العاملات والثورة



فاطمة رمضان
2012 / 7 / 8

ورقة مقدمة لـ
 المؤتمر الإقليمي
النساء و التحول الديموقراطي في الدول العربية
31 مارس- 1 أبريل 2011 – القاهرة
 
مقدمة:
تحية للثورة المصرية، وكذلك لأبنائها اللذين أنجزوا الخطوة الأولى منها وهي إسقاط رأس النظام الديكتاتور حسني مبارك - شباباً كانوا أو أطفالاً أو شيوخاً، رجالاً كانوا أو نساءً، سواء كانوا عمالاً أو فلاحين أو طلبة أو عاطلين عن العمل، سواء كانوا من ساكني القبور أو من يبيتون في شوارعها تحت الشمس الحارقة في الصيف، وفي صقيع البرد في الشتاء- اللذين سوف يكملون ثورتها بسقوط النظام الذي شرد العمال بطردهم من مصانعهم، أو طرد الفلاحين من أراضيهم التي رويت علي مدار السنين بعرقهم وعرق آبائهم وأجدادهم.
وفي هذا الطريق لابد من سقوط رؤوس النظام اللذين فسدوا وأفسدوا، فأهدروا ثروات هذا البلد من مصانع بنيت على أكتاف العمال علي مدار عشرات السنين، وفرطوا في ثرواتها الطبيعية سواء من بترول وغاز وغيرها من الثروات بأثمان بخسة في مقابل عمولات يملأون بها خزائنهم، ولابد من محاكمتهم، وهم اللذين زوروا إرادة الشعب لعشرات السنين، وقتلوا وأصابوا الآلاف من شباب مصر سواء أثناء الثورة أو قبلها.
من أجل هذا... لابد من استكمال الثورة والقضاء على زبانية النظام البائد ومحاكمتهم، حيث اعتقلوا وعذبوا المصريين.
لابد من استكمال الثورة حتى سقوط كل القوانين سيئة السمعة التي استخدمها الديكتاتور ونظامه في قمع كل الحركات التي خرجت تطالب بحقوقها المنهوبة، وكذلك الحركات التي خرجت تطالب بالتغيير، وعلي رأس هذه القوانين سيئة السمعة قانون الطوارئ، وكذلك القوانين التي ابتكرها من يريدون الإبقاء علي النظام كما هو دون تغيير مثل قانون تجريم الاعتصام والإضراب.
لابد من استكمال الثورة حتى ينال العمال مطالبهم وعلي رأسها حقهم في منظماتهم النقابية والحزبية التي تعبر عنهم، وتدافع عن مصالحهم، وحقهم في عمل آمن بأجر يكفيهم وأسرهم للحياة الكريمة، وحمايتهم ضد تعسف أصحاب الأعمال، من خلال قانون عمل جديد يحمي حقوقهم أمام أصحاب أعمال كل ما يهمهم الأرباح حتى ولو كانت علي حساب صحة بل وحياة العمال أنفسهم، وحق الفلاحين في الأرض التي يزرعونها، وفي حمايتهم من استغلال التجار والشركات العالمية لهم سواء في شراء مستلزمات الإنتاج من البذور والتقاوي والأسمدة، أو استغلالهم في أخذ محاصيلهم بأبخس الأسعار، وحقهم في ائتمان زراعي حقيقي.
لابد أن تستمر الثورة حتى لا نجد من المصريين من يبيت هو وأبناءه في القبور، أو يتخذ من الشارع مسكناً له.
لابد أن تستمر الثورة حتى لا نجد في شوارعنا أطفال "أطلقنا عليهم أطفال الشوارع" مستباح كل ما يخصهم، حتى لحمهم وأعضاءهم تباع وتشترى، وأن نجدهم في مدارسهم يتعلمون ليخرج لمصر جيل منهم محب لبلده مستعد للدفاع عنها بروحه.
لابد أن تستمر الثورة حتى يكون هناك عدالة في توزيع ثروة هذا البلد علي كل أبناءه، لأن الديمقراطية التي نحتاجها هي الديمقراطية الاجتماعية، وليس فقط الديمقراطية البرجوازية.
 
