أخطاء يجب أن تصحح في الفكر الإسلامي:المرأة لم تخلق من ضلع أعوج



حسني إبراهيم عبد العظيم
2012 / 11 / 21



تتردد بين الناس في عالمنا العربي دائما مقولة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، ودائما ما ترد هذه العبارة في سياق التقليل من شأن المرأة والحط من قيمتها الإنسانية، وإثبات تبعيتها للرجل وخضوعها له، باعتبارها قد خلقت من جزء منه، وللأسف الشديد فإن ترديد هذه المقولة لا يقتصر فقط على عوام الناس، وإنما يرددها بلا تمحيص كثير من أعضاء النخبة المثقفة.

ويظن كثير من الناس أن الإسلام هو من أسس لهذه الفكرة وروج لها، ولكن الحقيقة التي يجب أن توضح في هذا السياق هي أن الإسلام - ممثلا في قرآنه الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة – لم ينص مطلقا على أن المرأة خلقت من ضلع آدم - سواء أكان هذا الضلع أعوجا أم مستقيما - بل أنه يؤكد على أن المرأة قد خلقت بشكل مستقل مثل آدم تماما، وفي هذا تكريم للمرأة وإعلاء من شأنها، وحرص على استقلال شخصيتها، وهذا ما سنوضحه بالتفصيل بعد قليل.

والواقع أن البحث المدقق لهذه القضية يكشف عن أن فكرة خلق حواء من ضلع آدم عليهما السلام لها جذورا عميقة في ميثولوجيا الفكر الإنساني تمتد لآلاف السنين قبل ظهور الإسلام، ثم انتقلت الفكرة بعد ذلك للعهد القديم في الكتاب المقدس، إذ يعتقد كثير من الباحثين – ومن أبرزهم عالم الآثار الكبير صمويل نوح كريمر في كتابيه من ألواح سومر والأساطير السومرية - أن أصل فكرة خلق حواء من ضلع من آدم أو من أحد أجزائه يعود إلى ميثولوجيا بعض الحضارات الشرقية القديمة، ففي إحدى أساطير السومريين، وهي من أقدم الأساطير المدونة التي وصلتنا، يذكر بأن المرأة قد خلقت من ضلع الرجل، حيث تحكي الأسطورة أن الإبن الإلهي (آنكي) أبو البشر أصيب بمرض شديد فى أحد اضلاعه كاد يقضى عليه، فأسرعت الإلهة الأم (نن هورساج) NIN HURSAG وخلقت له إلهة أنثى من ذلك الضلع بإسم (نن تي Nin Ti) مهمتها علاجه وتمريضه، واسم الإلهة (نن تي) مكون من مقطعين نن بمعنى سيدة أو ربة و(تي) بمعنى الضلع فيكون اسمها سيدة الضلع، وهي التى احيت آنكي بعدما اشرف على الموت .

وثمة اعتقاد في الديانات الهندية القديمة – الفيدية والبراهمية والبوذية – أقرب لتلك الفكرة وهو أن المبدع الإلهي حين خلق المرأة خلقها من قصاصات وجذاذات المواد الصلبة التي زادت لديه بعد عملية خلق الرجل. وأوجبت تلك الديانات - استنادا لذلك التصور - على الزوجة أن تخدم سيدها (زوجها) كما لو كان إلها.

ويبدو - كما يرى كثير من الباحثين - أن اليهود الذين عاشوا فترة من الزمن في بابل هي سنوات الأسر البابلي قد اقتبسوا تلك الفكرة من السومريين، وهم أصحاب الحضارة السابقة على البابليين، وأدخلوا عليها بعض التعديلات التي تلائم معتقداتهم، ثم سطروها في كتابهم المقدس، فقد ورد في الإصحاح الثاني من سفر التكوين ما يلي: فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه و ملأ مكانها لحما، و بنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم، فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي و لحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت.(سفر التكوين: الإصحاح الثاني 21-23)

يوضح النص السابق بوضوح شديد وبتفصيل بين لا لبس فيه فكرة خلق المرأة من أحد أضلاع آدم، واللافت في النص أنه يؤكد أن الرب قد وضع مكان ضلع آدم لحما وهو ما يعني من الناحية التشريحية أن عدد أضلاع الرجل أقل من عدد أضلاع المرأة بضلع واحد، بيد أن علم التشريح الحديث ينفي تلك الفكرة نفيا مطلقا. حيث أن عدد أضلاع الرجل يساوي تماما عدد أضلاع المرأة وهي إثنا عشر ضلعا في كل جانب.

