ضرورة ارتباط الزواج بسن الرشد أو سن الترشيد



سامر أبوالقاسم
2012 / 6 / 23

بعد مرور ما يقارب الثمان سنوات على مدونة الأسرة المغربية، وبعد وضع المسافة الضرورية من التجاذب السياسي الذي حصل بخصوص مشروع إدماج المرأة المغربية في التنمية بين التيارين المحافظ والحداثي، يمكننا الخوض مرة أخرى في بعض جزئيات وتفاصيل قواعدها القانونية، بما من شأنه المساهمة في تجاوز أعطابها ونتائجها السلبية على الأسرة والمجتمع معا.

وقبل الخوض في التفاصيل، نرى أنه بخصوص سن الزواج، الذي هو موضوع هذا المقال، ينبغي العمل على تقييده بالأهلية المدنية، اللتي ينبغي أن تنص عليها المادة 20 بوضوح لا غموض فيه، وهو ما يعني أن زواج الفتاة أو الفتى لن يتم إلا ببلوغهما سن الثامنة عشرة كاملة غير منقوصة، أو بطلب أبوي القاصر أو نائبه الشرعي من أجل ترشيدهما للزواج في حدود بلوغ سن السابعة عشرة كاملة غير منقوصة.

وهكذا نكون قد عملنا على منع أي زواج دون سن الترشيد. علما بأن هذا الإجراء يقتضي ما يقتضيه من الجهد الجماعي في سبيل تغيير العقليات والتقاليد والعادات، وكذا في سبيل فرض نوع من الصرامة في تطبيق القانون، الذي يعمل على حفظ مصالح الأفراد والجماعات والمجتمع برمته.

ففي سنة 2004، وبعد مخاض طويل وعسير بين التيار المحافظ والتيار الحداثي، صدرت مدونة الأسرة المغربية، التي كان معول عليها للحد أو القضاء على العديد من المشاكل التي كانت تطرحها القواعد القانونية المتضمنة في مدونة الأحوال الشخصية الصادرة سنة 1957.

ومن بين أهم هذه المشاكل، ذات التأثير الكبير والخطير على الكيان الأسري الذي يعتبر اللبنة الأولى والأساس للبناء المجتمعي بصفة عامة، مشكل سن الزواج، بحيث كانت مدونة الأحوال الشخصية تحدد سن الزواج بالنسبة للأنثى في الخامسة عشرة، مع إعطاء القاضي السلطة التقديرية في ما يتعلق بحالات ما دون سن الخامسة عشرة.

وهو ما ساهم في بروز مستفحل لظاهرة تزويج القاصرات، بالاستناد إلى النصوص القانونية الواردة في مدونة الأحوال الشخصية آنذاك، وهو ما حدا بالعديد من إطارات المجتمع المدني وعلى رأسها الحركة النسائية إلى استنكار ذلك الوضع، والمطالبة بتغييره، عبر تعديل بنود مدونة الأحوال الشخصية ذاتها.

غير أن هذا المنحى اصطدم بفرملة قوية من طرف القوى المحافظة، التي أفرغت كل الجهد والطاقة لمعارضة كل ما من شأنه المس بتلك البنود القانونية، ودافعت بشراسة على أن يبقى سن الزواج على ما هو عليه، وبالتالي سارت الأمور في اتجاه الحل السياسي الذي يقضي بمعادلة "لا غالب ولا مغلوب"، عبر الإقرار بمساواة الأنثى للذكر على مستوى سن الزواج القانوني المحدد حسب مدونة الأسرة في الثامنة عشرة، لكن مع الإبقاء على السلطة التقديرية للقاضي التي تسمح له بالنظر في حالات ما دون سن الثامنة عشرة دون أي تقييد بسن معينة.

و"محاولة التوفيق" بين هذين الاتجاهين ـ الحداثي والمحافظ ـ بدل أن تحد من ظاهرة تزويج القاصرات وانعكاساتها السلبية، سمح لها بالمزيد من الاستفحال والاستمرار في تسجيل نسب جد مرتفعة، حسب إحصاءات وزارة العدل ذاتها الخاصة بزواج الأطفال.

واليوم نقف على هول مخاطر هذه الظاهرة، وانعكاساتها على الوضع الأسري داخل مجتمعنا، سواء من حيث استقرار الأفراد وتوازنهم المطلوب كدعامة أساسية لاستقرار الوضع المجتمعي عموما، أو من حيث تنشئة وتربية الأجيال الصاعدة في كنف مثل هذه الأسر التي تفتقد لمقومات الأهلية المدنية لممارسة كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات.