أي ديمقراطية يريد العمال والعاملات، أي تغيير يريدون:
لابد أولاً أن نوضح عن أي تغيير نتحدث، هل نتحدث عن مجرد تغيير في شكل الحكم وفي كيفية الانتخاب، ونترك جوهر النظام الرأسمالي المستغل يمتص دماء كادحي وفقراء المصريين من العمال والفلاحين والعاطلين عن العمل والمطرودين من السكن والعطشى وغيرهم، هل يمكن أن نتحدث عن انتخاب الرئيس وانتخاب المجالس التشريعية  بدون أن نتحدث عن ضرورة تغيير النظام المستغل هذا، حتى لا يتم شراء أصوات فقراء الشعب المصري، تري هل يستطيع جائع أو عاطل أو محتاج أن يكون حراً في اختياره؟؟ ألن يكون الذي يعطيه الصدقة، أو الزكاة أو من يعطيه شنطة (السلع الغذائية) في المناسبات أو حتى في الانتخابات هو صاحب الرأي فيمن يستحق صوته، هل يستطيع أن يرفض جائع بيع صوته؟ هل يستطيع من لا يمتلك ثمن رغيف الخبز في جيبه، ولا يستطيع تلبية مطالب أولاده الأساسية (من طعام، ولبس، وتعليم وعلاج...) أن يكون له رأي في سياسة بلده؟ وفي من يحكم فيها؟ لذا فلو تركنا جوهر النظام المستغل كما هو بدون تغيير فمعنى هذا أننا سوف نأخذ ديمقراطية شكلية، بلا مضمون.
لذا فالديمقراطية التي نريدها، ويريدها عمال وعاملات مصر هي الديمقراطية الاجتماعية، التي تمكنهم بجوار حقهم في بناء منظماتهم، وبجوار حقهم في اختيار كيفية حكم بلدهم، ومن الذي يحكم، ديمقراطية تجعلهم يعملون في بيئة عمل نظيفة وآمنة، بأجر يكفيهم وأسرهم حياة كريمة بما يحتويه ذلك، وكما سيتضح فيما يلي من مطالب العمال ونضالهم لتحقيق هذه  المطالب طوال السنوات العشرة الماضية.
 
هل بدأت الثورة يوم 25 يناير 2011:
لا يمكن الحديث عن الثورة منذ بداية يوم 25 يناير سنة 2011، لأن الثورة ليست بنت هذا اليوم، ولكن كان هناك تمهيد لها منذ سنوات طويلة، فالسخط والغضب في داخل الشعب المصري موجود منذ عشرات السنين فتارة يهب الشعب المصري ضد غلاء الأسعار وضعف المرتبات، وتارة بسبب البطالة، ويخرج المتعطلين عن العمل ليطالبون به، وتارة أخري يغضب بسبب الاعتداء على شعب من الشعوب العربية الشقيقة، وقد ازدادت وتيرة السخط والغضب خلال العشرة سنين الأخيرة بشكل كبير، فمع بداية الألفية الجديدة هب الشعب المصري مع الكثير من شعوب العالم للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد الاعتداء الغاشم عليه من العدو الصهيوني عام 2001، وقد كانت حركة التضامن هذه حركة شعبية، في شوارع وحواري ومدارس وقرى مصر، فوجدنا المظاهرات في معظم محافظات مصر تخرج لتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وتطالب بقطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، حتى أن طلاب المدارس الابتدائية كانوا يخرجون من مدارسهم بمسيرات في طريقهم لبيوتهم يرفعون في هذه المسيرات نفس الشعارات التي يسمعونها ويرونها في التلفزيون.
 وفي عام 2003 تأتي موجة احتجاجية أخرى في الشارع المصري والتي كانت أقوى من الموجة السابقة لها وهي الحركة الاحتجاجية الواسعة ضد ضرب العراق، والتي خرج فيها الشعب المصري بدون سابق إنذار يومي 20 و 21 مارس إلي الشوارع وخصوصاً في القاهرة، وبرغم محاولات الأمن المتكررة لتفريق المتظاهرين، إلا أن المتظاهرين في بسالة كانوا يعاودون التجمع مرة أخري إلى أن وصلوا لميدان عبد المنعم رياض وهناك هتفت الجماهير ضد رأس النظام، وقامت بتحطيم صورته المعلقة أمام المقر الرئيسي للحزب الوطني، وهذا المشهد ذكر النظام بانتفاضة يناير 1977، لذلك قمعوا بعنف المتظاهرين وقبضوا على المئات، وسحلوا المئات في الشوارع بما فيهم أعضاء مجلس شعب وشخصيات عامة، وفرضوا حظر التجول.
ثم تأتي موجة أخرى لم تكن هذه المرة للتضامن مع شعوب عربية ولكن كانت ضد الديكتاتورية في الحكم في مصر وعلى رأسها رئيس الجمهورية، فقد كانت الحركة في هذه المرة ضد التمديد في حكم مبارك، كذلك ضد التوريث لابنه، وقد كانت مظاهرات حركة كفاية وغيرها من الحركات التي خرجت تطالب بتغيير رأس النظام الحاكم وهتفت ضد الحاكم وفساده وفساد حاشيته، وعلى الرغم من إن هذه الحركة لم تستطع تحقيق ما رفعته من شعارات كفاية تمديد وضد التوريث، إلا أن هذه الحركة جعلت النظام يضطر إلى تقديم بعض المطالب الديمقراطية (وإن كان في الشكل فقط) منها تغيير في الدستور يجعل من الممكن الانتخاب على رئاسة الجمهورية بدلاً من الاستفتاء فقط، ولكن الأهم هو أنها فتحت في حائط الديكتاتورية السميك فتحة صغيرة استطاعت الكثير من الحركات بعدها النفاذ منها وتوسيعها، وكان أول هذه الاحتجاجات احتجاج جناح من هذه السلطة، وهم القضاة احتجاجاً على التزوير في الانتخابات، ومطالبين باستقلال القضاء، واحتجاجات الفلاحين في القرى ضد طردهم من الأرض الزراعية، واحتجاجات المطرودين من السكن، واحتجاجات العطشى اللذين لم يجدوا الماء يشربونه، أو يسقون به زرعهم.
 
