزب العدالة و التنمية ، أبعد يديك عن جسدي" ؛ " طبي أردوغان ، الأمر لا يعنيك" . و رفعت النساء أيضا لافتات كتب عليها " نحن نساء ،لسنا آلات إنجاب" ؛ " لا نقاش حول حقّنا فى الإجهاض" ؛ " نحن هنا لنحتجّ على محاولات الحكومة إستعمال أجساد النساء لأغراضها السياسية " ؛ " جسدي ، خياري" ؛ " لا تسوّغوا الإغتصاب" و عدّة لافتات أخرى.
و قد صرخت المتظاهرات كذلك ب " الإجهاض حقّ ، و أوليداري جريمة " ، فى إشارة إلى موقف أردوغان الفظيع الذى يعتبر " كلّ إجهاض يشبه أوليداري" ، مساويا بين الإجهاض و هجوم قوى جوّية تركية تسبّب فى مجزرة راح ضحيتها 34 شخصا فى أوليداري، وهي قرية فى المنطقة الكردية من جنوب غرب تركيا ، و ذلك فى ديسمبر الماضي.
و موقف أردوغان هذا يخلط الصواب و الخطأ مرّتين. أوّلا ، تكشف معادلة الإجهاض بألوداري نواياه الحقيقية فهي ليس فقط تحديد الإجهاض و إنّما تجريمه تماما مهما كانت الظروف.و ثانيا ، يقلّل أردوغان من أهمّية جريمة الدولة فى ألوداري ( و يحاول أن ينفي مسؤولية حزب العدالة و التنمية فى تلك الجريمة ) ، و يسعى إلى أن يوجّه عدم الرضا و الغضب بعيدا عن الدولة ، بإتجاه النساء.
يمكن أن يبدو التشبيه غريبا فى ضوء منطق أردوغان ، لكنه حزمة رزية قوية ، جامعا بصفة كامنة قطاعات رجعية مختلفة فى المجتمع التركي- الشوفينية التركية ( ضد الأكراد و الأرمن و الأقليات القومية الأخرى التى تصوّر كما لو أنّها متحالفة مع أعداء غير محدّدين ل" الأمة التركية " ) و التفوّق الذكوري ، وهي كذلك فى ظلّ تهديد تحديات التقاليد ،و بالطبع القيم الدينية التى يمثلها حزب العدالة و التنمية و يبحث عن تعزيز الدفاع عن النظام الأبوي و العادات المتخلّفة. و ما يربط معا هذه الحزمة هو إدعاء أن النساء اللواتي ترغب فى التحرّر من الأمومة المفروضة ، جزء من " مخطّط خبيث ضد الأمة التركية ".
فى تركيا ، كان الإجهاض قانونيّا إلى حدود الأسبوع العاشر من الحمل منذ 1983. و حسب وزير الصحّة رجب أكداغ ن قانون حزب العدالة و التنمية الذى سيقدّم للبرلمان مع نهاية جوان سيقلّص هذا الحقّ إلى أربعة أسابيع. و سيكون تقليص الإجهاض إلى الأسابيع الأربعة الأولى عمليّا منعا للإجهاض ، بما أنّ عديد النساء لا تكتشفن الحمل فى غضون هذه الفسحة الزمنية القصيرة ، و من العسير إجراء الإعدادات اللازمة للإجهاض بهذه السرعة ، هذا ما قاله رئيس الجمعية الطبية التركية. و حذّر من أنّ فى تركيا على الأرجح ستواصل النساء البحث عن الإجهاض رغم هذا الإجراء ،مثلما فعلت على نطاق واسع فى المدينة وفى الريف قبل تقنين الإجهاض ، وستكون النتيجة على الأرجح " إرتفاعا دراماتيكيا " فى عدد النساء اللواتي ستلقى حتفهن جراء إجراءات الإجهاض غير الآمنة .( يومية أخبار الحريات، 31 ماي 2012).
قبل تقنين الإجهاض ، كانت 90 بالمائة من وفايات الأمهات تعزى إلى الإجهاض الخطير و غير الصحّي . و حتى الآن ، ما يناهز ربع النساء اللواتي تقمن بالإجهاض يجبر على اللجوء إلى الطرق البدائية. و علاوة على ذلك ، تطالب المرأة بإمضاء الزوج قبل إجراء الإجهاض.
إستفزاز مقصود :
لقد شرع حزب العدالة و التنمية فى التشديد على العلاقة بين هذا المنع المقترح و الدور العام للنساء فى المجتمع التركي الذى حدّده ، و يحاول فرضه.
