قدرة النساء على إدارة و تشغيل البنوك بين الحاجة والواقع



محمد كريزم
2005 / 2 / 21

رسخ إعتقاد لدى الجمهور أن النساء العاملات في البنوك هن مجرد هيئة و شكل جميل, أو عامل جذب و إستقطاب من خلال المعاملة اللطيفة و الحسنة لزبائن البنوك و عملائه, و هذا إمتداداَ للنظرة السائدة عموماَ في مؤسسات و منشأت القطاع الخاص , و الحقيقة على أرض الواقع قد تؤكد هذه الصورة النمطية, إلا أن هناك نساء إستطعن بجدارتهن و كفاءتهن إعتلاء عرش بعض البنوك و تأكيد مشاركتهن في صنع القرارات والتمايز في وضع الخطط و السياسات والبرامج , و إثبات حضورهن القوي في تصريف شؤون البنوك و متابعة العمل المصرفي بمهنية عالية و إقتدار كبير.
و السؤال الذي يطرح نفسه حول سياسة البنوك تجاه النساء العاملات فيها و ما إذا كانت تمنح الفرص الكافية لهن, وتمكينهن من الظهور على الساحة المصرفية, و تسليمهن زمام العمل الإداري و القيادي, و توسيع دائرة صلاحياتهن في العمل بما يتوافق مع طاقتهن و قدراتهن, أم أن التمييز ضد النساء موجود أيضاَ في البنوك و المصارف.
الإجابة في هذا التحقيق

قدرة و أداء مهني عال :

السيدة إسمت أنيس الريس نائب المدير العام لبنك فلسطين المحدود أوضحت أن النساء أثبتن جدارتهن و كفاءتهن في كافة المجالات و الميادين, و القطاع المصرفي هو أحد هذه الميادين , رغم أن العمل به يحتاج إلى جهد كبير قد لا يتحمله الرجال, فهو يتصف بالجدية و المسؤولية و القدرة على تحمل ظروف العمل مهما كانت الأسباب و الإعتبارات الشخصية و ما شابه ذلك.
و أضافت الريس أن النساء القياديات في العمل المصرفي و البنكي لديهن كفاءة و خبرة قد تفوق الكثير من الرجال على نفس الصعيد, لذلك ليس مستغرباَ أن تجد إمرأة رئيس مجلس إدارة بنك, مشيرة إلى أن النساء العاملات في البنوك يتحملن ضغوط العمل أكثر من الرجال حسبما تدل مؤشرات أداء الموظفين , و ذلك لجملة من الأسباب أهمها أن النساء بطبعهن هادئات و صبورات و هذه صفات يتطلبها العمل المصرفي و بالتالي يستطعن إنجاز عملهن بأقل جهد ممكن و بدرجة عالية من الأداء المهني بعيداَ عن تأثيرات ضغوط العمل.
و إعتبرت الريس أن إرتقاءها لهذا المنصب الحساس في البنك يؤكد أن النساء إذا أتيحت لهن الفرصة المناسبة يستطعن إثبات إقتدارهن وإبداعهن في العمل و التمايز به, و تحقيق المردود الإيجابي بما يعود بالنفع على المؤسسة أو منشأة العمل, مؤكدة أنها أصبحت على صعيدها الشخصي و المهني تنافس الرجال القياديين بهذا الشأن و طموحها الوصول إلى رأس العمل المصرفي طالما لديها القدرة على ذلك, مشيرة في نفس الوقت إلى أنها تشارك بفاعلية في صنع القرارات ووضع الخطط و البرامج المصرفية و تحديد السياسات العامة للبنك ضمن فريق العمل الواحد و بروح المسؤولية العالية.
و أضافت الريس أن إدارة البنك الذي تعمل به وفرت لها كل مقومات النجاح و الإرتقاء بعملها, و إستطاعت بمهارتها الإنتقال من مرتبة إلى مرتبة أخرى سريعاَ, فبعد أن كانت تعمل كمحاسبة عادية مثلها مثل الآخرين, أصبحت حالياَ نائبة المدير العام للبنك و مسئولة عن كافة فروع بنك فلسطين المحدود في غزة و الضفة, مشيرة في هذا السياق إلى أن البنوك الأخرى لم تمنح فرص متساوية للنساء العاملات فيها بقدر ما تمنحه للرجال مما يعيق وصولهن لمراكز صنع القرار فيها و يجعل عملهن مقصورا على أقسام الإستقبال و السكرتاريا و خدمات الجمهور و صناديق الصرف, مؤكدة رغم ذلك أن الصلاحيات تنتزع و لا تقدم على طبق من ذهب سواء للرجل أو المرأة, و بالتالي على النساء العاملات في البنوك عدم الإنتظار طويلاَ و عليهن التقدم للأمام و المبادرة و تطوير إمكاناتهن و قدراتهن فالإنتظار هنا لا ينفع بتاتاَ في عالم المال و الأرقام.
و عللت الريس أسباب لجوء إدارات البنوك لتعيين نساء للعمل ضمن الإستقبال و خدمات الجمهور و الصرف إلى أن النساء لديهن الجاهزية و الإستعداد للعمل في هذا المجال بتفان أكبر من الرجال, و يستطعن ترتيب و تنظيم العمل بدقة شديدة دون كلل أو ملل و يكون إنتاجهن غزيراَ, منوهة إلى أن إكتسابهن للخبرة الطويلة يؤدي إلى صقل شخصيتهن المهنية.
و أوضحت الريس أن شخصية المرأة العاملة في البنوك تلعب دوراَ كبيراَ في إرتقائها للمراتب الوظيفية العليا و تقلدها للمناصب القيادية, فالمطلوب من المرأة هنا التفرغ لعملها بشكل كامل, و أن تكون مجتهدة و نشيطة, و ألا يعكر صفو تفكيرها أي شيء سلبي, و من هنا تنبع أهمية تشغيل النساء غير المتزوجات "الأنسات" في البنوك و إستبعاد المتزوجات و عدم قبول طلبات تشغيلهن أو توظيفهن بإعتبار أن البنوك عملها دائم و لا يحتمل أي تأخير أو تأجيل, و أن المرأة المتزوجة يقل عطائها في العمل المصرفي الذي يحتاج إلى جهد كبير من حيث إعداد الميزانيات و إستخراج الكشوفات و إدخال البيانات و دراسة القوائم المالية و حضور الإجتماعات, مشيرة إلى أن المسألة هنا ليست تمييزاَ بقدر ماهي قدرة على العمل وعطاء.
و أشارت الريس أنها واجهت في بداية طريقها المهني صعوبات بسبب نظرة المجتمع للمرأة القيادية أو المسئولة, و كان هناك عدم تقبل من البعض, و قد يكون الأمر غير مستساغاَ من قبل بعض الرجال تلقي الأوامر و التعليمات من امرأة تتبوأ موقع قيادي عال و رفيع, فالمجتمع العربي عادة يرفض من حيث المبدأ فكرة أن المرأة مسئولة و تدير شؤونه, لذلك تطلب الأمر بعضاَ من الوقت من أجل القبول, مؤكدة أنها تدير شئون البنك ضمن صلاحياتها و مسؤولياتها و لا تفرق بين رجل و إمرأة, إنما يهمها بالدرجة الأولى مصلحة العمل و الإرتقاء به.

