القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة



عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2012 / 10 / 5

ثمة أسطورة بدائية قديمة ومنقرضة الآن في ثقافة العالم المعاصر: أن إلهاً في السماء خلق الإنسان (الرجل) من طين، ثم من ضلع من ضلوعه خلق له المرأة. من هذا المنطلق، المقدمات غير المتساوية تؤدي بالضرورة إلى نتائج غير متساوية أيضاً. من ثم يصبح من غير المنطقي إدعاء إمكانية قيام واستمرار أي علاقة مساواة وندية بين الإله الخالق من جهة وخلقه من الرجال والنساء في المقابل، أو بين الرجل المخلوق من مادة الطين والمرأة المخلوقة من ضلع من الرجل. المنطق المستقيم، حسب الأسطورة، يقتضي أن يسلم كل من الرجل والمرأة الطاعة للإله الخالق سبب وجودهما، وتسلم المرأة الطاعة للرجل الأصل حيث كانت مادة وجودها.

إلى هذا الأساس الأسطوري، لا تزال الثقافة العربية حتى اليوم ترجع وتبرر كافة أشكال التمييز التي تدعيها وتمارسها ضد النساء. بحجة الاختلاف البين في الطبيعة الجسدية لكل من الرجل والمرأة، العائد أصله إلى الاختلاف المزعوم في مادة الخلق الأول، لا تزال الثقافة العربية تنظر إلى المرأة كما لو كانت حقيقية مجرد جزء من ضلع من الرجل، لا كيان كامل شاعر ومستقل بذاته مثل الرجل. الرجل يمكن أن يُذكر (يعمل ويعيش ويتزوج ويطلق ويسكن ويتنقل ويقيم ويسافر في كل الدنيا ويترفه ويلعب ويستمتع...وكل شيء) وحده، بينما المرأة لا تُذكر إلا إذا ذُكر الرجل، كأن قيمتها، مثل صنعتها الأولى، مشتقة من قيمة الرجل وهي، من دون رجل، تكاد لا تساوي شيئاً.

على سبيل المثال لا الحصر، لا تزال الثقافة العربية (1) تورث المرأة نصف ما تورث الرجل، (2) تعطي المرأة أهلية قانونية نصف ما تعطي الرجل، (3) تحرم المرأة من كثير من مجالات التعليم وتجعلها حكراً على الرجل، (4) تحرم المرأة من أغلب الحرف والمهن والوظائف وتجعلها حكراً على الرجل، (5) لا تحمي المرأة من الضرب وسوء المعاملة والعنف المنزلي، (6) لا تحمي المرأة من استغلالها اقتصادياً من قبل الرجل، خاصة في المناطق الريفية والفقيرة، (7) لا تسمح للمرأة بحرية الحركة والتنقل والسفر مثل الرجل، ولا حتى قيادة السيارة وحدها في بعض البلدان، (8) لا تسمح للمرأة بالترفيه وممارسة الرياضة باستقلالية وعلانية مثلما تجيز للرجال، (9) تجبر الفتيات على الزواج في سن مبكرة، دون رضائهن أو إدراكهن للمسؤولية في أحيان كثيرة، (10) تنظر إلى المرأة على أنها غواية، مخلوق حيضي غير طاهر، نجاسة تنقض طهارة الرجل في الحياة الدنيا وربما تدخله جهنم وبئس المصير في الآخرة، (11) تفصل وتعزل بين الجنسين كما لو أن أحدهما سيفترس أو يهلك الآخر، (12) تحرم المرأة من حقوق العصمة والولاية وتجعلها حكراً على الرجل....الخ.

