موقف اباء وفلاسفة المسيحية من المراة



وليد يوسف عطو
2012 / 8 / 9

( جسد الانثى ليس شيئا جذابا ,بل هو موضوع قذر , وانجاب الاطفال ليس مدعاة للبهجة والفرح ,بل هو علامة على الانهيار والتدهور )
القديس جيروم
اهداء ...
الى الاستاذ والاخ الغالي ...
عبد الرضا حمد جاسم المحترم ...
كانت رسالة المسيح الجليلي الاممي رسالة محبة وخلاص وفداء وايمان ولم يكن فيلسوفا .وهو ابن الجليل وسوريا القديمة الكبرى وثقافتها.كان الساميون ومنهم اهل الجليل وفلسطين والسومريون والاكديون لايفرقون بين جسد الانسان وبين الروح ولايقسمون الانسان الى عدة اجزاء ,بل يعتبر الجسد والنفس والروح كلا واحدا . ولهذا بدات الانشقاقات في الكنائس عند البحث عن طبيعة المسيح وعن التثليث .هذا البحث وهذه العقائد جاءت بافكار يونانية –رومانية وثنية تخالف الانجيل , جزات الانسان (مقالتنا – قانون الايمان المسيحي وثقافة الكراهية واقصاء الاخر – للكاتب وليد يوسف عطو ) .بالاضافة الى تاثر اباء الكنيسة وفلاسفتها بالافلاطونية الحديثة وبالغنوصية وبالرهبانية المشرقية التي لم تكن موجودة في المسيحية والتي تحتقر جسد الانسان والمراة وتعتبرانهما من ابليس ,وكذلك الجنس . فبعد ان كانت المراة في بلاد مابين النهرين اي العراق القديم تقدس باعتبارها رمز للخصوبة والحياة والانجاب وكانت بغايا المعبد في سومر واكد يطلقن عليهن لقب (مقاديشو – او مقاديشة ) اي المقدسة او المضحية او مانحة الخصوبة للارض (البغاء عبر العصور – سلام خياط ) .وكانت الالهة الانثوية مقدسة .نجد في عصور لاحقة بدا اعتبار المراة ناقصة عقل ودين وان جسد المراة اعتبر نجسا خلافا لتعاليم السيد المسيح والرسول بولس .
لقد ظهر جيل من المفكرين الاوائل شكلوا ما سمي بعصر الاباء الفلاسفة والذي امتد من القرن الاول حتى وصل قمته في القرن الرابع عند القديس اوغسطين ( 354 – 430م )الذي ختم عصر الاباء ,حيث تبدا اوربا بعده في الدخول الى العصور الوسطى من القرن الرابع وحتى القرن الرابع عشر .ومن هؤلاء الاباء الفلاسفة :
1 – كليمنت الاسكندري (150 -223 م)
2 – ترتوليان ( 160 – 230 )
3- القديس جيروم (345 – 420 )
4 – الشهيد يوحنا ذهبي الفم (345 – 407 )
5 – القديس اوغسطين ( 354 – 430 )
لقد كانت العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية اقوى من افكار السيد المسيح الجديدة القائمة على احترام المراة كانسان ومساواتها بالرجل والايمان بحريتها الشخصية وكرامتها الانسانية . ان العودة الى الوراء في المسيحية كان هدفها تكريس موقف الرجل من الملكية الخاصة والتي يحرص الاب ان يرثها الى ابناء من صلبه .ثم جاء اللاهوتي والفيلسوف المسيحي ليقنن هذا الوضع المتدني للمراة او يضفي عليه مسحة دينية .
كليمنت الاسكندري (150 – 223 )
يعتبر مع تلميذه اوريجين من اهم فلاسفة الاسكندرية . لقد جاء بما يخالف الانجيل . فهو لايرى غضاضة في الحديث عما يجب على المسيحي ان يفعله اثناء تناوله الطعام , فيطلعه على اداب المائدة ,ثم يعرفه ثانيا بانواع الطعام والشراب التي ينبغي عليه تناولها , وعدد الساعات التي يجب ان ينامها .ونوع الملابس التي يجب ان يرتديها ! . هذا الافتاء يشبه بالضبط مايقوم به مشايخ المسلمين بطوائفهم من افتاء باصغر الامور الحياتية ويقننون للمسلم مايجب ان يفعله حتى في دخوله للحمام !!!
