مصادرة حرية المرأة، مصادرة للحريات العامة



مهند البراك
2012 / 11 / 6

لم يأتِ حق المرأة بالمساوات من فراغ، و هو لايعود الى ايديولوجيا او احزابٍ بعينها فقط . . و انما هو نتاج قرون طويلة من صراعات انسانية من اجل تحقيق عدالة اجتماعية و من اجل عائلة و طفولة سعيدة تضمن رقي المجتمعات و خيرها و رفاهها . . بتطوّر المرأة و موقعها.
و يرى متخصصون ان الصراع من اجل احقاق الحقوق الانسانية و المساوات، اسفر عن استجابة الحكام العادلين لذلك، و اسفر عن نجاح الثورات التي انتصرت للانسان، اضافة الى بروز المصلحين الدينيين و نجاح الاصلاحات التقدمية التي عالجتها وفق رؤيتها و زمانها، ادّت بالتالي الى لوائح حقوق الانسان التي تبنتها هيئة الامم المتحدة التي تضم عضويتها دول العالم.
و يشدد آخرون ان الحقوق التي حصلت عليها المرأة لم تأتِ نتيجة صدقة او رحمة من جهة ما، و انما بسبب تزايد الدور الحضاري و الاجتماعي للمرأة سواء في العائلة او في المجتمع، حيث تبؤأت المرأة مواقع قيادية في مجتمعات و دول و حركات سياسية و برزت في علوم و آداب، و صلت الى الفضاء و الذرّة . . حيث قدّمت و تقدّم بجهودها مجتمعاتها الوطنية و عموم المجتمع البشري . .
و قد برزت النساء في مجتمعات الدول الاسلامية، عبر انواع الصراعات و اخطرها و رغم انواع التقاليد التي قيّدت حريّتها . . فبرزت منهن وجوه و قائدات سياسيات مهما كانت احزابهن و حركاتهن التي عبّرت عن تطلعات و آمال قطاعات شعبية واسعة في بلدانهن . . كالمعاصرات المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، الفلسطينية ليلى خالد، الكوردية ليلى زانا، العراقية هناء ادور، السودانية فاطمة ابراهيم، المصرية د. نوال السعداوي، الايرانيتان فائزة رافسنجاني و مريم رجوي . . و غيرهن العشرات من مسلمات و غير مسلمات في تلك الدول من ابرز المناضلات في سبيل حريات شعوبهن و قضاياها العادلة من وجهات و زوايا متنوعة، و برزت منهن رئيسات دول اسلامية كـ السيدات ؛ سوركارنو في اندونيسيا، بوتو في الباكستان، شيلر في تركيا . . و لم يسجّل لبلدانهن خروجاً عن الدين او المذهب . . بل بالعكس.
و في بلادنا حققت المرأة على مرّ عهود . . نجاحات خدمت المجتمع و عملت على تطويره من خلال دورهن في العائلة، و من مواقعهن الوظيفية من معلمات و مدرّسات، مهندسات و طبيبات، اديبات و مفكرات، اكاديميّات و فنانات . . الى سياسيات، مناضلات بارزات و شهيدات تخلّدن من اجل حرية و ديمقراطية البلاد في نضالهن الباسل ضد الدكتاتورية و نضالهن كتفا لكتف مع الرجل من اجل بديل للدكتاتورية، بديل ديمقراطي تقدمي اجتماعي، و من مختلف القوميات و الاديان و الطوائف و مختلف الاتجاهات الفكرية . .
من جهة اخرى، و في مناسبة و غير مناسبة و فيما يعتمد المتنفذون في الاسلام السياسي في العراق باطلاً "الاخلاق" لمهاجمة المرأة و انصار حريتها و كرامتها، ناسين او متناسين مقومات صيانة الاخلاق . . يرى العديد من المراقبين السياسيين المحايدين و الكتاب و الصحفيين و وجوه من المجتمع، ان التدهور الاخلاقي على يد الميليشيات المسلحة السنيّة و الشيعية و عصاباتها قد بلغ حداً في البلاد لم يصله في السابق . . بدلالة تزايد وجود الاطفال اللاشرعيين الذي بلغ حدوداً لا يمكن ان تليق بمن يحكم باسم الدين او المذهب، و انما تسئ اليهما . .
حيث تشير وكالات و وسائل اعلام متنوعة الى المعاناة المؤلمة لعشرات الالاف من النساء الارامل و اطفالهن بسبب الفقر، و معانات آلاف الامهات الشابات اللواتي اغتصبن او جرى تزويجهن بالتهديد و بقوة السلاح من رجال لم يعرفن حتى جنسية قسم كبير منهم ناهيك عن اسمائهم الحقيقية في بلاد يشكّل فيها النساء غالبية السكان، بسبب الحروب و الارهاب و صدامات الميليشيات الطائفية و غيرها من الميليشيات المسلحة التي كان ضحاياها من الرجال بشكل عام . .
