الادب النسوي بين واقع وجوده و وهم عدم وجوده



نزار جاف
2005 / 2 / 10

تتضارب الاراء حول مسألة الادب النسوي و ماهيته و ضرورته على أکثر من صعيد ، ومما يمنح الامر مغزى و بعدا غريبا هو أن هناک العديد من الاقلام النسائية التي ترفض مسألة التصنيف على أساس من الجنس و ترى في الامر شيئا من المبالغة و اللاواقعية . وقد يکون الرأي الاهم و الاکثر قربا من الواقع فيما يخص رفض وجود أدب نسوي ، هو أن الادب في محصلته النهائية القاسم المشترک الاعظم بين الجنسين و أن التراث الثقافي شأن يعني کلا الجنسين وليس جنسا دون آخر . ويذهب دعاة هذا الرأي الى أبعد من ذلک حين يقولون أن مجرد الزعم بوجود أدب نسوي يعني في نهاية المطاف دفع المرأة للشعور بالاستصغار أمام نصفها الاخر . ورغم أهمية هذا الرأي الاخير و حيويته ، لکنه مع ذلک يفتقر الى الاسس المنطقية التي يرتکز عليها في بناء إدعاءاته . صحيح أن هناک الکثير من الکتاب الذين کتبوا حول المرأة و دافعوا عن قضيتها بکل صدق وجدية وحتى أن البعض منهم " ولاسيما في الشرق" قد عانى ماعانى في سبيل ذلک ، لکن ذلک لايمنح هؤلاء حقا بأن يحملوا الشماعة النسوية و يعتبرون أنفسهم أوصياء عليها . إن النظرة الواقعية لقضية الادب النسوي تنطلق بالاساس من إعتبارات علمية تکاد تکون بحتة ، فالإلحاق القسري للأدب النسوي بالادب العمومي الذي هو في واقع الحال نتاج ثقافة مبدأ سيادة الرجل عبر مراحل التأريخ المختلفة ، هو ظلم آخر يرتکب بحق النساء مرة أخرى في التأريخ ! وعودة الى التراث الثقافي للإنسان عبر التأريخ تبين بوضوح أن معظم النتاج الثقافي " بإختلاف مشاربه" قد سطر من قبل الرجال وإذا أضفنا العوامل الفکرية و الاجتماعية و الاقتصادية للمسألة لظهر واضحا أن ماهية و روح تلک الثقافة هي رجالية من دون أدنى شک . وإنطلاقا من هذه الحقيقة فأن جعل النساء شريکات في ثقافة لم يقمن " بل ولم يسمح لهن " في الاساس بصياغة أسسها و مقوماتها هو مجرد هراء لاغير ! إن ثقافة أنتجتها أجيال کانت تقوم بوأد النساء و الحجر عليهن و إلباسهن حزام العفة ! و إعتبارهن مجرد " أوعية " للرجال ناهيک عن معاملتهن بأنهن " ناقصات العقل " ووو قائمة تطول من ظلم و إجحاف يندى له جبين التأريخ الانساني ، هي ثقافة لاترتبط روحيا و وجدانيا بالمرأة إطلاقا بل هي براء منها براءة الذئب من دم يوسف ! والثقافة الانسانية التي أنتجت عبر العصور القديمة و الوسطى هي بحد ذاتها تلک الثقافة التي نعنيها و نرى أن لاعلاقة لها بالمرأة من کل الجوانب . وواضح وجلي أن الثقافة الانسانية و حتى عصر النهضة الاوربية کانت ترى في المرأة مجرد ظل و تابع لاحول لها ولاقوة سوى الدخول و التفيأ تحت ظلال خيمة و عباءة الرجل ! ولامناص هنا من الاقرار بأن عصر النهضة و ماتلته من مراحل تأريخية لاحقة قد شهدت تغييرا نوعيا في النظرة و التعامل مع المرأة و رغم " وببالغ الاسف" أن ذلک لم يشمل عموم نساء العالم خصوصا القابعات في الشرق الرومانسي الذي تتجلى رومانسيته في الاساس بتحجيب و سجن المرأة في قصور لايصلها أنسي و لاجان ! لکن وصول رياح التغيير و الحضارة الى أهم معاقل ظلم المرأة و هضم حقوقها ، کان إيذانا ببدء عصر جديد في هذا الجانب المغلق على نفسه من الکوکب الارضي وهانحن نرى أقلاما نسائية جريئة و جسورة تطالب بحقوقها و تفضح الغبن الکبير الذي ألحق بها عبر التأريخ من نصفها الاخر من خلال تراجيديا التفاحة الملعونة ! ومهما يکن فأن الادب النسائي يأتي ضرورته من حيث أنه يعبر عن کائن بشري له مقوماته الفسلجية و السايکيولوجية مما يمنحه بعدا روحيا و وجدانيا خاصا به .

کاتب وصحفي کوردي
مقيم في المانيا
[email protected]