ثم يدخل العمال في موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات مع نهاية 2006 بعد الإضرابات الهامة لعمال غزل المحلة، واعتصام موظفو الضرائب العقارية، وقد كانت هذه الاحتجاجات الهامة بداية لصعود حركة عمالية واسعة في كل مصانع وشركات ووزارات مصر، وطالب عمال وموظفي مصر بحقوقهم في أجر يتناسب مع الزيادة المستمرة في الأسعار (ربط الأجر بالأسعار)، وفي 8 ساعات عمل وفي حقهم في الأجازات، وفي حقهم بيئة عمل نظيفة وصحية، وضد الفصل وغيره من المطالب، كما طالبوا بعلاقة عمل آمنة عن طريق تعيين كل العمالة المؤقتة، وعودة المفصولين تعسفيًا لأعمالهم، وطالبوا بأن يتمكنوا من إدارة الشركات التي تمت خصخصتها ذاتياً، أو عودتها إلى القطاع العام، وقد وصل عدد اضرابات العمال واعتصاماتهم في السنوات الماضية (3 سنين ونصف) فقط لأكثر من 2700 احتجاج شارك فيها ما يقرب من المليون عامل.
 كما احتج العمال والموظفين ضد تنظيماتهم النقابية الصفراء، التي وقفت مع النظام الحاكم بدلاً من الوقوف مع العمال، فقد جمع عمال غزل المحلة أكثر من عشرة ألاف توقيع يطلبون سحب الثقة من اللجنة النقابية بالشركة، وهو ما ماطل الاتحاد العام في تحقيقه، ثم  خطا موظفي الضرائب العقارية خطوة هامة في هذا الطريق عندما أعلنوا تشكيل نقابتهم المستقلة، رغم كل ما واجهها من مشكلات ومعضلات فيما بعد سواء في كيفية البناء والعمل، أو ما وجهت به من قبل الدولة واتحاد العمال، ثم تلاها بناء 3 نقابات أخري (النقابة العامة لأصحاب المعاشات، ونقابة المعلمين المستقلة، ونقابة الفنيين الصحيين)، وبعد ثورة 25 يناير بدأ عهد جديد في وسط حركة تنظيم العمال، حيث أن هناك موجة من النقابات المستقلة عن اتحاد العمال الأصفر بدأت، وهي التي إذا ما بنيت على أسس صحيحة من الديمقراطية والقاعدية، ومن حيث إمكانية محاسبتها من القواعد، وكون أهم أدوارها الدفاع عن العمال وحقوقهم، لبدء عهد جديد في حياة الطبقة العاملة المصرية، بل في الحياة السياسية في مصر بشكل عام.
 