في المقابل، ثمة ثقافة عالمية حديثة تنظر إلى المرأة نظرة مختلفة تماماً، تتخذ مرجعية لها عدداً من الاتفاقيات والمواثيق والإعلانات والعهود والمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي تسهم في صناعتها جهود دول العالم أجمع من خلال منظمة الأمم المتحدة، وتجسد أرفع وأعظم المثل والمبادئ والقيم الإنسانية الصالحة للتطبيق والساعية إلى المساواة الكاملة والرفاهية والعدالة لكل البشر دون أي تمييز من أي نوع. من هذه الذخيرة الإنسانية المضيئة، سوف أستعرض هنا "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" التي توضح في مقدمتها أن "في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979 اتخذت خطوة رئيسية نحو تحقيق هدف منح المرأة المساواة في الحقوق عندما اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وتضع هذه الاتفاقية المؤلفة من 30 مادة، في قالب قانوني ملزم، المبادئ والتدابير المقبولة دولياً لتحقيق المساواة في الحقوق للمرأة في كل مكان." كما أن هذه الاتفاقية "تدعو إلى سن تشريعات وطنية تحرم التمييز، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، وباتخاذ خطوات تستهدف تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى إدامة هذا التمييز."

في الديباجة، تلفت الاتفاقية إلى "أن ميثاق الأمم المتحدة يؤكد من جديد الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية،" وتلاحظ أن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد مبدأ عدم جواز التمييز، ويعلن أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، بما في ذلك التمييز القائم على الجنس،" و"تشير إلى أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان وعقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية، و"تدرك أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة،".

في المادة 1، تعرف الاتفاقية مصطلح "التمييز ضد المرأة" على أنه "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة، بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق أو تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية." وفي المادة 2، تنص الاتفاقية على أن "تشجب الدول الأطراف كافة أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقاً لذلك، تتعهد بالقيام بما يلي: (أ) تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو التشريعات المناسبة الأخرى...؛ (ب) اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة؛ (ج) إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى، من أي عمل تمييزي؛ (ه) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة؛ (و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضد المرأة؛ (ز) إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة."

في المادة 4، تورد الاتفاقية أن "لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً كما تحدده هذه الاتفاقية...ولا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الأمومة...إجراء تمييزيا." وفي المادة 5، تلزم الاتفاقية الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير المناسبة لتحقيق: "(أ) تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة؛ (ب) كفالة أن تتضمن التربية الأسرية تفهماً سليماً للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم...."

في المادة 9، تشترط الاتفاقية أن "تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها." وتنص في المادة 10 على أن "تكفل للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في ميدان التعليم" وأن تكفل لها على وجه الخصوص، و"على أساس تساوي الرجل والمرأة: (أ) نفس الظروف للتوجيه الوظيفي والمهني، وللوصول إلى الدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية من جميع الفئات، في المناطق الريفية والحضرية على السواء؛ وتكون هذه المساواة مكفولة في المرحلة السابقة للالتحاق بالمدرسة وفي التعليم العام والتقني والمهني والتعليم التقني العالي، وكذلك في جميع أنواع التدريب؛ (ب) توفير نفس المناهج الدراسية، ونفس الامتحانات وهيئات تدريسية تتمتع بمؤهلات من نفس المستوى ومبان ومعدات مدرسية من نفس النوعية؛ (ج) القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكاله عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم؛ (د) نفس الفرص للاستفادة من المنح التعليمية وغيرها من المنح الدراسية؛ (ز) نفس الفرص للمشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية؛

في المادة 15، تنص الاتفاقية على أن "1- تمنح الدول الأطراف المرأة المساواة مع الرجل أمام القانون. 2- تمنح الدول الأطراف المرأة في الشؤون المدنية أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، ونفس فرص ممارسة تلك الأهلية. وتكفل للمرأة، بوجه خاص، حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في إبرام العقود وإدارة الممتلكات، وتعاملها على قدم المساواة في جميع مراحل الإجراءات المتبعة في المحاكم والهيئات القضائية. 3- توافق الدول الأطراف على اعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك الخاصة التي لها أثر قانوني يستهدف تقييد الأهلية القانونية للمرأة باطلة ولاغية. 4- تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم."

في المادة 16، تنص الاتفاقية على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية" وعلى أن تضمن بشكل خاص و"على أساس تساوي الرجل والمرأة: (أ) نفس الحق في عقد الزواج؛ (ب) نفس الحق في اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل؛ (ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه؛ (د) نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها؛... (ه) نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق؛ (و) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم.... وأخيراً تنص الاتفاقية على أن "لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمراً إلزامياً."