وشبيه بهذا الخطأ الوارد في العهد القديم الخطأ – أو بالأحرى الأخطاء- التي وقع فيها أرسطو عندما قال إن عدد أضلاع الرجل أقل من عدد أضلاع المرأة، حيث ظن أن للرجل ثمانية أضلاع فقط في كل جهة، وأن عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل، وأن مخ الرجل أكثر تعقيدا من مخ المرأة، وظلت تلك الأخطاء سائدة لفترة طويلة؛ نظرا لدرجة القداسة التي بلغتها أفكار أرسطو واعتماد الكنيسة الكاثوليكية لهذه الأفكار، واعتبار أن من يأتي بكلام يخالف ما ذهب إليه أرسطو يعد مهرطقا وخارجا على العقيدة الكاثوليكية.

والحقيقة أن فكرة خلق المرأة من ضلع آدم قد تسربت للفكر الإسلامي من ذلك المصدر التوراتي، حيث دخل العديد من الأفكار التوراتية – سواء أكانت بشكل مقصود أم غير مقصود – لهذا الفكر منذ القرون الأولى لظهور الإسلام، ويطلق المفكرون المسلمون على هذه الظاهرة مصطلح (الإسرائيليات). ونتيجة لمرور فترات طويلة دون نقد وتمحيص للتراث الإسلامي، خاصة في مراحل تدهور الحضارة الإسلامية، ترسخت تلك الفكرة في التراث، واعتبرها الكثيرون جزءا من الفكر الإسلامي، ومن ثم قبل كثير من العلماء القدامى - من المؤرخين والمفسرين - تلك الفكرة وبنوا عليها العديد من النتائح التي أسهمت في تدني النظرة للمرأة واقصائها عن العديد من الفضاءات الاجتماعية والفكرية، بل وأعطت فرصة ذهبية للمتربصين بالإسلام - وهم كُثيرون - للهجوم عليه واتهامة بالتحيز ضد المرأة وقهرها والنيل من استقلال شخصيتها.

وإذا نظرنا للقرآن الكريم – باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع في الإسلام - نجد أنه لم يشر مطلقا إلى فكرة أن المرأة خلقت من أحد أضلاع آدم، فيقول الله تعالى في بداية سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ ويقول أيضا في سورة الأعراف 189 ﴿ ُهوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ فهاتان الآيتان الكريمتان لم تشيرا على الإطلاق إلى لفظ الضلع، ولذلك فقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن المقصود بقوله تعالى (خلق منها زوجها) و (جعل منها زوجها) أي من جنسها أو نوعها وهو النوع الإنساني.

من أهم المفسرين القدامى الذين ذهبوا هذا المذهب، ابن بحر، وأبو مسلم الأصفهاني، ويقدمان عدة حجج وبراهين على أن حواء خلقت من جنس آدم لا من جسده:
أ‌- أن معنى ( منها ) في آية النساء، أي من جنسها، وهذه الآية مثل قوله تعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ [النحل: 72].
ب‌- أن الله تعالى لما كان قادراً على أن يخلق آدم ابتداءً، فما الذي حملنا على أن نقول إنه تعالى خلق حواء من جزءٍ من أجزاء آدم؟ ولم لا نقول: إنه تعالى خلق حواء أيضاً ابتداء؟ وأيضاً الذي يقدر على خلق إنسان من عظمٍ واحد فلم لا يقدر على خلقه ابتداء؟ فأي فائدة في خلقها من ضلعه؟
ج ‌- ومما يُحتجُّ به لهذا القول هو إنّ الإشارة إلى الشيء قد تكون بحسب نوعه، ومثال ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " هذا وضوءٌ لا يقبل الله الصلاة إلا به " وليس المراد ذلك الفرد المعين بل المراد ذلك النوع، والمراد في الآية: أنه خَلَق من النوع الإنساني زوجة آدم، والمقصود التنبيه على أنه تعالى جعل زوج آدم إنساناً مثله.