المرأة العاملة والثورة:
لنرى دور المرأة العاملة في الثورة، لابد أن ننظر لدور كل من المرأة في التغيير الديموقراطي والاجتماعي، وكذلك دور العمال، حتى نستطيع أن نرى بوضوح دور المرأة العاملة.
لقد كانت المرأة المصرية جزء أصيل من الثورة في مصر، فمنذ البداية تتقدم المرأة المصرية صفوف المظاهرات والمسيرات والاعتصامات، سواء أثناء حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني، أو ضد ضرب العراق، أو في معركة القضاة، أو في الحركة المطالبة بالتغيير، وقد نالت المرأة نصيبها من الاعتقال والضرب حتى أن أحد أهم الطرق التي حاولت سلطة مبارك استخدامها لإخماد  الحركة المطالبة بعدم التمديد له هو محاولة كسر إرادة هؤلاء النساء المشاركات في الحركة بجسارة وصلابة، فقد كان التفكير الشيطاني بأن يتم التحرش بالنساء المشاركات في المظاهرات يوم الاستفتاء على تغيير الدستور (2005)، لدرجة استخدام بلطجية النظام في تمزيق ملابس البعض منهن، ورغم هذا استمرت المرأة في قيادة الحركة.
كذلك وجدنا المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في أثناء أيام الثورة الثمانية عشرة، وشاركت المرأة الرجل في كل الأدوار، فقد كانت المرأة في قيادة المسيرات التي خرجت في يوم 25 يناير من المناطق الشعبية متوجهة إلي التحرير، ومنها المسيرة التي بدأت من ناهية (بولاق الدكرور) وسارت في جامعة الدول ثم البطل احمد عبد العزيز وصولاً للتحرير، وقد تعرضت المرأة للغازات المسيلة للدموع، وللضرب من الأمن ومن البلطجية التابعين له، وتعرضت للرصاص المطاطي والرصاص الحي، وبقيت المرأة في هذا اليوم حتى الساعة الثانية عشرة والنصف مساءً حين قامت قوات الأمن بفض الاعتصام بالقوة الغاشمة، وتكرر نفس الشيء في يوم 28 يناير، وكانت المرأة كانت موجودة في الشارع في أيام 26، 27، في المظاهرات والمسيرات التي كانت تنفجر بدون سابق إنذار في العديد من الأماكن سواء التحرير أو الإسعاف أو رمسيس.
ثم مع بداية الاعتصام الدائم في ميدان التحرير شاركت المرأة ( من كل الأعمار ومن كل الطبقات ) أيضاً في كل الأدوار في الاعتصام، فقد اعتصمت المرأة في الميدان بجانب الرجل، وكانت جزء أصيل من المعارك التي وقعت في الميدان، و شاركت في كل شيء، بداية من الاعتصام والمبيت في الميدان، إلى تأمين الميدان من خلال المشاركة في عملية التأمين والتفتيش في الصفوف الأمامية، ورفعت اللافتات، هتفت بالشعارات مثلها في ذلك مثل الرجل، وداوت الجرحى، ووزعت الأغذية والمياه والبطاطين على الثوار المعتصمين في ميدان التحرير، وساهمت في تنظيف الميدان، ونالت المرأة نصيبها من الشهادة، فرحمة و سالي، ليستا الشهيدتين الوحيدتين بل غيرهن بالتأكيد الكثير من الشهيدات والجريحات التي لا نعرفهن؛ مثلهن في ذلك مثل الشهداء من الرجال.
 