الملاحظ ان القساوسة واللاهوتيين والكهنة مغرمون بالحديث عن المسائل الجنسية بطريقة فجة ومفتعلة بحجة المصارحة والصدق والاخلاق . ومن باب انه لاحياء في الدين !, ولايعتقدون ان في حديثهم فحشا من اي نوع .
ايكون ذلك لانه عندما يدخلون في معركة مع شهوات الجسد ولا ينتصرون فيها الا ظاهريا فحسب في حين تظل الغلبة لهذه الشهوات ؟ والا فكيف نفسر تلك الماساة التي وقعت في مدينة الاسكندرية بعد ذلك بقرنين من الزمن ,عندما قامت مجموعة من الرهبان باعتراض طريق (هيباشيا ) فيلسوفة الاسكندرية وانزلوها من عربتها ,وقام بطرس قاريء الصلوات بذبحها بعد ان جردها الرهبان ( انقياء القلب ) من ملابسها قبل اغتيالها .
ايكون تجريدها من ملابسها قد تم حتى يتمكن الرهبان من معاينة جسد العذراء الجميلة وهو عار تماما قبل الذبح , الا يعني ذلك ان شهوات الجسد كانت لاتزال طاغية فارادوا يمتعوا القلب النقي بمشهد الجسد العاري ؟
يتحدث كليمنت الاسكندري عن الفرق بين الرجل والمراة على اساس العقل الذي منح للرجل ,وهو سبب مجده ( لاشيء مخز او شائن عند الرجل الذي وهبه الله العقل .لكن المسالة ليست على هذا النحو بالنسبة للمراة التي تجلب الخزي والعار , حتى عندما تفكر في طبيعتها ,وماذا عساها ان تكون ... ) . وهكذا نجد كليمنت يقول صراحة ان المراة موجود ادنى من الرجل بسبب العقل الذي هو تاج الرجل ,وهنا يخالف تعاليم السيد المسيح حسب الانجيل ويخالف كذلك تعاليم القديس والرسول بولس في رسائله .(انظر مقالتنا في موقعي الفرعي في ( الحوار المتمدن ) – موقف الرسول بولس من المراة – وتجدها على صفحتي على الفيسبوك كذلك – وليد يوسف عطو ).
يقول كليمنت الاسكندري ان افضل رد على المراة هو اسكاتها واغلاق الدار عليها(وهو نفس موقف علماء ومشايخ المسلمين اليوم ),فواجبها ان تبقى في المنزل ولا احد يراها في اي مكان .لاينبغي لها ان تحضر احتفالات الزواج ,اذ ربما ادت الاحاديث والاغاني في الافراح الى شيء من الاباحية .ولاينبغي لها بالطبع ان تتجول في الشوارع بحثا عن النظرات الزائفة التي ترشق جسدها , ولا ان تذهب الى المسرح , ولا الى الحمامات العامة , ولا الى المباريات الرياضية العامة , واذا كانت تريد ممارسة الرياضة فان كليمنت الاسكندري يقدم للنساء برنامجا مسيحيا سياحيا على طريقة مشايخ المسلمين من سنة وشيعة : ( عليهن ممارسة رياضة الغزل والنسيج . والاشراف على المطبخ ,فتلك امور ضرورية ) , ثم يضيف ( في استطاعة النساء ان يجلبن من المخزن ما يحتجن اليه ... وليس من العار عليهن استعمال المطحنة بانفسهن ,فهي رياضة هامة . ومن الرياضات ايضا ترتيب فراش زوجها واحضار له الماء كلما احس بالظما . وعند ذهابها للكنيسة فلا بد ان تضع الخمار على وجهها , بحيث لايرى منه شيء قط , وعليها ان تظل محجبة طيلة تواجدها في الكنيسة ) . ويقول ايضا ( لابد للمراة ان تغطي جسدها تماما ... لان هذا الطراز من اللبس وقور , وهو يحميها من حملقة العيون ) .
