حوار مع .....ام عزباء



سناء طباني
2012 / 7 / 28


الام هي الملاك الحارس هي الروح المتسامحة هي الجسد الذي يفنى في سبيل اطفاله هي هي هي .....الخ..
ولكن.. الا يصادف احيانا ان تكون تلك الام انانية وتختار الحياة لنفسها مقابل التضحية بطفلها ؟؟ وتقرر الخلاص منه لتبقى هي على قيد الحياة؟
طفل ربما لم يتجاوز الساعات، سريره الابدي كيس قمامة، وان لم يتوفر فاي قطعة قماش غامقة متسخة بدماءه قد تكون سريره، وربما قد لا يعني الام ان كان طفلها جميلا، قبيحا، مشوها، بل لماذا تنظر اليه وهي تعلم مصيره؟!
نعم.. انها الام العزباء التي تلجأ لذلك وتعاكس فطرتها، تقتل مشاعرها لتعود بلا طفل لمجتمع لا يتقبل مصطلح الام العزباء.
ومن هي الام العزباء؟؟
انها انسانة اضطرت نتيجة لوضع معين ان يولد لها طفل خارج اطار مؤسسة الزواج، وتسمى ايضا تلك الام بام اللقيط، وليس دائما يكون هذا الطفل نتيجة لعلاقة غير شرعية كالزنا، فربما يكون لزواج عجزت الام عن اثباته قانونيا، او نتيجة تعرض تلك الام للاغتصاب من قبل شخص معين وقد يكون هذا الشخص من المحارم، ليستحيل الاعتراف بذلك الطفل، وربما شاء القدر ان يفرق بين خطيبين على وشك الزواج او تزوجا ولكن حدث الحمل في فترة الخطوبة، ليكون الطفل ثمرة تلك العلاقة.
ومهما كانت الاسباب، فالنتيجة واحدة وهي ان المجتمع لا يتقبل ام مع طفلها دون وجود شريك لها..
قد تختار تلك الام حلول عدة قبل ولادة الطفل، كالاجهاض او الهروب من منزل الاسرة مخافة ظهور علامات الحمل عليها، وربما الزواج من شخص ما ليكون الاب القانوني لذلك الطفل بعد رفض الاب البايولوجي الاعتراف به، وقد تفكر بالانتحار..
كل هذه الحلول تكون قبل ولادة الطفل.. ولكن ماذا ان حدثت الولادة؟؟
هنا تبدأ الخطوة الاهم في حياة تلك الام لتقرر بين امرين، فاما الاحتفاظ بطفلها، او تقرر الخلاص من ذلك الطفل الذي ولد قبل لحظات، لتستمر هي بالحياة.
والسؤال الان لتلك الام كيف بامكانك ان تتخلي عن طفل أنجبته دون ان ترضعيه؟ وما الطريقة التي تختارينها للخلاص منه؟؟
قد لا يكون الامر بهذه السهولة، بل قد تكون تلك اللحظات هي الاقسى في حياة تلك الام، ولكن الاسرة او من يكون على دراية بالامر من الاسرة هم من ينفذون ذلك ان عجزت الام عنه، من خلال رميه على احد الطرقات، او عند مداخل المستشفيات، او دور العبادة، ليكون لهذا الطفل فرصة للنجاة والعيش في دور الايتام، او عند احدى الاسر التي لم ترزق باطفال، وربما يصل به الامر الى عصابات تتاجر بالاطفال، ومع هذا فان لهذا الطفل حظ اوفر من اطفال اخرين قد يلقون بهم في اماكن بعيدة، مهجورة، مظلمة لتقل فرصتهم للبقاء على قيد الحياة.. ولكن تبقى جريمة قتل ذلك الطفل والتخلص منه بلحظاته الاولى هي الجريمة التي لا تغتفر.
واذا كان الطفل قد لاقى هذا المصير الاسود بدون ذنب، بينما الام تعيش حياتها في عذابات الضمير والشعور بالذنب، نجد الاب بعيد عن الاحداث ولا دور له في انقاذ الام وطفلها، بل اصبح هو والمجتمع يلقون باللوم على الام لارتكابها تلك الخطيئة.
