في وحدانية وسماوية الجسد والمرأة



عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2012 / 11 / 18

من الطبيعة أن أنا الرجل الطبيعي أحب وأشتهي المرأة الطبيعية، تماماً مثل أن المرأة الطبيعية لابد أن تحب وتشتهي الرجل كما يشتهيها هو بالضبط. الرجل يشتهي جسد المرأة جنسياً، والمرأة مثله بالكامل تشتهي جسد الرجل جنسياً. هي علاقة طبيعية حميمة، يقتضيها إشباع الاحتياجات الجسدية والنفسية الطبيعية لدى البشر وتجنبيهم أمراض وتشوهات الحرمان. ما يناقض الطبيعة فعلاً ويتحول إلى الانحراف والشذوذ أن يكون محل الرغبة والشهوة الجنسية للرجل رجلاً آخر مثله، أو للمرأة امرأة أخرى مثلها، أو حيوان أو أمنيات أو أحلام نوم أو يقظة مكبوتة ومحرومة وخرساء. حتى لو كانت هذه الانحرافات تحقق إشباعاً جزئياً، لا شك أن هي لا توصل أبداً إلى الصحة والسواء والانسجام مع النفس والطبيعة وقوانينها، لأن الطبيعي دائماً، سواء وسط البشر أو بقية الأنواع الحيوانية الأخرى، هو الالتقاء والالتحام والولوج بين ذكر وأنثى ليفرغ كل منهما مخصباته وشحنته العاطفية في جسد الآخر. ليس أي فرق أو اختلاف على الإطلاق بين رغبة وشهوة الذكر في الأنثى أو الأنثى في الذكر. كل منهما، في حالة السواء الطبيعية، يرغب ويشتهي الآخر بنفس الدرجة والقوة. ليس أحب إلى الرجل السوي من جسد امرأة؛ كما ليس أحب إلى امرأة سوية من جسد رجل. هكذا كل الرجال؛ وهكذا أيضاً كل النساء، لأن هكذا هي أعضاءهم واستعداداتهم الطبيعية كلهم. لماذا والواقع الصحيح كذلك يسعى بعض الرجال وبعض النساء جاهدين لإخفاء وإنكار أجساد كل منهم الآخر، كما لو كانت عفناً ومهلكة لابد من تفاديها بكل السبل؟ هل لم توضع فيهم ذات الأعضاء الجنسية ورغباتها وشهواتها الموجودة في كل البشر؟

هي موجودة لديهم مثل كل البشر والحيوانات الأخرى في الطبيعة. في الحقيقة، هؤلاء المنكرون المانعون أكثر حباً للجسد وهياماً به والتهاماً له، لكن في الخفاء وبشرط خاصة. مثل هؤلاء الرجال والنساء من شدة حرمانهم ورغبتهم غالباً يكونون شهوانيين، لا يكتفون بزوجة واحدة ولا برجل واحد. هم التعدديون جنسياً. هذا التناقض بين شدة الرغبة وشدة الإخفاء والإنكار مرده الحرمان والهيام الذي وصل حد الهوس بجسد الجنس الآخر. من شدة انجذابي نحو المرأة وفتنتي بها، أخاف أن لا أستطيع التحكم في نفسي لأقع في سحرها وفي الخطيئة، ما قد تترتب عليه خسائر في السمعة والعرض والتجارة. في الحقيقة، ما يشيطن جسد المرأة في التراث العربي ليس هو كره المرأة. على العكس تماماً، من شدة حب الرجل العربي للمرأة وغرمه بها وشعوره بالحرمان منها، أصبح بمرور الزمن يخاف الاقتراب منها؛ وهي أيضاً التقطت العدوى منه وأصبحت تخافه. على هذا الأساس المصطنع، تراكمت وترسخت ثقافة الفصل والعزل التعسفي بين الجنسين، التي تغذي بدورها مشاعر الخوف والاغتراب بين الذكر والأنثى، لتتسع العزلة أكثر في دائرة ذاتية الاستدامة. كما كان الفصل والعزل التعسفي بين الرجل والمرأة في الثقافة العربية القديمة حلقة أصيلة في تلك الدائرة المصطنعة، كذلك أسطورة الجسد والروح. من هذه الأسطورة، يمكن بسهولة الاستنتاج أن المرأة دائماً تقف رمزاً لهذا الجسد الدنيء النجس، بينما الرجل يجسد الروح السامية الطهارة. لولا الفصل غير المؤيد من الطبيعة بين الذكور والإناث، ما كانت نشأت أبداً أسطورة الجسد والروح، أو التقسيم التعسفي للعالم بين المادي والروحاني؛ ودائماً المتكلم الرجل العربي يوازي نفسه مع الروح، وثقافته ودينه وحضارته مع الروحانية، السماوية.

لا وجود أبداً لرجل من دون امرأة، ولا امرأة من دون رجل. كذلك لا يمكن أبداً أن توجد روح بغير جسد، أو جسد بغير روح. قانون طبيعي لا كسر له ولا فكاك منه أبداً، حتى لو حاول أو ادعى البعض خلاف ذلك. لكن، في العيش وسط الجماعة البشرية المصطنعة، ثمة أغراض اقتصادية واجتماعية وسياسية وصائية استبدادية تقف مبرراً وراء هذا العزل والفصل العنصري بين ذكور وإناث البشر. لا وسيلة أنجع لكي يحكم ولي الأمر ربط حبائل السيطرة على قطيعه كله بذكوره وإناثه من الإمساك بمفاتيح أجسادهم وأجسادهن، بحيث لا يستطيع أحد أن يفعل بها شيء إلا بإذنه. مهما فعلوا، لن يستطيع أي منهم أن يشبع احتياجات أجسادهم الجنسية، تماماً كتلك المتعلقة بالغذاء والكساء والسكن والصحة والتعليم والعمل والترفيه وخلافه، دون معونة وموافقة الذكر الكبير. ودائماً تمنح المعونة برفقة شروط الطاعة والإذعان. الابن المطيع والبنت والزوجة المطيعة هم نواة المجتمع المطيع. لاستمرار المحافظة على هذا التقليد المتوارث، طاعة الكبير، لابد من استمرار إحكام السيطرة على أجساد الشباب والشابات، في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم ورغباتهم الجنسية...الخ؛ الطاعة أحد أهم شروط الخرط الاجتماعي، حتى يصبح الجيل القادم قالب ونسخة كربونية من الأجيال الماضية المتعددة والجيل الذهبي الأسطوري، بنفس الأفكار القديمة ونفس عادات وتقاليد الحياة القديمة. الفصل بين الجنسين والمنع بينهم وبين أجسادهم أنفسهم شرط ضروري ولازم من أجل هذه السيطرة، حتى لو كانت مناقضة للطبيعة، تماماً مثل خصي الماعز حتى الآن والعبيد في الماضي، طالما أن ذلك يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية مؤكدة.

ثمة ارتباط وثيق بين السيطرة على لقمة العيش واستعمال الأعضاء الجسدية وبين الأبوية الوصائية الاستبدادية التي لا تزال مهيمنة بقوة على المجتمعات والأدمغة العربية منذ قرون، سواء داخل الأسرة الصغيرة أو داخل أغلب المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ليسوا أحراراً حقيقة هؤلاء الذين لا يملكون في أيديهم وسائل معيشتهم اليومية، ومن لا يملكون استعمال أعضائهم، ومنها الجنسية، في حرية كاملة.