احترقت من الألم وأطلقتُ كل صراخ الكون في صرخة التألم ---------هل زحف الشلل الى ليلى واستوطن ذلك الجسد المرهق رغما عنها ------صدام أكبر حجة للالحاد--



سلطان الرفاعي
2005 / 2 / 20

---لم يخرج أحد من يدي الا معترفا أو ميتا. وبصراحة لقد حصلت على هذا التكريم بسبب الاعترافات التي حصلت عليها. ثم التفت الى احد الجلادين وقال له: ليدخل كاتب التحقيق. والتفت اليً وقال:
-صدقيني لن يلومك أحد اذا اعترفت لأبو قيس ، لا يوجد حي مر من بين يدي لم يعترف --الكل يعرف هذا. شعرت ببرودة في أطرافي وسرت قشعريرة مخيفة في كل أنحاء جسدي ،ولم استطع أن أقول شيئا ،لأن ريقي جف ، ولم يعد لدي القدرة على تحريك فكي . دخل كاتب التحقيق وأخذ مكانه عند الطاولة وقبل أن يصبح جاهزا للكتابة قال له الضابط:
-اكتب اعترافات الأنسة .
-بماذا أعترف ، انني لا أعرف تهمتي بالضبط.. مد يده الى الطاولة وأمسك بالخاتم الذهبي وقلبه قليلا ، قبل أن يضعه في بنصر يده اليمنى وهو يقول بهدوء قاتل:
-هذه مشكلتك يا أنسة. لن أرغمك على الاعتراف بشيء . اختاري انت تهمتك وحددي أنت اعترافاتك هل يرضيك هذا؟ كان يقترب مني وكانت رائحته تدفعني الى مزيد من الرغبة في التقيؤ .عندما صار بقربي،أردت أن أقف لكنه وضع يده على كتفي وقال لي:
-لا تتحركي---ها ماذا قلت؟ انحنى برأسه عليً وكانت يده اليمنى التي وضع فيها الخاتم تمسد شاربه اللماع بانتشاء كامل ---أحسست أن رائحته تخنقني تماما .
--ان رائحتك كريهة جدا. شعرت بالاهانة رغم ان رائحتي كانت كريهة فعلا ، لكن ماذا عن رائحته التي كادت تدفعني للانهيار؟
-ها؟ هل ستعترفين ؟ ستغتسلين وسأهتم بك مثل اهتمامي بأختي، سآخذك الى بيتي وستكونين عمة لابنتي منى. قلت في نفسي : يا الهي انهم لا يتعبون من الكذب أو البحث عن عمة لبنتهم منى! جلس على الكرسي ثم وأمام صمتي نهض بسرعة فسقط الكرسي من ورائه فاعتبر انني مسؤولة ، واقترب مني وصفعني صفعة قوية وهو يصرخ:
-أتعرفين من الذي تعاندينه ؟هيا-- شوفوا شغلكم. قالها وهو ينظف يديه من الصفعة فيما كان الجلادان يهجمان عليً ويضربان بقسوة وبشكل عشوائي كما لو انهما استعارا غضب سيدهما أو أرادا التعبير أمامه عن غضبهما لأجله.
لم يعد يهمني اتقاء الضربات، فالضربات ذاتها فقدت أي اتجاه لها. كل شيء أخذ طابعا عشوائيا من فرط الوحشية ، كان الضرب يتم بعصا غليظة وكبل، وبسبب ما ، وربما بمعجزة ما، تأخر سقوطي وانهياري على الارض فشعر الضابط بالغضب واتجه اليً ،وعندما صار قريبا مني ،أفسح الجلادان له المجال كي يحسن تسديد ضرباته فانهال عليً صفعا ولكما ، وحين استدار جسدي من قوة احدى الضربات شعرت ُ بضربة أخرى تعاجلني على أذني من الخلف.
احترقت من الألم وأطلقتُ كل صراخ الكون في صرخة التألم ، وانهرتُ على الأرض
لم يهدأ الوحش ---كان يتصرف وكأنه يصفي حسابا شخصيا معي . صرخ لكلابه اللاهثة:
-هاتوها الى هنا. وضعوها على الكرسي وسمعته يقول: كهرباء--لكني شعرت به هذه المرة يضرب ويضرب ولم أكن أتمنى هذه المرة أن يغمى عليً. كنت في داخلي أتمنى أن أبقى يقظة وأن أصرخ لكنني بدأت أغيب وأغيب وأغيب.
جاء الطبيب واستخدم أكثر من ابرة لبث الحياة فيًها لكنها لم تتحرك . كانوا بانتظار نتائج الابرة .
-ألا يمكن أن تكون كاذبة ؟ انني أشعر أنها تتصنع الاغماء .
-لا --انها في حالة اغماء عميقة ، يبدو انك لن تستطيع المواصلة معها اليوم . أراد الضابط انهاء المهمة فنادى على الجلادين كي يحملاها. قال الطبيب: دعنا نتأكد ان كانت ستعيش. اقترب ورش من بخاخ غازي فانتفضت قليلا ، وأعاد المحاولة عدة مرات.استيقظت: لم أر شيئا بوضوح كاف. كانت الدنيا تدور وكنت أتمنى أن أموت أو يغمى عليً، لكن الرائحة النفاذة كانت قوية وسمعت الطبيب يقول:

