المرأة في ثقافتنا الشعبية!



جواد البشيتي
2012 / 11 / 10

"لقد ضَحِكَت عليه امرأة"!
وهذا القول، الذي ليس لي؛ وإنَّما لأحد أصدقائي، فيه من المعنى ما يُجيز لي صَوْغِه على نحوٍ كالآتي: "يكفي ذاك الرَّجُل عاراً أنَّ امرأةً ضَحِكَت عليه (أيْ خَدَعَتْه وخَتَلَتْه في ذاك الأمر)".
الجُمْلَة، أيْ هذا القول، قالها صديق لي في مجلسٍ من أصدقاء وأقارِب ضمَّ نساءً أيضاً؛ وكان يتحدَّث عن رَجُلٍ تمكَّنت امرأة من أنْ تَضْحَكَ عليه في أمْرٍ تجاري؛ لكن ما أدهشني أكثر أنَّ جُمْلَتِه نزلت برداً وسلاماً على معشر النساء في المجلس، وكأنْ ليس فيها من المعنى السيِّء (أيْ المسيء إلى مكانة المرأة في مجتمعنا) ما ينبغي له أنْ يُثير حفيظتهنَّ؛ فاضطَّرني موقفهنَّ (أيْ عدم اعتراضهنَّ على قوله) إلى أنْ أوضِّحه وأشرحه لهنَّ قائلاً إنَّ جُمْلَتِه تشبه لجهة معناها أنْ يقول أحد الرِّجال إنَّ إنساناً (هو المرأة) ينبغي له أنْ يستبدَّ به الشعور بدونيته، وينبغي لنا نحن معشر الرِّجال أنْ نَنْظُر إليه، وأنْ نعامله، بما يوافِق ذلك، قد أتى بأمرٍ خارِق إذْ ضَحِكَ على رَجُلً، أيْ على إنسانٍ ينتمي إلى "نوعٍ من البشر" هو الأعلى مكانةً وشاناً؛ فَيَا للعار، ويا للهول!
وأَذْكُرُ أنَّ رَجُلاً قال لأحد أقربائه، في مَعْرِض تعزيته له في وفاة زوجته، إنَّ رَجُلاً بلا امرأة (أيْ بلا زوجة) لا يساوي امرأة!
في المجلس نفسه، تشعَّب الحديث، وتفرَّع، وإنْ ظلَّ مداره المرأة من وجهة نظر الرَّجُل، أيْ كما يراها ويفهمها ويُفَسِّرها؛ فلمَّا أتى أحدهم بتصرُّفٍ (اجتماعي) حَسَنٍ، مُجامِلاً زوجته، وكأنَّه يريد أنْ يقول إنَّه مُخْتَلِفٌ، أو أكثر تَحضُّراً في معاملته المرأة، مازَحَتْه سيِّدة مُسنَّة قائلةً له "يبدو أنَّكَ تأكل جَزَراً كثيراً"، أيْ أنَّه كـ "الأرنب" لدى زوجته!
إنَّها "ممازَحة"؛ لكنَّها مفعمة بالجاد من المعاني؛ فهذه المرأة المُسنَّة تَفْهَم "الطبيعي" و"العادي" و"الشَّرعي" من العلاقة بين الزَّوْجين على أنَّه الذي فيه نرى الزَّوج "أسداً"، بكل ما يعنيه "الأسد" من قوَّة وبأس وشجاعة وسطوة، والزَّوْجة "أرنباً"، بكل ما يعنيه "الأرنب" من ضعف وخضوع واستكانة ووَجَل!
ضَحِكَ الرَّجُل، الذي صُوِّر ممازحةً على أنَّه مُكْثِرٌ من أكل الجَزَر، وهَزَّ رأسه تعبيراً عن إقراره رأي السيِّدة المُسنَّة فيه؛ لكنَّ زوجته أبَتْ إلاَّ أنْ تخالفهما الرأي، مدافعةً عن زوجها، وعن نفسها، بما يقيم الدليل على أنَّه هو "الأسد"، وهي "الأرنب"!
أمَّا هو، أيْ "الزوج ـ الأسد"، وإنْ فضَّلَ، مجاملةً أنْ "يتأَرْنَبَ" في الظَّاهر، فأبى إلاَّ أنْ يأتي بالدليل على أنَّه هو وحده "الوالي والآمِر النَّاهي (في عرينه)"، فقال، وكأنَّه يُعْلِن "قراراً سيادياً" إنَّه وزوجته سيصوِّتان في الانتخابات النيابية المقبلة لمصلحة قريبه المرشَّح؛ فهذا أمْرٌ لا رأي للنساء فيه.