وان تخلت الام في مجتمعنا الشرقي عن طفل ولدته بلحظتها لتحظى هي بفرصة للبقاء على قيد الحياة، او للبحث عن فرصة لبدء حياة اسرية جديدة، فان المجتمع الغربي يعد ولادة هذا الطفل مشروع اخلاقي وقانوني، بل قد تسعد الاسرة الغربية به وتحتضنه، فضلا عن انها لا تعتبره سببا للشعور بالعار او يشكل فضيحة مدوية للام، وربما هذا يفسر ان نسبة اكثر من 10%من المواليد في الدول الاوربية هم من اللقطاء، وفي امريكا تصل النسبة الى 28%، اما المجتمع السويدي فان حقوق الأطفال مكفولة في القانون الوطني سواء بوجود او عدم وجود رابطة الزواج.
لاجل تسليط الضوء على واقع الام العزباء وما تتعرض له من ضغوط نفسية واجتماعية، حاورت احداهن، وهي ام اخذوا منها طفلها ليوارى الثرى بعد لحظات من ولادته، علما ان الولادة حدثت والام على وشك الزواج لكن لم يتم الامر فعليا.
ترى ما احساس تلك الام وهي تعود بذاكرتها الى تلك اللحظات وما هي الظروف التي ادت الى حملها وهي فتاة عزباء ؟
ـ كانت احداثا عادية وليس فيها من الغرابة بشيء، فهي فتاة تمت خطبتها لشاب بعد قصة حب دامت سنتين، وكان هذا الشاب دائم التردد على منزل خطيبته، وبسبب الغياب المتكرر للام وعدم متابعة ابنتها اثناء زيارة الخطيب حدث ما كان يجب ان لا يحدث الا بعد الزواج.
وتتابع: في بداية الامر اعتقدنا انه حدث طارئ، وسيمر دون ان يلاحظ ذلك احدا من افراد الاسرة.. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد بدأت علامات الحمل بالظهور وانا لازلت في منزل اسرتي وموعد الزواج لم يتحدد بعد.
* فتاة في منزل اسرتها وفي مجتمع محافظ وتظهر عليها علامات الحمل.. حدثيني عن ذلك؟
ـ ماذا اقول.. لا اعتقد انه يوجد موقف اسوأ من هذا.. فقد كنت مشتتة في تفكيري بين جنين ينمو في احشائي، واخشى ان يلاحظ وجوده احد، وبين اسرتي وما عساها ان تفعل بي ان علمت بالامر، وبين خطيبي الذي ربما سيشكك فيما اقول ويعرضني لجرح اكبر، وكنت اتساءل هل يجب ان احتفظ بذلك الجنين، وهو قطعة مني، وانا على وشك الزواج من والده؟ ام اتخلص منه واعيش عذابات الضمير؟ افكار لها بداية وليس لها نهاية، قلق وخوف وخجل يكبر كل يوم.

بالتاكيد كان لتلك الام حلول عدة بانتظارها ولكن شاء القدر ان تمر الاشهر دون ان تنجح في احدها، ولم يبقى امامها الا ان تخبر الاهل بحملها علهم يجدون حلا قبل ولادة الطفل، كالزواج مثلا، ليسقط هذا الاحتمال ايضا بظرف طارئ اربك الاسرتين، وهنا حدثت الولادة لتقرر الاسرتين التخلص من المولود بمنتهى السرية واخفاء اي اثر لولادته.
سالتها.. هل ترضى الام بهذا المصير لطفلها حتى ان كان لقيطا ؟؟
ـ تلك الام كائن صغير امام جبروت الاسرة والمجتمع والعادات والتقاليد، وهي بنظرهم قد ارتكبت ذنبا تحاسب عليه، لذلك ليس لها الاا الصمت، لكن ليس لانها راضية عن ما يحدث، بل لان هنالك قوة اعظم من قوة عاطفتها تضطرها للصمت ارضاءا للاهل والمجتمع ومن اجل العودة لحياتها الطبيعية.
* وماذا عن احساسها اثناء تنفيذ الاهل لقرارهم؟
ـ كنت استرق النظر اليه، أملئ عيني من ملامحه، كنت اتمنى ان اضمه.. لكن لم يكن باستطاعتي فعل ذلك، فقد اجبرت على الصمت وانا احترق من الداخل شوقا له وخوفا عليه، وكل الذي كنت اتمناه فقط ان تمضي تلك الدقائق مسرعة كي يفارقني ذلك الشعور بالذنب.. ولكن لم تفارقني تلك اللحظات، بل بقيت تعيش بداخلي مع ولادة كل طفل اخر.
* والطرف الاخر او الاب.. ما كان موقفه من الاحداث؟؟
ـ لو كان للطرف الاخر موقف ايجابي لما فقدت طفلي بهذه الطريقة البشعة وانا على وشك الزواج منه ، لقد كان الصمت موقفه، بل انتظر ان يولد طفله ثم يموت بنفس اللحظات ليعود بعدها ويكمل زفافه.
* والام، هل تنسى ما حدث لطفلها وتعيش فرحة العرس؟؟
ـ كنت اظهر فرحي بفستان ابيض ارتديته يوم زفافي.. لكن ما كان بداخلي اكبر بكثير من كلمة حزن، فالام ان فقدت طفلها تبكيه، تحزن لاجله، تعبر عن مشاعرها، اما انا فلا يحق لي ذلك، فكيف يمكن ان ابكي طفلا قتلته بذنبي؟!
* وماذا عن موقف المجتمع من الام في مثل هذه القضايا؟؟
ـ المجتمع هو من يدفع الام لارتكاب هذه الجرائم فهو يحاسبها ويعاقبها باقسى العقوبات ان ادينت بالزنا او ثبت حملها لاي ظرف كان، ونفس المجتمع لن يحاسبها ان تخلصت من طفل غير شرعي بنظرهم، وبعملها هذا تعيد للمجتمع صورته الجميلة لتفقد هي كل احساس الامومة بداخلها.
وعند المقارنة بين مجتمعنا الشرقي والمجتمع الغربي بالتعامل مع الطفل من ذوي الظروف الخاصة نلاحظ ان المجتمعات الغربية تثني على الام العزباء التي يحق لها الاحتفاظ بطفلها اللقيط، وبنظرهم انه من الافضل التخلص من عذابات الضمير والقتل العمد لطفل لم يتجاوز الساعات، من خلال الابقاء على حياته.
* ماذا تقولين لفتاة اخرى قد تمر بهذه التجربة؟
ـ لا اتمنى اطلاقا لاية فتاة ان تمر بهذه التجربة، انها تجربة مريرة وقاسية جدا حطمتنا وافقدنا طعم الحياة، وكل ذلك لاجل لحظات نعيشها و نعتبرها قمة السعادة، وهي في الحقيقة لا تساوي لحظة واحدة من الحزن والندم ان فقدنا طفلنا من اجلها.
الخاتمة
ام تنجب طفلا وترميه في الطرقات... اب يتحدث عن الاصالة والاخلاق الشرقية ويترك الام في محنتها بعد ان غرر بها... طفل لا ذنب له غير ان الابوين سارا عكس الاتجاه في مجتمع لا يتقبل مثل هذه العلاقات.. مجتمع يتاثر بمشاهدة طفل قتل خنقا، لكنه يرفض ان يضع الحلول لهذه الظاهرة.
اخرين يلاقون نفس المصير. والنتيجة اتساع هذه الظاهرة واخفاءها ليكون الضحايا اطفال لا ذنب لهم.
وبحسب مختصين، فانهناك اسباب عدة تقف وراء انتشار هذه الظاهرة، منها تاخر سن الزواج للجنسين، غياب الرقابة الاسرية، التقدم الحضاري والتكنولوجي، الاستغلال الجنسي و الاغتصاب، حركة السياحة بين الدول وايضا انتشار الزواج خارج اطار مؤسسة الزواج وغيرها..
لابد من الاشارة الى انه لا توجد مؤسسة حكومية تعنى بهؤلاء الامهات، وهذا احد الاسباب الذي يجعل عدد الامهات العازبات في مجتمعاتنا الشرقية غير معلوم، وان ما يظهر من ارقام خجولة لا يمثل العدد الكلي لهن.