واقع المرأة العراقية اليوم ومسألة الديمقراطية



محمد الكحط
2005 / 2 / 12

ربما من الصعب أن نحلم بأن تنال المرأة العراقية منذ اليوم الأول من العراق الجديد كامل حقوقها بسبب الواقع الذي يلف العراق اليوم وهو واقع لا نحسد عليه أبداً ، فالذي ينظر بتمعن للأمور يحس وكأن العراق فعلاً عادَ عدةِ عقودٍ إلى الوراء، أن لم نقل قروناً وذلك كله بفضل الدكتاتورية وقوى التخلف والظلامية التي كانت جاثمة على صدر الشعب العراقي، وحتى الدستور المزمع سنه كمشروع دستور دائمي للدولة العراقية الجديدة لا نتوقع منه أن يفي بكامل حقوق المرأة الحضارية والتي نصت عليها لوائح حقوق الإنسان المقرة من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي منذ الدورة الأولى بل سيظل هناك صراع ويتطلب نضال طويل ودؤوب حتى يتحقق للمرأة العراقية كامل حقوقها التي تصبو إليها ويشاركها في هذا الهدف كل الوطنيين والتقدميين والمناضلين الشرفاء والذين يدركون الأهمية التي ينطوي عليها مثل هذا الهدف الكبير.
وربما سندرك هذه الأهمية أكبر عندما نشخص واقع المرأة العراقية اليوم التي عانت طويلاً ولازالت تعاني من الويلات والمصاعب، فها هيّ اليوم تخشى الخروج إلى الشارع أو العمل وتضطر إلى البقاء في البيت تمكث به ليالٍ طويلة وتتنقل بخوف وخشية وتواجه الإشكاليات هنا وهناك من أناس يزرعون الخوف لها ولأولادها ولأهلها مما يجعلها تتردد من المخاطرة أو المواجهة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو نظرنا نظرة بسيطة إلى ما تشكله المرأة من ثقل في المجتمع العراقي وهو ثقل استثنائي جديد على المجتمع العراقي وربما يحتاج إلى دراسات متأنية من علماء الاجتماع للنظر فيه وتحليله علمياً والخروج بدراسات دقيقة منه، وما أعنيه هو الثقل الكمي والسياسي لها مقارنة بالرجل ، فالمرأة اليوم في المجتمع العراقي لم تعد تمثل نصف المجتمع من ناحية العدد والنسبة بل لو نظرنا ببساطة للأمر لتبين أنها تخطت ذلك منذ زمنٍ طويل فلو قلنا أن عدد نفوس سكان العراق 24 مليون ونصفه تحت الثمانية عشر سنة فسيبقى 12 مليون من البالغين فوق هذا السن وهذا العدد هجر منه حوالي 3 ملايين بسبب الدكتاتورية ومعظم هؤلاء من الرجال ،وقد قتل وأعدم وعوق خلال الثلاثين سنة الماضية بسبب حروب ونزوات الطغاة مالا يقل عن مليونين من العراقيين معظمهم من الرجال رغم أن للمرأة نصيب في ذلك لا يمكن تجاهله لكن الفارق كبير وكبير جداً وبعملية حسابية بسيطة سيتبين أن نسبة النساء يشكل أكثر من 65% ضمن عدد السكان البالغين ولنقل 60% كي لا نقع في مطب المبالغة وهذه النسبة بحد ذاتها كارثة اجتماعية كبيرة فيما لو أدركنا أن نسبة الأرامل والمطلقات والعوانس والأميات والعاطلات عن العمل هي نسب كبيرة بين النساء العراقيات وكلها بسبب جرائم النظام ، فهذه الفصيلة الأساسية في المجتمع العراقي اليوم تعاني من المشاكل والتعقيدات النفسية والاجتماعية ولازالت تُضطهد من الأب والأخ والزوج والمجتمع ، ناهيك عن وضعها الاقتصادي المتدهور فالقليل منهن من تحرر اقتصاديا وكثيرٌ منهن من يتحمل عبء المسؤولية الاقتصادية كونهن معيلات لأولادهن أو أزواجهن المعاقين بسبب الحروب وما أكثرها وما أطولها .
عمل المرأة المضني في المنزل وخارجه من التسوق وشراء الحاجيات للعائلة واصطحاب الأطفال للطبيب والوقوف في الطوابير للحصول على الحصة التموينية أو غير ذلك من المهام الإضافية ، هذا في المدينة ،أما في الريف فالواقع أتعس من ذلك وأكثر تعقيداً بسبب قسوة الريف وكثرة أعباءه ، هذا الواقع المزري جعل المرآة تبدو أكبر من عمرها بكثير وأصاب العديد منهن الأمراض النفسية المختلفة بجانب الأمراض الأخرى التي أبتلى بها الشعب العراقي ككل.
