الأهوازيات و عبادة الموتي



إلهام لطيفي
2012 / 7 / 9

وقفة قلم!!!...

للمراة الأهوازیة طقوس فریده من نوعها بالاحتفاء بمراسم تابين موت اعزائها مما تمیزها من النساء الاخریات في العالم ....فلم تحزن المراة الاهوازیة كسيدة الحوار«جزيل الخوري» برفع صورة زوجها الفقید علي صدرها لعدة سنوات او بفتح مسابقة ثقافيه سنویة لاحياء ذكراه ولا ك«بهية الحريري» بحيث الصدمة التي صدمت بها باغتيال اخيها رفيق الحريري رئیس الوزراء اللبنانی الراحل کانت صدمه کبیرة مما ادت الي ان تتقرب هذه المراة الی الخالق والمعبود و تمثل هذا التقرب في ارتدائها للحجاب... كما لا تحتفي المراة الاهوازیه بذلك كالمراة الخليجية والعربية حينما تستقبل كل المعزيات بهدوء واناقة واتيكت خاص يخص العربيات في الخليج من قراءة المصحف واهداء سورة الفاتحه الي امواتهن و الدعاء لهم حسب معتقداتهن الدينية و لا کنساء المغرب العربی اللواتی یرتدین ثیابا بیضاء ترمز لوفائهن للفقید لا ولا يشبه اسلوبهن الغربيات في حضورهن باناقة تامه و اسلوب خاص كوضع نظارات لكي لا يبحن ببكائهن للاخرين ولا کالنساء الایرانیات من عدم الاطاله فی لبس الثیاب السود وذلک بسبب معايشتهن الطویله ...

فللاهوازيات اسلوب خاص يلفت النظر و في اكثر الاحيان يثير الاسف من الاحتفاء فی فقد الاعزاء ... و لهذه الطقووس مراحل و مراتب فحينما تسمع المراة الاهوازية بالخبر المفجع تعبر عن حزنها بطرق عجیبه وغریبه و منها اللطم «و التی يرافقه مما يسمي «القول» و الرثاء باشعار و کلمات بحق المتوفی الذی اقیم له مجلس تابین کما بحق اموات النساء اللواتی یشارکن فی اللطم و الضرب علی النفس بقوة »، شق الثیاب ، قص و نتف شعر الراس و النعی والبکاء النسائی الجماعی حتی ثلاثة ایام وخلال هذه الايام تتوافد النساء من القريب والبعيد و ترافقهن «الملايات» اي النساء التي تختص بشأن اللطم و رثاء الموتي بقصايد ولطميات بحق الميت و ان کان المتوفی کبیر شان او شیخ او عجید قوم یستمر البکاء النسائی الجماعی حتی اربعین یوم ناهیک عن ایام الخمیس فی اخر الاسبوع التی تقام بها اللطم علی القبور...بالاضافه الی ذلک ان الطین والتراب یعتبران من المواد الرئیسیة للاحتفاء والحزن علی الموتی بحیث لازال الکثیر من الاهوازیات بالاریاف و القری يضعن الطين على رؤوسهن وعلى اجسامهن حزنا على المتوفى وكلما زادت فترة وجود الطين دل على شدة الوفاء کما یبعثرن التراب حین تشییع جثمان المتوفی ويتبعن المشيعين للجثمان حافيات الاقدام وهن مبعثرات التراب علي رؤوسهن...