ان هذه النظرة اللاهوتية لكلمنت وفلاسفة واباء الكنيسة هي نظرة جنسية صارخة . فالمراة هنا ليست لازميلة ولا زوجة ولا صديقة , ولا ام , ولا معلمة ... لاشيء سوى الجنس . ولهذا لايجوز لها ان تتزين على الاطلاق .لهذا السبب عليهن ان يودعن حرائر الهند والملابس المطرزة بالذهب ,فتلك امور ممنوعة بتاتا ,فالمراة محرم عليها ارتداء الزينة الذهبية ايا كان نوعها .
يقول كليمنت :
( التزين في غطاء الراس , وتنوع هذا الغطاء ,وزركشة الضفائر والنماذج التي لانهاية لها من زي الراس , والمراة الباهضة الثمن التي يرتبن بها هندامهن فهي تلك خصائص الافعال التي تقوم بها النساء اللاتي فقدن كل حياء ... ) .
لقد كان كليمنت الاسكندري من اوائل فلاسفة المسيحيين الذين بداوا في شن الحملات ضد الزواج وبيان مساوئه , وسوف يتابعه بعد ذلك ترتوليان والاخرون .
واخيرا يقول كليمنت الاسكندري عن القبلة :
( لايقاس الحب بالقبلة ,بل بالمشاعر الرقيقة ,لكن هناك من لايفعل شيئا سوى جعل الكنيسة تضج بالقبلات , وهذا هو الاستخدام الفاحش للقبلة , التي ينبغي ان تكون صوفية فلا تثير شكوكا حمقاء ولا اراء شريرة !!! .
اخيرا نحمد الله دفاع كليمنت الاسكندري عن الفلسفة .فقد كان اول مفكر مسيحي يدافع عن الفلسفة ,بل يدعو الى دراستها , وذلك في معارضة الحركة التي قامت ضدها في ارجاء الكنيسة المسيحية ,والتي وصفت الفلسفة بانها بدعة شيطانية اثيمة ابتدعها ابليس , وهو نفس قول علماء ومشايخ المسلمين ( من تمنطق فقد تزندق ) .
الخاتمة
من العادات والتقاليد التي تحرص على صيانة الملكية الخاصة ,صاغ الفلاسفة واللاهوتيون ما اطلق عليه اسم الانثى الخالدة , وهو نموذج يجمع الافكار العادية للمراة والتي تجعلها في مرتبة دنيا من الحياة الانسانية . وبذلك لايحق للمراة ان تنجز شيئا خارج نطاق الاسرة .واية مشاركة اجتماعية وعامة سيكون مصيرها الفشل حسبما يزعمون لان مصيرها ارتبط بالمنزل وبالجنس وبالانجاب !!! .
ان جميع السمات التي ننسبها الى الشخصية البشرية , ونسميها انثويةاو ذكورية لاترتبط بالجنس بقدر ما ترتبط بالاعراف الاجتماعية والتقاليد مثل غطاء الراس الذي يفرضه المجتمع على الجنس في حقبة معينة من تطوره .
ان البحوث الحديثة في علم النفس التجريبي تدحض الفكرة القائلة بان نموذج الانثى الخالد هي صناعة طبيعية . ان هذه القيود التي فرضت على المراة قد عطلت قدرات المراة واخرت انجاز وضعها الانساني .
وما حدث في المجتمع المسيحي في ذلك الوقت واستمر الى فترة العصور الوسطى , هو نفس ما يحدث في المجتمعات الاسلامية اليوم ,التي عادت للوراء تحت وطاة الاعراف والتقاليد البالية ومحاولة لوي عنق نصوص القران .
على المودة نلتقيكم ...
المقال منقول باختصار وبتصرف من كتاب :
( الفيلسوف المسيحي والمراة ) ,تاليف ا. د امام عبد الفتاح امام ,استاذ ورئيس قسم الفلسفة في جامعة الكويت ,طبعة مزيدة ومنقحة , 2009 م – دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع .