التحرش بالنساء...وثقافة الغاب



دينا قدري
2012 / 9 / 14

حكم بالإدانة على إبراهيم خليل رئيس الإدارة المركزية للتنمية الرياضية ضمن بعثة مصر الرسمية الرياضية بلندن ...هذا وقد صدر الحكم بعد" ساعات " من تحرشه جنسياً بفتاة أجنبية....وقد تم تغريمه ماليا بعد أن أجبرته كاميرات المراقبة على الاعتراف بفعلته ...
**هذا الخبر الذي يندى له الجبين ...حيث أن المتحرش ليس بالشاب الأهوج كما أنه رجل يحتل منصبا رفيع المستوى...غير أن ماحدث كان في دولة أجنبية وهو في هذه الحالة لايمثل نفسه فقط وإنما يمثل دولته..يجعلنا نقف قليلا.. ثم نعترف هذا هو الفرق بين ثقافات قبل أن تكون مجتمعات..
**تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة التحرش في المجتمعات العربية....وإن كانت في مصر لها شأن آخرحيث تنامت هذه الظاهرة كما ونوعا ...فلم يعد الأمر يقتصر على الشباب والرجال فقط بل أمتد ليدخل الأطفال أيضا مضمار السباق مع أبناء جنسهم... وتقول عزة كامل منسقة مبادرة "فؤادة ووتش" المهتمة بظاهرة التحرش الجنسي في مصر :أن كل ثلاث ثوان تحدث حالة تحرش في المجتمع المصري....رقم مخيف لابد أن يستوقف أي إنسان يهتم بالكرامة الإنسانية قبل الاهتمام بالجانب الديني أو القيمي أوالمجتمعي...وحتى نحلل هذا الأمر على عجالة - حيث أننا نظن أنه لايكفيه المقام والمقال حقه اللازم من الدراسة – نبدأ أولا بتحديد مفهوم التحرش يعد التحرش شكلا من أشكال التفرقة العنصرية غير الشرعية، وهوأيضا شكل من أشكال الإيذاء الجسدي (الجنسي والنفسي) والاستئساد على الغير. بإدراك هذا المفهوم يتولد الاحساس بأهميته فنحن أمام( تفرقة عنصرية ) وأمام (إيذاء) وأمام ( استقواء ). لذا نجد أن المجتمعات الغربية -المتهمة بالتسيب في عرف الشرق - وضعت عقوبات صارمة على تهمة التحرش الجنسي وفق هذا المفهوم... وعلى الرغم من أن التحرش الجنسي يتضمن مجموعة واسعة من السلوكيات إلا أننا نركز على أخطر أنواعه : (الاعتداء الجسدي ) فلم يعد التحرش باللفظ أو بالتحديق والنظر يقنع وحش الرغبة في نفس المتحرش.
**وعن البطل الأول لهذه الظاهرة وهو (المتحرش ) عادة ما يكون إما شخصية مرضية أو عادية (وهذا هو الأغلب ) الذي يدفعه إلى هذا العمل المشين ظروف عارضة....وفي كل الأحوال فمن المؤكد أن كليهما مسؤول عن تصرفه مسؤولية كاملة ...كما أن المتحرش بها أيضا قد تكون شخصية هستيرية وفي هذه الحالة فهي تحرص على التشهير بالمتحرش بعد إغوائه.. وفي هذه الحالة سيكون كل منهما له نصيب متساو في حدوث التحرش....
التمييز بين الذكر والأنثى :
قد تكون هذه المقدمة الطويلة نسبيا مهمة لذكر دوافع التحرش في المجتمعات العربية مع تسليط الضوء على المجتمع المصري بوجه خاص حيث أنه وكما أسلفنا تزداد فيه حدة هذه الظاهرة خصوصا مع وصول الإسلام السياسي لسدة الحكم حيث أن المفاهيم المغلوطة عن علاقة الذكر والأنثى التي كانت قبل (أخونة مصر ) مجرد مفاهيم تختلف من شخص لأخر ومن بيئة لأخرى مع جهل شديد بالنظرة الدينية والقيمية لمفهوم الشرف والمسؤول عنه.... بالإضافة إلى التغذية الثقافية والمجتمعية على وجه العموم التي لها النصيب الأكبرفي تشويه هذه العلاقة وقصرها على زاوية الجنس.. مما أدى إلى أحساس دائم يشوبه الخوف بل والذعرتجاه كل منهما للآخر ..ممادفع الأنثى إلى اقتناع تام بالدونية بل وفي بعض الأحيان الشعور بالعار لأنها تحمل هذا الجسد وعليه فهي لاتجروء حتى على الشكوى لو تعرضت لأي صنف من صنوف الإيذاءالذكري..وفي المقابل نجد الذكرالذي اسعده مجتمعه الشرقي بامتيازات عديدة لم يطلبها تبدأ منذ نعومة أظافره وتتردد على مسامعه دائما عن أنه هو الأفضل مكتمل الدين والعقل هو المطاع من الأخت وأحيانا الأم وحتى الموظفة زميلته والمواطنة التي تشاركه المواصلات العامة ولا يجد غضاضة البته في أن يرفع صوته عليها أو يوجه لها الفاظ حادة أو حتى تمتد يده عليها بالاعتداء والضرب كل بحسب نشأته وثقافته....