ويستحضرني هنا مثالين واضحين على ما أقول، أحدهما أنه قد أتى عند إذاعة ائتلاف شباب الثورة، أحد الرجال السلفيين وطلب أن يقول كلمة من على المنصة وفي الميكروفون، وطلع على المنصة ليقول أنه أتى لكي ينتقد نفسه في تفكيره السابق في النساء السافرات (غير المحجبات)، وانه غير رأيه فيهن أيام الثورة عندما وقفت معه هؤلاء البنات السافرات يتناقش معه في السياسة، ويجادلنه الحجة بالحجة، وأنه لم يعد يرها كما كان يراها سابقاً.
المثال الثاني وهو أم لأحد الشباب المصابين الساكنين في إحدى ضواحي حلوان، والمصاب بكسور في أماكن كثيرة من جسمه منها الرقبة، جعلته هذه الإصابات قعيد الفراش، وقد باعت أمه الثلاجة لكي تستطيع أن تدفع جزء من ثمن علاجه، عندما سألناها إيه اللي حصل وكيف أصيب ابنها أجابت: "أنا سمعت أن الناس واقفة في التحرير علشان تطالب بحقوق الناس الغلابة اللي زي حالتنا، فأخذت أولادي ومنهم طفل وطفلة صغيرين وذهبت لكي أقف معهم، مش هما واقفين علشانا، وبت يوم بولادي في التحرير، ولما البلطجية والضرب أشتغل خفت على ولادي فقلت آخدهم وأروح، وإحنا خارجين أتضربنا وأبني أتصاب الإصابات دي".
 
المرأة العاملة:
لقد شاركت العاملات بقوة في الاعتصامات والإضرابات العمالية، وشاركن في قيادة هذه الإضرابات والاعتصامات، فنجد النساء في صدارة الصور طوال الأربع سنوات الماضية، فقد ساهمت العاملات والموظفات في كل مراحل الإضرابات والاعتصامات بداية من تحريض زملائهم وزميلاتهن على المشاركة، أو المشاركة في جلسات التحضير والتنظيم للإضراب، وكذلك وجدنا النساء وهن يهتفن أثناء هذه الإضرابات والاعتصامات، وغيرها من المشاركات التي بقيت لأوقات طويلة وكأنها حكر للرجال، وقد كان لاشتراك النساء في الاحتجاجات أثر كبير في نجاح هذه الاحتجاجات في تحقيق مطالبها.
فقد كانت عدد من موظفات الضرائب العقارية يبتن في الاعتصام في الشارع مثلهن في ذلك مثل زملائهن الموظفين، سواء كانت هؤلاء الموظفات من مدينة القاهرة أم أتين من المحافظات المختلفة مثل الفيوم أو الدقهلية وغيرها، وقد كان وجود الموظفات في الشارع يجعل من يفكر من الرجال في العودة للمبيت في منزله وترك الاعتصام يتردد في ذلك، فهو يفكر في أن زميلته تبيت في الشارع هل يعود هو لبيته ويتركها هي في الشارع؟؟!!، كذلك كان لعاملات غزل المحلة دور القيادة في الاعتصام الثاني حيث أنهم خرجوا أولا وهتفوا "الرجالة فين الستات أهم"، وقد كانت سواء العاملات أو الموظفات جزء من القيادة التي تقود هذه الاعتصامات والإضرابات، فوداد وأمل وكريمة وفاطمة النبوية، وعائشة، وميرفت، وسامية وسحر،  كلها أسماء لقائدات سواء في وسط العمال أو الموظفين.
 
