أم عزباء أم امرأة عانس؟



عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2012 / 8 / 28

منذ قديم الزمان لا تزال الثقافة العربية تضحي بالمرأة وحقوقها وحرياتها وتلزمها أعباء إنجاب الذرية وتربية الأجيال وصون الجماعة وتعمير الكون. منذ قديم الزمان لا تزال الثقافة العربية تتحدث بالوكالة عن المرأة، لا تسمح لها أن تتكلم بنفسها عن حاجاتها وأفراحها وأحزانها ورغباتها وتطلعاتها. الثقافة العربية ترى في المرأة العربية أرضاً يرمي فيها الرجل بذرته، حتى تنمو وتقوى وتزدهر الجماعة. الرجل الفاعل، المرأة مفعول بها. المرأة تحمل في رحمها العالم. هكذا كانت ولا تزال، في نظر الثقافة العربية، أصل ثمين يجب حمايته والذود عنه بكل الوسائل. في خيال الرجل العربي، المرأة حياته، شرفه، إذا ضاعت ضاع منه كل شيء. من هنا كثرت القيود والسدود التي أقامها الرجل العربي حول امرأته العربية. من شدة حرصه عليها وتشبثه بها، يكاد الرجل العربي بجهله أن يزهق روح المرأة العربية.

المرأة العربية، مثل الرجل العربي والمرأة غير العربية في كل مكان آخر، هي كائن حي عاقل، وليست أبداً أصل مادي ثمين بحاجة إلى من يحميه ويدافع عنه. المرأة مثل الرجل تماماً لها كيان مستقل، والجماعة هي المنوط بها أن توفر للمرأة نفس الحماية التي توفرها للرجل، لا أن توكل إلى الرجل حماية امرأته كيفما ووقتما شاء. في الجماعة البشرية الحديثة، الرجل والمرأة كيانان مستقلان ومتساويان لا وصاية أو حماية لأحدهما على الآخر. مثلما أن الرجل البالغ يستطيع أن يعيش حياته مستقلاً ومستغنياً عن المرأة، كذلك المرأة البالغة تستطيع أن تعيش حياتها مستقلة ومستغنية عن الرجل. لا قوامة ولا وصاية من أي نوع على المرأة البالغة. الجماعة الوطنية الحديثة، عكس القبيلة البدائية القديمة، لا تميز ولا تفرق بين أبناءها على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد أو خلافه. في عالم اليوم، المرأة مساوية للرجل في كل شيء.

من منطلق هذه المساواة الطبيعية بين الرجل والمرأة، أصبح من حق المرأة أن تحصل على حقوقها وتمارس حرياتها الشخصية كاملة مثل الرجل، حيث لا يوجد أي اختلاف جوهري في الأصل البدني أو العقلي للرجل والمرأة يبرر في المقابل أي تمييز أو اختلاف جوهري في الحقوق والحريات والواجبات. ومما لا شك فيه أن المرأة تمتلك من الأعضاء والمشاعر والرغبات الجنسية قدر ما يملك الرجل منها، إن لم يكن يزيد. رغم ذلك، ظلت الثقافة العربية ولا تزال تعطي الذكر البالغ العربي الحق في أن يستخدم أعضائه ويشبع مشاعره ورغباته كما يشاء، بمجرد أن يستطيع الباءة، وبمبادرة شخصية كاملة. بينما ظلت الأنثى البالغة العربية طوال تاريخها ولا تزال محرومة بالكامل من تلك الباءة ومن المبادرة الشخصية، ومن ثم لا تزال محرومة من استخدام أعضائها الجنسية وإشباع مشاعرها ورغباتها، إلا أن تكون سعيدة الحظ ويطرق بابها ابن حلال. عدا ذلك، تظل البنت العربية بيتاً وقفاً خراباً، امرأة عانس- لا هي تشبع مشاعرها ورغباتها الشخصية ولا هي تعمر كوناً. في الثقافة العربية، المرأة العانس حشو حياتي، كأنها لم تكن، ويا ليتها لم تكن، في الأماني الدفينة لحراسها.

لابد من تمكين المرأة العربية البالغة وإعطائها مقاليد السيطرة والحكم على أعضائها ورغباتها وحياتها؛ لابد من عتق المرأة العربية المعاصرة من سجن الثقافة العربية القديمة المظلمة؛ لابد من عتق المرأة العربية من وقفها وخرابها وعنوستها، إلى فضاء الجماعة الطلق حيث الحركة والعمل والإنتاج والاختلاط وولادة المشاعر والحياة. لابد من إعطاء المرأة العربية نفس الحرية والمبادرة الجنسية التي يحتكرها الرجل العربي لنفسه بأنانية نادرة منذ آلاف السنين. آن الأوان لكي تخرج المرأة العربية إلى الحياة وتتحمل بنفسها المشاق والأعباء، مهما كانت ثقيلة. الحرية دائماً لها ثمن.

أيهما الأكثر خسارة مادية للجماعة ومرارة نفسية للمرأة: الأم العزباء أم المرأة العانس؟