محرومة من العودة



مها الجويني
2012 / 6 / 25

محرومة من العودة
عبارة حق العودة لطالما اقترنت بالمشردين ، بمن تعرضوا للنفي و هجروا من أوطانهم ، ولكن هذا الحق لا يشمل اللاجئين فقط بل في مجتمعاتنا من يعيش الغربة و النفي و النبذ و الحرمان من الحقوق دون أن يطردوا من أوطانهم . أتحدث عن من إخترن الظلام للعيش فيه تحت مسمى "بنات الليل". كائنات تحاك عليهم عديد الروايات، و في تونس يعشن وضعية خاصة وفق قانون الدعارة المقننة الصادر من 1942 ويحتوي على 54 مادة تقنن سن و مكان و آليات عمل هؤلاء النسوة.
الدعارة المقننة لا تقل سوءا عن الدعارة الغير شرعية فكلاهما إستعباد و رق معاصر تشترى فيه المرأة و تباع و تنتهك . في تونس حيث تتباهى كل الحكومات التي مرت علينا بحقوق المرأة و مكتسبتها يغيب فيها قانون رسمي لمكافحة الاتجار بالبشر . بالعكس تونس شهيرة بالسياحة الجنسية حيث يأتي السواح من الخليج العربي او ليبيا للاستمتاع بعاهرات مراكز الدعارة المقننة أو الأخريات.
من البديهي و الطبيعي أن ترغب إحداهن بالعودة للحياة الطبيعية ، لتعيش دون عنف وإسترقاق . تتم إجراءات إستقالتها من احدى المراكز بمحضر "توبة" تمضيه بنت الليل ثم تذهب إلى حال سبيلها. السؤال الذي يطرح كيف ستعود ؟ و من سيضمن لها العيش العادي ؟ و أين هي مراكز إدماج هؤلاء النسوة ؟ و هل تستطيع فعلا أن تعيش بعيدا عن الدعارة ؟ و من سيحميها من هذه ألآفة ؟ ومن سيداوي جراح العنف الذي تعرضت له ؟ و من سيصغي إليها؟ و أي بند قانوني يساعد بنت ليل لتعود إنسانة ؟
قرأنا في كتب التاريخ أن تونس أول بلد عربي ألغى الاستعباد في 1846 و سمعنا أيضا أن المرأة تساوي الرجل في جميع المجالات لكن الواقع أخبرنا أشياء أخرى، واقع يتسم بأقتصاد رأسمالي متوحش جعل من تلك الانسانة آلة للجنس ، نظام سياسي غاب فيه العدل و طغت عليه المحسوبية جعل من القوانين تغظ النظر عن فحش رجالات الاعمال و ممارساتهم ، و فساد جعل من الامن يحمي الصياد و يدمي الفريسة . صدر في جريدة" لوموند الفرنسية" مقال تحت عنوان" الصيف التيلاندي في تونس اذ تحدث المقال عن السواح الليبيين و الجزائريين الذين إتخذوا من تونس وجهة لممارسة رغباتهم الجنسية دون رادع و على مرأى الأمن التونسي الذي لا يزال تحت خدمة من يدفع أكثر .
في وطن المرأة ، حق التحرر من العبودية بات من الأمر المستحيل ، في ظل غياب سياسة وطنية تجعل من حقوق الانسان و كرامته شغلها الشاغل و لكن هيهات ثم هيهات فبتعلة الحرية يرحب بالعهر و بالاستغلال و بتعلة ضيق الحال و غياب الموارد ، نرى نقص في عدد المراكز إجتماعية لإصغاء و غياب تدابير حكومية للحماية من الدعارة ونلاحظ أيضا إنعدام التمويل للملاجئ الاجتماعية . و رغم أن هذه المسألة ذكرت في توصيات اللجنة المعنية للقضاء على التمييز ضد المرأة إبان عرض تونس لوضع حقوق المرأة فيها و التزمت حكومتنا باتخاذ التدابير اللازمة لحماية النساء من الاتجار بهن و بالعمل على تعزيز المساواة . و كما جرت العادة، التعهد بتنفيذ مشاريع نفعية تجاه المرأة لا تخرج عن أطر المناسبات و الملتقيات الدولية فقضية نساء بلدي جزء من البروباغندات الحكومية و ليس لها أي صلة بالواقع حيث تعامل فيه فئة من النساء كالعبيد .