أعطوها كأسا من الماء وآخر من اللبن .

في الباب كانت الشتائم تنهال على الأسيرة :
-افتحي الباب يا بنت الكلب. كان الشرطي يدفع الباب الى الداخل فيصطدم بكتلة اللحم البشري الصامت . يصطدم بجسد ليلى التي باتت عاجزة عن الحركة والصراخ وهي تسمع الشتائم الموجهة اليها.جاء الشرطي بآخرين استطاعوا اخراج جسد ليلى من تلك الظلمة.وذلك الصمت. وكانت هي، الجسد المكوم بصمت عند أقدم الجلادين تحاول تبين حقيقة الكابوس.

---الكابوس أرحم لأنها تنتهي--أما حالتي في تلك اللحظة فكانت بلا نهاية . تذكرت، في تلك اللحظة أنني أخبرت الطبيب في غرفة التعذيب في الليلة السابقة أن صداعي كان شديدا وأنني لا أستطيع الرؤية جيدا بعيني اليسرى . الآن أنا أشعر أن لاشيء طبيعي في ةوضعي: لساني ثقيل. وثمة خدر في شفتي. واللعاب يسيل من فمي دون توقف وأنا عاجزة عن تحريك يدي ورجلي اليسرى، بشكل خاص.
ركضوا الى المحقق وجاء بسرعة ، وعندما رآها سألها بهلع مبالغ فيه:
- منفعل بك هذا؟ ثم انه أمر لها بسيارة اسعاف ، جاءت السيارة ووضعوها على النقالة ثم سارت السيارة قليلا لدقيقتين أو ثلاث ، ثم توقفت أمام مستشفى الأمن العامة ، نقلوها الى غرفة خاصة ، وهناك كان الطبيب النحيف يمسك بقدمها ويضرب بالشاكوش ويخزها بمخرز وأخذ يحك القدم من الباطن ثم نظر الى فمها وقد مال كثيرا وسأل:
--أهو بهذا الشكل من البداية؟!
قيل له : لا، فقال خذوها الى مستشفى الكندي. عندها جلطة!!!!!!
صوت الاسعاف يشق الطريق وصوت الشرطي المحقق يحاول أن يكون واضحا ومحددا ومخيفا في أذن ليلى.
-تذكري: أي حديث عن التعذيب عقوبته الاعدام.

لماذا لم تدقي الباب عندما شعرت بالخدر وبداية الشلل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لم أجد في نفسي رغبة لطلب المساعدة منهم------لقد عذبوني كل يوم حتى أصل الى هذه الحالة ، فلماذا أشكو لهم أو أطلب مساعدتهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل زحف الشلل الى ليلى واستوطن ذلك الجسد المرهق رغما عنها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أم أن ليلى هي التي استدعته في لحظة يأس كي يأخذها بعيدا عن العذاب اليومي؟؟؟؟؟!!!!!!

كم ليلى هناك في هذا الوطن التعيس؟؟؟؟
وكم صدام هناك في هذا الوطن التعيس؟
وكم جلاد هناك في هذا الوطن التعيس؟