و أعلن والي أنقرة الكبرى ،مليح غرساك ، فى التلفزة أنّ النساء اللواتي تفكّر فى الإجهاض يجب أن تنتحر عوض ذلك ، لأنّ حياة المرأة أقلّ قيمة من حياة الجنين. و ساند رئيس رجال الدين الأتراك ، الإمام محمد غرمز ، المنع المقترح من قبل الحكومة و تصريحات أردوغان ، محاججا أنّه ليس للنساء الحقّ فى تقرير ما يجب أن تفعل بأجسادهنّ لأنّ أجسادهن مجرّد أوعية قد " عهد إليها " الإلاه أن تحمل الأطفال. ( يومية أخبار الحريات ، 4 جوان 2012).
و يسمح القانون الجاري به العمل بالإجهاض إلى الأسبوع 20 فى حالات الإغتصاب و الخيانة الزوجية، و تعرّض هذا الإجراء إلى الهجوم . فقد صرّح وزير صحّة حزب العدالة و التنمية بأنّ ضحايا حمل الإغتصاب يجب أن تنجب الطفل.
يقول أردوفان إنّه يعارض العمليات القيصرية لأنّ هذه العملية الطبية " غير طبيعية " ( وهو ما يذكر بالحجّة المردّدة من أنّ الهيمنة الذكورية و الإغتصاب " طبيعيين" ) و يدافع عن أنّ النساء اللواتي تقوم بهذه العملية ربّما لن تكون لهنّ ولادات كافية لتبلغ نسبهن من الأطفال. ( و غالبا ما دعا الأسر لتكون لديها على الأقلّ ثلاثة أطفال ، وهو ما تعتبره الكثير من الأسر ، أكثر من اللازم ). و مع ذلك ، فإنّ مقاربته لا تسترشد بعلم الطبّ ( يبدو أنّ العلاقة بين هذه العملية و الولادات المستقبلية غير واضحة ، و عادة هي ضرورية بالنسبة سواء للأم أو الطفل الممكن أو لكليهما ). مرّة أخرى ن حجته الحقيقية رمزية إذ هو يمرّر فكرة أنّ النساء اللواتي تقمن بهذه العمليات أنانيّات و تضعن مصالحهنّ فوق إعتبار دورهنّ كمنجبات أطفال- و مجدّدا ضمنيّا مذنبات كمتآمرات عن وعي أو غير وعي فى " المخطّط الخبيث".
و هذه خطوة أعمق و أكثر جدّية فى تبنّى القيم الإسلامية كبرنامج سياسي مثل الأصوليين الدينيين المسيحيين و اليهود ، فإنّ النساء المضطهدات فى موقع القلب من المجتمع الذى يدعو إليه. و مثلما فى ما يسمى بالبلدان المتقدّمة ( أو بصورة أدقّ ، الإمبريالية) ، منع الإجهاض فى حدّ ذاته مسألة كبرى إيديولوجيا و عمليّا و عنصر مفتاح ضمن حزمة أشمل لإستعباد النساء بالتقليص من نشاطاتهن الإجتماعية و دفعهنّ إلى الخلف نحو دورهنّ التقليدي.
الإسلام المعتدل فى تركيا و النساء :
فى السنوات الأخيرة ،وقع الترويج لما يسمّى ب " النموذج التركي" كمثال لدول إسلامية معتدلة يجب تشجيع تطبيقه فى بلدان أخرى ذات أغلبية سكّانية مسلمة. من المفترض أن لا تفرض دولة بالرغم من طابعها الديني القيم الدينية على السكّان. و مع ذلك ، فإنّ تركيا ترسل إشارات مختلفة بصفة متصاعدة.فالقيم الإسلامية لحزب العدالة و التنمية تفرض على الناس بطرق متنوّعة ، حتى فى حين أنّ الدولة ليست معترفة بأنّها دولة دينية.
و على سبيل المثال ، فى المدّة الأخيرة، أصدرت محكمة فى تركيا " أحكاما ضد فاسيل ساي وهو عازف بيانو كلاسيكي و عازف جاز مشهور عالميّا" – وهو ملحد صريح- " على أنّه يسيء إلى القيم الإسلامية فى رسائل تويتر ، فى واحدة من سلسلة التتبعات القانونية ضد الفنانين و الكتاب و المثقفين الأتراك لمواقف أصدروها حول الدين و الهوية القومية التركية " ( نيويورك تايمز، 1 جوان).
ووفق هذا التقرير ذاته ناورهان باموك ، صاحب جائزة نوبل للآداب ،وقعت محاكمته مجدّدا و هذه المرّة ، وقع تغريمه ب 3700 دولار لتصريحه فى حوار صحفي مع جريدة سويسرية بأنّ فى تركيا، قتل " 30 ألف كردي و مليون أرمني".