وقد كنا نتمنى أن يتجه مجهود كل من وزارة العدل ووزارة التعليم العالي إلى توجيه اهتمام البحث العلمي صوب المُقرَّرات المُعلَّلة التي يبين فيها القضاة المصلحة والأسباب المبررة لقبول جل تلك الطلبات المقدمة، والدواعي التي دفعت أبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والخبرة الطبية المرتبطة بكل طلب، ونتائج البحث الاجتماعي، وهي كلها مستندات تفرضها مدونة الأسرة لقبول أي طلب لتزويج قاصر.

ونظرا لعدم إفراغ مثل هذا الجهد من طرف قطاعين حكوميين معنيين بهذه الظاهرة، فالمعول هو أن تكون هذه المستويات من ظاهرة تزويج القاصرات والقاصرين موضع اشتغال إطارات المجتمع المدني وعلى رأسها الحركة النسائية.

إن مدونة الأسرة الجديدة التي نصت على رفع سن الزواج إلى 18 سنة، وعلى إعطاء المرأة كما الرجل حق طلب الطلاق بمبررات معقولة تحفظ حقوق كل منهما كما حقوق الأولاد، على أن يتم كل ذلك تحت إشراف القضاء، وعلى إلغاء الولاية في الزواج وجعلها أمرا إختياريا، وعلى منح جنسية المرأة المغربية المتزوجة من غير أجنبي لأبنائها، وعلى إنشاء محاكم متخصصة لتفادي طول إجراءات التقاضي في المحاكم العادية مع ما يترتب عليه من ضياع لحقوق الزوجة والأطفال، هي نفس المدونة التي لا زالت تبيح تزويج الفتاة القاصر، والتي لم تضع حدا لاغتصاب طفولة فتياتنا.

إن فشل مدونة الأسرة في الحد من ظاهرة تزويج القاصرات يفرض على الجميع التفكير من جديد في معالجة هذه الظاهرة السلبية وانعكاساتها السلبية على الأسرة والمجتمع، وذلك بالاستناد إلى المقصد العام المتمثل في ضمان وإعمال حقوق الطفل وحقوق المرأة، إذ لا يتعلق الأمر بالقدرة أم عدم القدرة على بناء الأسرة، لأننا لا ننطلق من منطق التبرير وتقديم الأعذار، بل الأمر يتعلق باغتصاب المجتمع للطفولة.

وعلى السياسات العامة في كل المجالات أن توفر الحماية اللازمة للطفولة حتى لا يسقط الآباء والأمهات في فخ التخلص من بناتهن عن طريق الزواج، وأن تساهم في الرفع من درجة الوعي بوضع غير إنساني ومناف لحقوق الإنسان، لأنه قبل إصلاح القانون كانت القوى الديمقراطية تناضل من أجل رفع سن الزواج إلى 18 سنة للجنسين معا، وبعد إصلاح القانون أصبح من الضروري الوقوف على مدى الالتزام بتطبيق هذا الفصل، وبالتالي التفكير في الحد من النسب المرتفعة لتزويج القاصرات.

إن التفكير الجدي والمسؤول في حل هذه المعضلة لهو أشد ارتباطا بمطلب الحد من العنف المبني على النوع الاجتماعي، وأكثر التصاقا بالاتجاه نحو مجتمع حريص على نشر وتمثل ثقافة المساواة وتعزيز شخصية النساء ضحايا العنف بشكل عام، وتحديدا ضحايا التزويج المبكر، وأكبر صلة بالرغبة الجماعية في تفادي المضاعفات السلبية لهذه الظاهرة.

لذلك، فإن الاستثناءات التي تتحدث عنها المادة 20 من مدونة الأسرة، التي تجيز لقاضي الأسرة أن يقبل بزواج الفتاة أو الفتى دون سن 18، كان بالإمكان تقييدها على الأقل بسن الترشيد الذي هو 17 سنة كاملة، وهكذا يصبح الأمر مرتبطا على الأقل بزواج الفتاة والفتى إما ببلوغهما سن الرشد، أو بقبول القاضي لطلب أبوي القاصر أو نائبه الشرعي المدعوم ببيان المصلحة والأسباب المبررة والدوافع التي دفعتهم إلى طلب ترشيد القاصر الذي بلغ سن 17 كاملة غير منقوصة.