هذا الواقع الأليم يضيف للقوى الوطنية مهمة جسيمة هي مهمة تحرير المرآة ونقل واقعها إلى واقع جديد يمنحها الأمان أولاً، والضمان الاجتماعي وتوفير فرص العمل والدراسة والمساهمة في الحياة السياسية بشكل جاد وبنسب تمثيلية تتوافق مع نسبتها في المجتمع وتشجيعها على الحصول على المناصب السياسية والحكومية وإعادة الثقة إليها، ولا نظن واهمين أن ذلك سيتم بجرة قلم أو بليليةٍ وضحاها بل لابد من البداية السليمة لهذا التوجه والاهتمام الخاص بالمرأة يعني ببساطة الاهتمام ب60% من أبناء الشعب العراقي من البالغين سن الرشد ، ناهيك عن العائلة التي تديرها كل امرأة .
فالواقع يملي علينا اليوم ضرورة استثنائية لا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية ولا عن التقدم والحضارة... الخ بدون حقوق كاملة غير منقوصة للمرأة ، ولكي يتحقق ذلك هنالك ضرورة كبيرة لمحاربة الأمية والجهل ورسم خطط وبرامج تربوية وتثقيفية للمرأة وللرجل ليدرك كلاهما الأهمية التي تنطوي عليها تحرر المرأة ومساواتها ونيل حقوقها وبالتأكيد كلما تخلص الشعب من الجهل والأمية والفقر وأستتب الأمن والسلام وكلما تحركت عجلة الإنتاج الاجتماعي كلما نالت المرأة حقوقها وكذلك الرجل حقوقه بشكل أفضل.
بالتأكيد سيقف العديد من أبناء الشعب العراقي ضد المساواة بحجة الدين والعادات والتقاليد...الخ ولا أظن أن ذلك بجديد لا في العراق ولا في البلدان النامية الأخرى وحتى التي سبقتنا بمضمار حقوق الإنسان ولكن لا الدين ينكر للمرأة حقوقها ولا التقاليد، بل العادات السيئة البالية الموروثة ولنا أمثلة كثيرة منيرة من التأريخ الإسلامي والعربي والكردي والتركماني وكيف كان للنساء دور ومحضية ومواقف لا يمكن تجاهلها وكيف نحن اليوم والمرأة هي المعلمة والطبيبة والمهندسة والعاملة الممرضة ووو....
لذا حتى أصحاب الحجج الذين يتبجحون بها يمكننا مواجهتهم ولا يضر بهم شئ بقدر ما يجعلهم أهلاً للمسؤولية التاريخية التي تواجهنا جميعاً اليوم والتي تتطلب أن يساهم الجميع في البناء، الكبير والصغير المرأة والرجل وأنهم بالتأكيد سيدركون ذلك عاجلاً أم آجلاً وبالعملية الاجتماعية التي ستزج الجميع في عجلتها ستقارب وجهات النظر وسيدرك الجميع أهمية أن تنال المرأة كامل حقوقها وتتحرر من القيود البالية، وخصوصاً بعد أن ينال الرجل نفسه حريته في التعبير وتترسخ القيم الديمقراطية في الواقع، حينها سيعم الخير على الجميع وأقصد به ضمان حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية، وعلى المرأة أن تثبت جدارتها بتحمل المسؤولية وتندفع إلى المساهمة بالعمل بكافة أشكاله الإنتاجي والسياسي والاجتماعي.

حتى اليوم نجد في الكثير من الدول المتقدمة أستمرار لمعاناة المرأة، ففي السويد على سبيل المثال نجد أنها لازالت تناضل من أجل مكاسب جديدة وتطالب بمساواتها في المرتب مع الرجل لنفس العمل ، وغير ذلك من الأمور ولا نستغرب من ذلك ، فكيف بدول العالم الثالث التي معظمها تستكثر على المرأة أبسط حقوقها ، أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ولكن المرأة العراقية قطعت أشواطاً وأشواط وهي اليوم تستحق أن تنال ما تريد وان لم تدركه اليوم ستناله أبنتها غداً.
2004