بل أنه في شركة الحناوي للمعسل كانت القيادة بلا منازع للنساء، فبقيادة النقابية عائشة أبو صمادة العاملة بنت الريف (والتي ترشحت لانتخابات مجلس الشعب في الدورة السابقة) خرجت عاملات الشركة ليطالبن بحقوقهن، ولم يكتفوا بالإضراب أو الاعتصام في مصنعهم بمدينة دمنهور، بل أنهم أتوا للقاهرة ليعتصموا أمام وزيرة القوى العاملة والهجرة، الوزيرة التي اتهمت هي ومساعدتها ناهد العشري عائشة بالتحريض على الاعتصام والإضراب، وقد قامت الوزارة مع النقابة العامة بعمل اتفاقية عمل جماعية تنتقص من حقوق العمال التي ينص عليها القانون، وعندما رفضت عائشة ومعها العاملات هذه الاتفاقية قامت النقابة العامة بتجميد عضويتها في النقابة لكي تسهل على صاحب المصنع فصلها من العمل.
ففي شهر سبتمبر من عام 2007 قامت إدارة شركة الحناوي للمعسل بفصل النقابية عائشة عبد العزيز أبو صمادة، كما قامت الإدارة بتوقيع الجزاءات التعسفية على العاملين، فقد وصل عدد من وقعت جزاءات تعسفية ضدهم أكثر من 50 عاملة وعامل، وذلك لتمسكهم بحقهم في العلاوات التي أقرتها لهم المحكمة.
وفي شهر سبتمبر 2008 تم فصل 33 عاملة بالمصنع دفعة واحدة، لا لشيء سوى لأنهم ذهبوا للشهادة مع زميلتهم صفاء قنديل بمكتب العمل.
وقد عادت الـ 33 عاملة إلى العمل مرة أخرى بعد تسوية أوضاعهن عبر مفاوضات بين عائشة أبو صمادة (رغم أنها كانت مفصولة في ذلك الوقت) و صاحب الشركة في شهر يناير 2009.
ومؤخراً عادت عائشة للعمل بالشركة، بعد أن ذهب صاحب العمل للمحكمة وسحب قرار الفصل.
ومثال عائشة أبو صمادة وزميلاتها لم يكن مثالاً فريداً، بل أنه تكرر في الكثير من مواقع العمل، فميرفت كانت في قيادة اعتصام عمال تحسين الأراضي اللذين دام اعتصامهم أمام مجلس الشعب رغم قلة عددهم لما يقرب من الشهرين المتتاليين، وكذلك سامية وسحر ومعهم 33 رائدة ريفية في محافظة أسيوط رفضوا التوقيع على العقد الذي ينتقص من حقوقهم، وقادوا حركة احتجاجية ضد الظلم الذي يتعرضون له بعد العمل لعشرات السنين، كانت نتيجتها فصلهم جميعاً (33 رائدة من أسيوط)، ورغم هذا بقوا يناضلون مع زملائهم العمال المفصولين من شركات أخرى ضمن حملة "مش هنخاف، لا لفصل وتشريد العمال"، حتى عادوا لعملهم مؤخراً منذ أيام قليلة، ومصممون على استكمال رحلتهم في النضال من أجل التثبيت.
 
وكما كانت العاملات في قيادة الاعتصامات والإضرابات، فقد أخذت نصيبها من التعسف من سواء من قبل أصحاب الأعمال أو من قبل الحكومة، في محاولة منهم لكسر الحركة العمالية الصاعدة، فقد رصد أحد التقارير الإجراءات التعسفية التي صدرت بحق القادة العماليين في 43 موقع عمل تنوعت بين القطاعات الثلاثة المختلفة (حكومي وأعمال وخاص) خلال ثلاثة أعوام فقط، حيث رصد التقرير 996 إجراءً تعسفيًا، منها 72 إجراء كان في مواجهة النساء العاملات، و 20 إجراء في مواجهة أعضاء مجالس إدارات اللجان النقابية رجالا ونساء.
وقد سجل الفصل من العمل والإجبار على الاستقالة 300 حالة، وفي حين سجل النقل من العمل سواء لمهنة أخرى أو خارج المدينة 393 حالة، كما سجل الإيقاف عن العمل والحرمان من الراتب 65 حالة، وسجلت الخصومات والجزاءات الأخرى 167 حالة بالإضافة للمئات في شركتي غزل شبين وغزل المحلة؛ بالإضافة لتجميد عضوية 4 نقابيين، وإيقاف النشاط النقابي لنقابية، والقبض على 7 عمال، وتقديم 8 للمحاكمة بعد تلفيق تهم جنائية لهم، وعشرات التحقيقات سواء في النيابة الإدارية أو النيابة العامة أو الشئون القانونية، والاعتداء على موظفة، والتحرش بعاملتين، هذا بخلاف التهديد بأمن الدولة والتهديد بتلفيق قضايا[1].
 
