هي و الربيع



مها الجويني
2012 / 6 / 27

كنت أراها في كل اعتصام، تصرخ في وجه الطغاة، تنادي للحرية و تحمل رايات الوطن على أكتافها و تغني "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ". و تردد عبار ة "ديغاج " تلك العبارة التي علمت العالم ان إرادة الشعوب لا تقهر و أعادت الينا حلم المجد العربي . لازلت أسمع صدى صوتها و ترن في أذني زغاريدها كلما مررت أمام ساحة القصبة تونس أو استحضرت مشهد ميدان التحرير. هي من تبتسم وهي تنصب الخيام و تدمع عينها أمام تشييع جثمان الشهيد... هي أميرة الساحات و هي من انتظر الربيع .
و ما إن أتى شهر الزهور حتى جرحت بأشواك الورود التي زرعتها ، فالساحات أصبحت أماكن للنشر الدعوات الاسلامية و بدل الزغاريد سمعت أناشيد دينية جهادية و مكان الخيام رأت باعة للعطور الافغانية و موديلات سوداء لباس قيل انه لباس شرعي للمرأة المسلمة...فتشت عن راية بلادها فوجدت علم أسود كتب فيه :"لا إله إلا الله محمد رسول الله" علم أسماه اصحابه بعلم الخلافة لدولة الاسلام . استغربت ما يحدث حولها و انتبتها الحيرة لأنها أيضا مسلمة و من بلد معظم شعبه يعتنق الاسلام و لم يتخذوا من ذلك العلم راية لهم. هي لا تعرف أنصار الخلافة لكنهم يعرفونها جيدا و أٌقاموا عديد الفتاوي حول نصفها السفلي و اعتبروا انفسهم مصلحين لأمرها .
مسكنية "هي" تم السطو على ربيعها و أصبح ربيعا للحركات السلفية و للدعاوي الرجعية التي تختزل دور المرأة في آلة للإنجاب و لتلبية شهوات زوجها ، و للعمل على إرضائه و هي من أهل جنهم . في مصر : اتخذوا من الختان البنات وسيلة لضبط مزاجها الجنسي لأنها وفق نظرتهم كائن لا يستطيع التحكم في نفسه . في ليبيا ، أعادوا صياغة قانون تعدد الزوجات لأنها ناقصة عقل و دين و كائن نصف بشري عليها أن تقاسم زوجها مع أخريات حتى لا يشعر الزوج بأي خلل في الواجبات أيام الحمل أو المحيض . و في تونس ، قامت بالمشاركة و غابت عند تقسيم مراكز القرار ففي حكومة التونسية لم تتحصل سوى 3 نساء على مناصب قيادية و نمطية و لا تزال حقوقها مهددة في ظل المطالبة باعتماد الفقه الاسلامي كمصر للتشريع .
باختصار "هي" في كل الدولة و في كل الحالات تعتبر الخاسر الأكبر ، "هي" ذات الادوار المتعددة : أم الشهيد ، الأرملة ، ابنة المعتقل ، المغتصبة ، المعنفة ، السجينة ، ذات المكاسب المهددة ... في ظل استمرار منظومة الفساد و غياب التدابير الحمائية تبقي هي" تتكبد النكسات و تعاني التمييز و الإقصاء .
هنيئا لها بهذا الربيع الذي كانت فيه مجرد وقود و حطب لتشعل نار الثورات و ثم قاموا بصب الماء فوق الجمار لتنطفئ و رموا الحطب . هنيئا لها بهذا الربيع الذي جعل منها مجرد بيدق و برهان للتقدمية و للظهور بثوب التقدمية و الحداثة . هنيئا لك بربيع يقصي المراة عن مراكز القرار. مسكينة "هي" سرقوا ربيعها وجعلوا منه خريف الثورات .