إنَّه السيِّد الحُرُّ في خياره، أو قراره، السياسي ـ الانتخابي؛ لكن ما أنْ توسَّعْنا في الحديث عن الانتخابات النيابية المقبلة (والتي صلة "المرشَّح" فيها بـ "الناخِب" تشبه كثيراً تلك الصِّلة الأُسَريَّة) حتى سَمِعْتُ من صاحبنا كلاماً عن قريبه المرشَّح، إنْ أردتُّ أنْ اتَّخِذ من المنطق طريقاً إلى الاستنتاج منه لاسْتَنْتَجتُ أنَّ قريبه المرشَّح غير صالحٍ لـ "النيابة (الصالحة)"؛ ومع ذلك قرَّر (وقرَّر عن زوجته) انتخابه!
تحدَّثْنا كثيراً عن علاقة الرَّجُل بالمرأة في مجتمعنا؛ وبقانون "تداعي المعاني"، أو بقانون "الشيء بالشيء يُذْكَر"، تَذَكَّرْتُ العلاقة بين "السلطة التنفيذية" و"البرلمان" عندنا، وكيف تُجامِل تلك السلطة البرلمان في كلامها (الموزون والمُقفَّى) عنه، وتتغنَّى به وكأنَّه الشِّعْر، وتُلْبِسه من الصِّفات الحسنة ما يجعله في "شكلٍ" مناقِضٍ لـ "مضمونه الواقعي الحقيقي"، وكأنَّها تحرص على الإتيان بكل "تأكيدٍ" يفيد "النَّفي"!
إحداهُنَّ، وكانت صَبِيَّة، احْتَجَّت على ضآلة تمثيل النساء في البرلمان، فتساءَلَتْ مُسْتَنْكِرَةً: "كيف للمرأة، والتي هي نصف المجتمع، أنْ تَقْبَل هذا التمثيل الضئيل الهزيل لها في البرلمان؟!".
أحد الرِّجال المتعصِّبين لـ "برلمان يهيمن عليه الرِّجال"، ردَّ عليها قائلاً: "ولِمَ تَحْتَّجين؛ فَمُعْظَم الناخبات من النِّساء يُدْلي بصوته للرِّجال من المرشَّحين".
الرَّغبة في تصويب بعض المفاهيم تملَّكَتْني، فَقُلْتُ له: "لو أَعَدتَّ تعريف الرُّجولة بما يَجْعَل معناها السياسي مهيمِناً على تعريفها لانتفَت حيثية الاحتجاج على برلمان يُهَيْمِن عليه الرِّجال".
والبرلمان عندنا إنَّما يُمثِّل "الأقلِّيات"؛ و"المرأة"، التي هي نصف المجتمع، تظلُّ، في مجتمعنا، "أقلِّية سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية"؛ وهي، بصفة كونها "أقلِّية سياسية"، تتساوى مع "الأحزاب السياسية"، لا بل تتساوى مع "الأكثرية النيابية"!
مفردات السياسة في كلامنا خالطها كثيرٌ من مفردات الحُبُّ والعشق؛ فـ "الرَّجُل ـ الأسد" يُحِبُ ويعشق، لا بَلْ يَعْبُد، زوجته التي ليست "لَبْوَة"؛ والسلطة التنفيذية تُحِبُّ وتَعْشَق، لا بل تَعْبُد، البرلمان الذي ليس بهيئة وخصائص "اللبْوَة"؛ فَرَحِم الله فولتير، فلقد أحْسَن وَصْف جوهر العلاقة بين الرَّجُل والمرأة إذْ قال: "إنَّ المرأة تظل معبودة الرَّجل ما ارتضت أنْ تبقى له عَبْدة"، فإنْ هي طلَبَت الحرية، وسعت إليها، وشرعت تنادي بحقوقها، وتنتصر لها، غَدَت "شيطاناً رجيماً"، كمثل البرلمان إنْ تمرَّد وشَقَّ عصا الطاعة، وأراد أنْ يكون عَيْناً تُبْصِر، وأُذْناً تسمع، ورأساً تُفكِّر، ويداً تهدم وتبني!