فبالإضافة إلي ما ذكرناه سابقاً من تعسف تعرضت له عائشة أبو صمادة وزميلاتها، وسامية وسحر وزملائهن، يمكننا أن نذكر ما تعرضت له وداد الدمرداش، وأمل عبد السلام عاملتا الإنتاج بمصنع الملابس بشركة غزل المحلة، حيث تم الاعتداء عليهما بالضرب وتم التحرش بهما من قبل عمال تابعين للإدارة، كما تم نقلهما إلى الحضانة، كما حاولت إدارة شركة غزل المحلة فصل وداد بدعوى الامتناع عن العمل. وأرسلت إدارة الشركة مذكرة إلى الشرطة تفيد بأن العاملة لا تقوم بوظيفتها كعاملة نظافة[2]
ومؤخراً عادت وداد وأمل مع بقية زملائهم اللذين تم التعسف بهم ونقلهم خارج الشركة، بعد الإضراب الذي قام به عمال شركة غزل المحلة بعد الثورة وطالبوا فيه بإبعاد رئيس مجلس الإدارة والعضو المفوض عن إدارة الشركة وعودة زملائهم المنقولين تعسفياً.
كما تعرض عمال وعاملات شركة النصر للغزل والنسيج بالمحلة لهجمة شرسة من قبل إدارة الشركة بعد أن أضربوا عقب إضراب 6 أبريل 2008، وذلك للمطالبة بـتطبيق قرار رئيس الوزراء الخاص بصرف أجر شهر لكل عمال المحلة، بعد أن تم صرف نصف شهر فقط لهم.
وقد كانت العمالة المؤقتة هي الأسهل في التعسف بها، وكان نصيب العديد من العمال والعاملات المؤقتين الفصل منهم كل من: سهير عيد محمود عبد العال، ونوسة متولي تم فصلهن.
كما تعرضت ممرضات مستشفي شبين التعليمي، ومستشفي دسوق العام للتعسف، حيث وجها لهم تهم تعطيل العمل في مرفق حيوي[3]، وقد وصل الأمر لفصل 7 من ممرضات مستشفي دسوق، بسبب الوقفات الاحتجاجية لممرضات المستشفي للمطالبة بالحوافز[4]،[5]
 
المستقبل:
كما نرى ونسمع يومياً.. فإن العمال مصرون على استكمال رحلة نضالهم ليس فقط من أجل مطالبهم التي يطلبونها منذ سنوات، وتماطلهم فيها سواء الحكومة البائدة، أو حتى الحكومة الحالية، أو المطالبة بإبعاد الفاسدين من رؤوس الشركات والهيئات والإدارات، ورغم محاولات الحكومة منع هذه الاحتجاجات بشتى الطرق، فعلى مدي أسابيع الحكومة وعدد من القوى السياسية يدينون الاحتجاجات ويتهمونها بالثورة المضادة، ثم مؤخراً إصدار الحكومة لقانون تجريم الاحتجاجات، إلا أن العمال والموظفين وفي القلب منهم العاملات والموظفات يكملون طريقهم.
 
كما ذكرنا أعلاه بخصوص النقابات المستقلة للعمال، والتي تتواجد فيها العاملات بقوة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن عدد العاملات (سواء كن طبيبات، أو ممرضات، أو فنيات، أو موظفات) في مجلس إدارة النقابة المستقلة للعاملين بمستشفي منشية البكري 12 من 27 عضو في مجلس الإدارة، كما أن عدد العاملات اللائي فوضهن زملائهم للعمل على تأسيس نقابة العاملين بمديريتي القوي العاملة بالجيزة و 6 أكتوبر هو 6 ضمن 9 مفوضين في تأسيس النقابة.
 


[1] - -قطع الأرزاق سلوك منهجي لكسر الحركة العمالية، صابر بركات، فاطمة رمضان، أحمد عزت، المركز المصري للحقوق الأقتصادية والاجتماعية، 2010
[2] -مدونة تضامن  www.tadamonmasr.wordpress.com
، 2/11/2009، إدارة غزل المحلة تحاول فصل وداد الدمرداش عقابًا لها على دورها القيادي في الإضرابات
[3] - البديل، 27/10/2008، ممرضو مستشفي شبين الكوم يواصلون إضرابهم لليوم الخامس.. والإدارة تحيل عدداً منهم للتحقيق
[4] - اليوم السابع، 8/11/2009، وقفة احتجاجية توقف 7 ممرضات عن العمل بدسوق
[5] - اليوم السابع، 20/10/2009، وقف 7 ممرضات عن العمل في كفر الشيخ