ويذهب العديد من العلماء المعاصرين إلى رفض فكرة خلق المرأة من ضلع آدم، يقول الشيخ رشيد رضا صاحب المنار في تفسير آية الأعراف " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" أي: خلقكم من جنس واحد أو حقيقة واحدة ، صورها بشرا سويا وجعل منها زوجها ليسكن إليها سكونا زوجيا، أي: جعل لها زوجا من جنسها فكانا زوجين ذكرا وأنثى كما قال تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، كما أنه خلق من كل جنس وكل نوع من الأحياء زوجين اثنين ، قال عز وجل : ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، وإننا نشاهد أن كل خلية من الخلايا التي ينمى بها الجسم الحي تنطوي على نويتين ذكر وأنثى ، يقترنان فيولد بينهما خلية أخرى ، وهلم جرا.

ويرى الشيخ رشيد رضا أن الآية تدل على أن آدم كان له زوج (أي امرأة) ، وليس ما في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالى ألقى على آدم سباتاً انتزع في أثنائه ضلعاً من اضلاعه فخلق له منه حواء ، وأنها سميت (امرأة) لأنها من (امرئ) أخذت !! وما روي في هذا المعنى فهو مأخوذ من الاسرائليات.

ولا يتردد الأستاذ الشهيد سيد قطب مع حرصه الشديد على التزام المنهج السلفي في تفسيره، بالتأكيد على نفس الاتجاه في هذه القضية، يقول: كل الروايات التي جاءت عن خلقها من ضلع آدم مشوبة بالاسرائيليات، ولا نملك أن نعتمد عليها ! والذي يمكن الجزم به فحسب أن الله تعالى خلق له زوجاً من جنسه فصارا زوجين اثنين، والسنة التي نعلمها عن كل خلق الله هي الزوجية : "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".هي سنة جارية وهي قاعدة في كل خلق الله أصيلة، وإذا سرنا مع هذه السنة فإن لنا أن نرجح أن خلق حواء لم يمكث طويلاً بعد خلق آدم، وأنه تم على نفس الطريقة التي تم بها خلق آدم .

بل الأكثر من ذلك والأجدر بالملاحظة أن بعض كبار العلماء اعتبر أن النفس الواحدة هي حواء وليست آدم، فالإمام محمد عبده يرى أن النص القرآني لاينفي أن تكون النفس الواحدة هي حواء وليس آدم، إذ يقول: وإن في النفس الواحدة وجها آخر وهي أنها الأنثى، ولذلك أنثها حيث وردت وذكر زوجها الذي خلق منها في سورة الأعراف فقال ليسكن إليها. وعليه يظهر افتتاح السورة بها ووجه تسميتها بالنساء أكثر.

لقد كان الشيخ محمد عبده يجتهد من أجل تحرير النص القرآني حول مسألة أصل الجنس البشري من التراث الأسطوري والديني الذي سبق الإسلام، والذي كان له تأثيره الواضح على كثير من رجال الفكر الإسلامي في فهمهم للنص القرآني، ولم ينته الأستاذ الإمام في تفسير النفس الواحدة التي أشار إليها النص القرآني إلا لدحض كل تأويل ثبوتي للنص فاتحا بذلك مجالا واسعا من حرية البحث والتفكي أمام العقل والتطور العلمي على النحو الذي لا يوقع المتدين في الحرج والجمود.