و يصف ناشطون متنوعون كثيرون الى ان محاولة فرض الحجاب على النساء أو السعي الى تقييد الحريات العامة والخاصة، بكونها مخالفة صريحة للدستور الذي كفل الحريات العامة والخاصة، و ان رجال دين وأحزاباً إسلامية وزعامات عشائرية قبلية تمنع دخول السافرات الى مناطق، و تمنع اقامة الحفلات الغنائية والموسيقى فيها . . وفي تناقض يحمل انواع التفسيرات يُمنع بيع المشروبات الكحولية فيما يُشجّع او يُغضّ النظر عن تزايد تداول و تعاطي المخدرات . . في مناطق تزداد اتساعاً من البلاد رغم مرور 10 سنوات تقريباً على التحول المفترض نحو الديموقراطية .
و دون مناسبة او حدث ما، و في الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد . . تأتي دعوة الشيخ الاعرجي امام جمعة الكاظمية، للحكومة الى ( منع النساء السافرات من دخول مدينة الكاظمية واحترام قدسيتها و . . طالبنا مراراً وتكراراً الحكومة العراقية والجهات المسؤولة بأن تصدر قراراً يقر اللاءات الأربع في الكاظمية وهي لا للتبرج ولا للغناء ولا للخمر ولا للقمار حتى نحافظ على قدسية المدينة لأنها تحتضن الإمامين المعصومين الكاظم والجواد) و قال مهدداً بـ ( اللجوء إلى الضغط الشعبي الإسلامي على الحكومة التي تدعي الإسلام والتشيع ) . .
و يتساءل كثيرون عمّا يعنيه الشيخ و عمّاذا يريد، فالحضرة الكاظمية و مراقدها المقدّسة مصانة و محترمة قدسيتها من كل فئات الناس من البلاد و منذ زمان طويل، و الزائرون اليها تمنعهم ذواتهم و احترامهم للائمة من كل ما يعكّر صفو ذلك . . و يتساءل آخرون هل من وراء ذلك دعوة لإشاعة المزيد من الطائفية او انها ارضاء لجهة اقليمية ما . . لأن من عاش و يعيش في قضاء الكاظمية الفسيح يعرف و منذ زمان و عهود ان لا نادي فيها للخمر او القمار، او للرقص و الموسيقى بل و حتى لاسينما و لا مسرح فيها، و يصلون الى ان الغاية من ذلك ليس الاّ محاولة لفرض الحجاب على النساء و السعي الى تقييد الحريات العامة والخاصة في اطار توسيع ذلك التوجه الشمولي في العاصمة بغداد، و كما سبق ذكره .
و بسبب ما احدثت تلك التصريحات من ضجة و مطالبات لحكومة المالكي للوقوف بوجهها، من وجوه اجتماعية و سياسيين و برلمانيين و منظمات مجتمع مدني رجالا و نساء . . استناداً الى الدستور الذي ينصّ على مواد يفترض أنها تحمي الحريات الشخصية والعامة، إذ تنص المادة الثانية منه على أنه " لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية "، كالمادة الخامسة عشرة " لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية". و المادة 17 " لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية "، و ألزمت المادة 37 الدولة بـ " حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني ".
و يحذّر مراقبون من ان تلك الدعوات، تثير مخاطر عملية، بسبب وجود احزاب منظّمة تقود و تشارك في قيادة الدولة و الحكومة، و لها اعضاء ينشطون و يتدربون على جعل الانحياز الطائفي و الديني سياسة و نظاماً شمولياً . . دخلت و تدخل عليه اساليب احزاب و منظمات ارهابية كالقاعدة و العصائب و غيرها من قوى اقليمية .
و تزداد التساؤلات عن . . هل ان تلك الدعوات و امثالها كالفتوى التي اطلقها شيخ معمم آخر، و افادت بـ ( انتقام الامام الغائب من الاكراد ان ظهر) . . هل تهدف تلك الدعوات و الفتاوى الى اعاقة جهود ناشطين في محاولتهم لإخراج احزابهم الاسلامية الشيعية و السنية من فخ و محن الطائفية، اثر ازدياد السخط الشعبي عليها ؟ بعد ان لم تؤدِّ محاصصاتها الاّ الى خراب البلاد و العباد، رغم جهود مخلصة تبذل في اطارها بلا جدوى ملموس حتى الآن . . و امام مايحصل يتساءل باحثون، هل لايزال البعض يعتقد ان الموقف من حقوق المرأة، هو موقف ديني مذهبي اخلاقي، ام هو موقف سياسي ؟؟

6 / 11 / 2012 ، مهند البراك