و هذا النوع من الإضطهاد ليس جديدا . فالشوفينية التركية كانت ميزة بارزة للدولة التركية المعاصرة منذ تأسيسها فى ظلّ آتاتورك سنة 1923. و مع أنّ الأسلمة و القيم الإسلامية مرتبطة إرتباطا وثيقا بشكل خاص بمسألة مكانة المرأة ، فإنّ منع الإجهاض المقترح مثال لجهود حزب العدالة و التنمية لتحدّى العلمانية التى حاول الجيش أن يتماهي معها. ( ولقد جرى تقنين الإجهاض عندما كانت تركيا تحت الحكم العسكري). و قد شكّلت هذه العلمانية المدّعاة مكوّنا هاما من ما قدّمه الجيش و الطبقات الحاكمة التقليدية كأساس لشرعية حكمهم ، و لو أنّ الدولة التركية لم تقطع أبدا مع التعويل على الدين.
و نظرة سريعة على التغييرات فى وضع النساء أثناء العقد الأخير منذ وصول حزب العدالة و التنمية إلى السلطة ؛ تبيّن أنّه بمزيد تبنّى القيم الإسلامية و فرضها ، يقع تقليص مستمرّ و متصاعد لحقوق النساء و قد تفاقم العنف ضد المرأة بصفة دراماتيكية أيضا.
" فى فيفري 2011، صدم وزير العدالة التركي البلاد حينما قال ، فى إطار إجابة عن سؤال برلماني ، إنّ "عدد القتلى من النساء تصاعد من 66 فى 2002 ، إلى 953 فى السبعة أشهر الأولى من 2009 " ( نيويورك تايمز، 29 أفريل 2012). و هذا يمثّل تقريبا إرتفاع بنسبة 1400 بالمائة خلال عقد من صعود حزب العدالة و التنمية على سدّة الحكم.
و ليس العنف ضد النساء مقتصرا على القتل ( فى غالبية الأحيان بإسم " الشرف") . فالهرسلة الجنسية و الإغتصاب و الإستغلال الجنسي إرتفعت نسبها أيضا. و يستطرد نفس المقال قائلا :" فى السنة الأخيرة سجلت 207،253 حالة إعتداء بالجرح المتعمّد للنساء عبر البلاد ، مقارنة ب 189،377 فى سنة 2010 ".
و هناك تقارير " تفيد أنّ السلطات و الشرطة يتجاهلان عمدا صراخ النساء المناديات من أجل النجدة و الحماية ضد تجاوزات أزواجهنّ. و بالعكس ، من الشائع جدّا بالنسبة للشرطة ، أن تنصحهنّ بالعودة إلى المنزل ، أو حتى بأن تقدّم النصح للزوج بشأن كيفية كسر إرادة زوجته. فمثلا ، غورسي ، أمّ لطفلين و عمرها 37 سنة ، تركت زوجها العنيف قبل 15 سنة. و مذّاك ، كان زوجها " يحاصرها نو كسر باب منزلها و أطلق على رجلها النار ستّ مرّات بعد أن رفضت ان تعود إليه...و بصورة متكرّرة كانت تلجأ إلى الشرطة ، لكن ، قالت ، كان رجال الشرطة يوبخونها لكي تعود إلى زوجها. و فى إحدى المناسبات ، بعد مجيئ زوجها لأخذها من مركز الشرطة ، قالت إنّها سمعت شرطيّا ينصحه بكسر أرجلها حتى لا تقدر على الهروب " ومتحدّثة إلى مراسل صحفي فى مركز رعاية النساء فى إسطنبول، ختمت كلامها ب " دولتنا هي العدوّ رقم واحد للنساء" .( نيويورك تايمز ، 29 أفريل 2012).
هذا هو الإسلام المعتدل بالنسبة للنساء فى بلد يروّج له الغرب كنموذج لبلدان الشرق الأوسط. وهو مسمّى نموذجا لأنّه يصبغ الشرعية على النظام و يساعد على بناء قاعدة إجتماعية لنظام يمكنه أن يتحكّم ببساطة فى إستغلال الشعب و إضطهاده و يستعمل كلّ من العلاقات المتخلّفة التقليدية و العلاقات الرأسمالية فى خدمة العالم الإمبريالي ،و النظام الإقتصادي العالمي الراهن و النظام السياسي العالمي. إلاّ أن الضغط على النساء قد ولّد بعدُ مقاومة ، و إحتجاجات النساء و نضالتهنّ جزء من تلك المقاومة.
===================================================