و تستمر النساء في الاهواز بالحداد في ارتدائهن الثیاب السود حزنا بفقدان اخوانهن او ازواجهن وابنائهن المفقودين في الحروب، او المقتولين او المتوفين والذی یستمر سنين متماديه و لايقتصر ذلك بارتداء الثياب السوداء بل هناك الكثير من الاهوازيات يضعن العصابة علي رؤوسهن وان كان هذا الزي خاص للنساء المتقدمات في العمر لكن ترتديه الشابات ايضا لفترة الحداد علي موتاهن .و يجب القول ان هذا الحداد یمنع المراه الاهوازیة من الحضور فی الاجواء الفرح والمرح و لطالما تبقی المراة الاهوازیه سنوات طویله لم تخلع الثیاب السود بسبب توالی موت الاقرباء؛ ویحرم الکثیر من زوجات المتوفین من الزواج فی معظم الاحیان ؛....
و مما تجدر بها الاشارة ان هناک حزنان ؛حزن یعتبر التزام ذاتی لاقارب المیت و الحزن المفروض بموت احد افراد العشيرة يعتبر حزنا اجباريا وقيدا اجتماعيا اكثر ما هو التزام ذاتي و ولا تخلی من الفائده اذ اشرنا الی کیفیة حضور الاهوازیات فی المقابر و زیارة قبور امواتهن من شعل البخور و رفع الشموع وحمل الحلویات والفواکه و فرشها علی القبورو کثرما یتغیر الهدف الاساسی من حمل هذه المواد ای الخیرات وتوزیعها علی الفقراء الی وسیلة تفاخر وعرض مسرحی لمدی احترام الاهل والاقرباء الی المیت و تتکرر معظم هذه الطقوس کل عام کما انها تخیم حتی علی الاعیاد واحیاء ذکری المیت سنين متمادية حتي وان مرت سنين علي تاریخ الوفات ؛ و مما يثير العجب هو ان لا تكتفي الاهوازيات باحياء الاعياد الدينية والشعبية علي قبور موتاهن وان هنالك عيد خاص يخص الموتي و يقع هذا العيد ، اخر یوم خمیس من السنة الهجرية الشمسية اي اخر يوم خميس من الشتاء و و یاتی کمقدمة للاحتفال بالاعياد النوروزية اي عيد الشجرة و کانما یرجحن النساء الفاقدات اعزائهن فی الاهواز ان يعايدن الموتي قبل الاحياء!!!! فان الحديث عن عید الموتی يطول في هذا المقام مما يتطلب منا ان نتناول خصوصیاته فی مادة اخري وفي النهاية يجب القول ان حداد المراة الاهوازية علي الاموات بمختلف طقوسه والتی اشرنا لها مسبقا یصل احيانا الي عبادة الموتی ان صح التعبیر و ما الی ذلک. والجدير بالذكر ان هذه الطقوس لم تبقي في دائرة ممارسات المراة الغير متعلمة والريفية بل تتوسع دائرة الممارسات و تنتشر بين النساء المتعلمات اي الجيل الجديد ايضا بمعني ان المراة المتعلمة لم تستطع المقاومة اتجاه هذه التقاليد والطقوس البائدة رغم تعلمها...

و خلال هذا المرور السریع احیانا یقف الانسان حائرا فمن این أتت هذه الطقوس والتقالید و الاجدر ان نقول التفاهات و الخرافات لتتفرد بها الاهوازیات؟

فهناک من یقول ان هذه السنن و التقالید قدیمة ولها جذور فی سیکولوجیة المجتمع الحزینة وهناک من یقول ان هذه الطقوس هي نابعة من الممارسات الدینیة بالاساس و انما انحرفت من مضمونها الاساسی فی مر العصور و اصبحت هکذا و هناک من یعتبر هذه الطقوس متاثره تماما مما تقوم به المراة الاهوازیة فی طقوس محرم وصفر و الحزن علی مصیبه کربلا کما ان هناك اراء تدلي بان هذه الطقوس تتشابه مع ما کانت تفعله المراة المصریة فی قدیم الزمان کما ان ما یمارس علی قبور الموتی یتشابه کثیرا مع ما کانوا یفعلون الناس فی قدیم الزمان فی عصور الفراعنة و واخرین یعتقدون بانما اعياد الموتي هي طقوس تاتي من الثقافة الايرانية و بعض الثقافات النصرانية....علی ای حال من اینما اتت هذه التقالید لا اظن ان لها مبرر للممارسة فی عصرنا ویومنا هذا و یخجل الانسان من التحدث عنها فی ای مجتمع متطور. .

ومن هنا يجب القول ان فی غیاب موسسات ومنظمات مدنیه ترفع من مستوی وعی المراة الاهوازیة و تقوم بتحدیث اسلوب المراة الاهوازیة فی تلقیها الحزن والحداد و کیفیة تعاملها مع الشدائد والاحزان و تبید بهذه التقالید البالیه التی اکل وشرب علیها الزمن هناک مهمة تقع علی عاتقنا نحن ان نقوم بتوعیة قریباتنا ونساء مجتمعنا و نقنعهن بان الحزن الطـويـل لا يـرجـع الأمـوات و یجب ان لا تخضع المراة للحزن الكاسر ومهما كان الميت قريبا منها لا تستمر في حزنها حتى ولو تمردت على التقاليد والاعراف الاجتماعية، وان لا تبكي ولا تصرخ ولا تشق الثياب ولا تؤذي نفسها بالضرب على الجسد ولا تطيل من النواح والعويل، کما لابد من تقليل فترة الحزن على الميت وإلا ستقضي المراة حیاتها حزنا وانین و ان تتقبل سنن الطبیعة وتقبل الواقع کما ان علیها تتعامل مع الاحداث الماساویه بروح ریاضیه و قویه ، فمهما كانت اسباب وفاة الاعزاء فالانسب هو مغادرة الاحزان ونسيان ما فات و عدم العیش بالماضی و انما النجاح في الحياة واصرارنا على الوصول الى الاهداف الساميه کما اكساء الفقراء والمحتاجين وغيرها من الطرق الايجابية التي تفيد المجتمع هي التي تريح اصحاب القبور وتجعل رقدتهم هانئة في التراب و ليس العروض المسرحيه التی تقام علي القبور کما اشرنا مسبقا و ذلك افضل بکثیر من العویل والبکاء و الثياب التي ترتديها حزنا علي الاموات بالتاکید.....



الأول من نوفمبر 2010