**العودة إلى عصر الحريم:
هذه المفاهيم بعد وصول الإخوان والسلفيين للحكم والسيطرة على المواقع والمناصب الهامة لم تعد إختيارية...حيث بدأ العمل الجاد لردة فكرية تتعامل مع الأنثى على أنها "جسد " يحمل الغواية إينما حل وعليه فلابد أن تختن ولابد أن تتسربل بالسواد لأنها الفتنة النائمة..وأمتلأت المساجد بالخطب التي تدعوالرجل إلى تحجيم هذا "الجسد" وإقصائه عن العمل والتأكيد الدائم على أن المرأة كلها عورة صوتا وصورة بل وتوصيفه بعدم النخوة وأنه ديوث إذا لم يحرص على وأد أنوثتها...وفي ذات الوقت يتم التغافل عن مسؤولية الذكر تجاه المحافظة على شرفه وكرامته بعدم الانسياق وراء نزواته ورغباته وخلق الأعذار له عند وقوع الخطيئة باعتباره أنه قد غرر به وكأنه لا ضمير له يحاسبه على فعلته ولا خلق ينهيه عن الخطأ ولا عقل يمنعه من يؤذي نفسه وغيره....وبدأنا نسمع عن عودة لأنواع من الزواج هو أقرب منه إلى الزنى (ملك اليمين ) تعامل فيه المرأة كجارية مملوكة للرجل...ويضيق المقام عن ذكر الكثير والكثير مما أدى إلى المزيد من استحلال كرامة الأنثى ....حيث أصبح الذكر راضي الضمير تماما عن أن هذا المخلوق ( الأنثى ) لم يأت إلا لمتعته ولخدمته فهي وعاء لشهوته وأطفاله......
**السعار الجنسي :
ونسمع أن من أسباب التحرش تأخر سن الزواج وانعدام الأمل في القدرة على القيام بأعبائه...مما يؤدي إالى التحرش بالفتيات والنساء في سبيل الحصول على لذة مسروقة خاطفة...تخفف من مشاعر الحياة النابضة في العروق الملتهبة...وظننا أن هذه الدعوى غير صحيحة لأن الرجل المتزوج أيضا يتحرش أما من لم يتزوج فهوعلى مر العصور السابقة والتالية لم ولن يعدم وسيلة شرعية أو غير شرعية ينفس بها عن حالة السعار الجنسي الدائم الذي يعانيه نتيجة ثقافة الكبت والحرمان فهو ممنوع من الاقتراب صغيرا من جارته الطفلة ومن زميلة الدراسة في المدرسة حتى عندما يختلط بها شابا في ساحة الحرم الجامعي فلا مجال لعلاقة طبيعية بينهما فهاجس اللذة المحرمة لايكف عن النباح وكأن العقل الذي تشبع بفكرة (الشيطان ثالثهما)عجز عن تصور أي علاقة تقوم على الاحترام المتبادل ....
**من آمن العقاب أساء الأدب :
ولأن الأنثى هي المتضرر الوحيد في حالة التحرش على الأغلب ...فهي تنأى بنفسها عن التبليغ عن هذه الحالات حيث يمنعها بالدرجة الأولى يقينها بأنها لن تأخذ حقها كاملا ... أولا: إلى الآن لم يتحدد توصيف للتحرش يدان به المتحرش ويسن له قانون يعاقب به ... ثانيا : الثقافة المجتمعية تفرض على الأنثى أن تجتهد في أخفاء هذا الحدث لأن المجتمع عادة لا يتعامل معها على أنها ضحية بل يتعامل على أنها مسؤولة عن حدوثه فأن لم تكن ملابسها فقد تكون مشيتها وقد تكون زينتها المهم أنها لن تنجو من التوبيخ على أقل تقدير... ثالثا : كانت الجهات المنوطة ترى أن التحرش أمر تافه لايستحق أن تلتفت إليه إعلانيا وتعليميا ودينيا ونتقيفيا فيكفي أن يشدد على الفتاة في أمر الزي أما الفتى فكيفيه أن يوبخ بمن يظبطه متلبسا بالأمر من بعض المهتمين من عامة الناس من الرجال إن وجد والآن بوصول أصحاب الدقون إلى الحكم فالأمر أصبح أكثر صعوبة في تقدير مدى بشاعة التحرش على نفسية الأنثى وعلى مشاعرها...فالكثير منهن أصبحن يسرن خائفات واجلات يحمدن الله عند العودة إلى منازلهن سالمات بل إن منهن من يحملن الصواعق أو أي سلاح يحمين بهن أنفسهن بعد أن ضحى بهم أولي الأمر لقمة سائغة يلوكها الصغير قبل الكبير...
.ومن العجب العجاب أن الدول التي يدعونها المتأسلمين "بلاد الكفر" لاتقبل أن تهان فتياتها ونساؤها فلا هوادة مع المتحرش مهما كان منصبه ومكانته ومن هؤلاء موشيه كاتساف رئيس اسرائيل الثامن لإسرائيل الذي كان من أصل إيراني الذي عوقب بالسجن سبع سنوات بتهمة التحرش والاغتصاب...كما وصم بيل كلينتون أيضا رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم بهذ الفعل المشين...
---- خلاصة الأمر سيظل التحرش موجودا مالم ينظر إلى المرأة نظرةعادلة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات وأن تنتفي تماما فكرة النظر للمرأة على أنها محظية الرجل يستمتع بها متى ما شاء وأينما شاء وكيفما شاء...بل لابد أن تحفظ حقوقها دستوريا وقانونا على أنها كيان إنساني جدير بالحب والاحترام والرعاية النفسية قبل الرعاية المادية....ومن المؤكد أننا نحتاج إلى كثير من الوقت لتغيير الثقافة المجتمعية للرجل والمرأة على حد سواء..