سياسات مجحفة :

أما نبراس بسيسو مدير عام المؤسسة المصرفية الفلسطينية في قطاع غزة أكدت على أن النساء لديهن المقدرة المهنية الكافية على إدارة و تشغيل البنوك, كونهن يتميزن بالدقة والكفاءة و المثابرة و المبادرة في العمل والقدرة على متابعة الأمور كل لحظة بلحظة و ذلك في حال توفرت لهن الفرصة المواتية لذلك, ولا سيما من لديها الخبرة الكافية في العمل المصرفي.
و عبرت بسيسو عن إعتقادها المليء بالتجربة في العمل البنكي و المصرفي أن النساء العاملات في البنوك لا يمنحن الفرص المتساوية المستحقة لهن لإثبات جدارتهن في العمل المصرفي وادارة البنوك، باعتبارهن يعشن في مجتمع شرقي ودائما النظرة للنساء تكون على أساس غير سليم ولا تؤخذ الأمور بالمهنية المطلقة, وكأن هناك خشية لدى البعض من صعود النساء لمراتب أعلى, و تطور قدراتهن المهنية.
و أوضحت بسيسو أن هناك عوائق كثيرة تحول دون إعتلاء النساء عرش البنوك أو الترقي في مراكزها الوظيفية المتعددة, منها على سبيل المثال لا الحصر, السياسات التي تتبعها البنوك وخاصة من البداية حيث ترفض البنوك توظيف أي إمرأة متزوجة و تشترط معايير و مواصفات خاصة تنسجم مع ظروف العمل و تتوافق مع مصلحة البنك, كذلك هناك النظرة الخاطئة و المشككة بقدرات و إمكانات المرأة على قيادة العمل المصرفي بالرغم من أن هناك تجارب نسوية ناجحة على هذا الصعيد, و أثبتت بعض النساء قدرات هائلة في إدارة البنوك و منهن من تتواجد على رأس عملها في الوقت الحاضر و في أعلى المراكز.
و إستبعدت بسيسو إقدام إدارات البنوك في الوقت الحالي منح النساء دور في اتخاذ القرارات والمشاركة في وضع السياسات والخطط البنكية وان تم ذلك يكون بنسبة ضئيلة جدا, و يخضع ذلك لسياسات البنوك التي يتم تطبيقها, لإعتقادها الخاطىء بعدم مقدرة النساء على العمل المصرفي و البنكي و بالتالي تلجأ هذه الإدارات كما في باقي القطاع الخاص على وضع النساء أو الفتيات في واجهة البنوك أو المؤسسات لإعتقادها أن ذلك يساعد في جلب أكبر عدد ممكن من العملاء أو الزبائن