الخلاصة مما سبق أن القرآن الكريم لم ينص صراحة على خلق المرأة من ضلع آدم، وما ذهب إليه بعض علمائنا الأوائل في هذا الشأن، إنما جاء نتيجة دخول بعض الأفكار التوراتية للتراث الإسلامي، وقد صحح العديد من العلماء القدامى والمحدثين هذه الفكرة وأكدوا أن القرآن الكريم يشير إلى خلق المرأة من نفس جنس الرجل، وبالتالي فهي لها من المكانة والتقدير مثل ما للرجل تماما.

أما الأحاديث النبوية التي أشارت إلى خلق المرأة من ضلع أعوج، ففيها كلام كثير، فقد أثبت العديد من المحدثين ضعف أسانيد بعضها، فنجد أن إمام المحدثين المعاصرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني(1914 – 1999) يؤكد في سلسة الأحاديث الضعيفة أن هناك الكثير من الأحاديث الضعيفة المتعلقة بخلق حواء من ضلع آدم، حيث يذكر على سبيل المثال في المجلد الثالث عشر من تلك السلسلة الحديث رقم 6499 ونصه إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم عليه السلام مسح ظهره فخرجت منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة وانتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، ووصفه بأنه منكر جدا. وعلق الشيخ الألباني على فكرة خلق حواء من ضلع آدم قائلا الراجح عندي أنه استعارة وتشبيه لا حقيقة، وذلك لأمرين:الأول أنه لم يثبت حديث في خلق حواء من ضلع آدم

والآخر: أنه جاء الحديث بصيغة التشبيه في رواية عن أبي هريرة بلفظ : "إن المرأة كالضلع، وهذا ماسنتناوله بالشرح الآن.
ففيما يتعلق بالأحاديث التي ثبتت صحتها في البخاري ومسلم وورد فيها لفظ الضلع، فقد فسر العلماء تلك الأحاديث على أنها تتحدث عن الضلع مجازا وليس حقيقة، فالحديث الأول الذي ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المرأة كالضلع، إذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج.

إن النظرة الفاحصة لهذا الحديث تكشف الملاحظات التالية:
- أنه قد جاء في سياق الوصية بالنساء، فهو لايتناول قضية خلق المرأة.
- أنه لم يقل ضلع آدم، وإنما قال الضلع، والضلع في اللغة هو كل منحنى ويتسم دائما بالضعف والرقة.
- أن الحديث يشَبّه المرأة بالضلع، ولم يقل أنها خلقت منه، ومن سمات الضلع هشاشته وضعفه، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يشبه المرأة في ضعفها ورقتها بالضلع، وفي ذلك توجيه للرجال بحسن معاملتها وعدم القسوة عليها، فالقسوة تؤدي لانكسارها، تماما مثلما تؤدي الشدة إللى كسر الضلع. وقد جرت عادة العرب في التمثيل وتقريب المعاني المجردة على صياغتها في صور حسية.

أما الحديث الثاني فقد ورد في الصحيحين أيضا وجاء فيه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته(وفي رواية مسلم وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا.

والحقيقة أن المتأمل في هذا الحديث - والحديث الذي سبقه أيضا - لا يجد فيهما ما يستدل به من قريب أو بعيد على تأييد ما ورد في العهد القديم من أن حواء خلقت من ضلع آدم، بل كل ما تضمنته توجيهات تربوية للرجال في التعامل مع النساء بالرفق والمودة بعيدا عن العنف والعجرفة، مما يستبعد معه أن يكون موضوع الحديث هو المسألة العضوية أو التشريحية بقدر ما هو حديث عن سيكولوجية المرأة، وتوجيه نبوي كريم إلى ضرورة الرفق في التعامل معها وتجنب الشدة حيالها، ومصداق ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن النساء أنه ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم. وقوله في حجة الوداع أوصيكم بالنساء خيرا، إن موضوع تلك الأحاديث هو توجيهات نبوية في المجال الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، وليست محاضرات في العلوم الطبيعية والبيولوجية.

وتأكيدا لذلك يرى الشيخ راشد الغنوشي أن عبارة خلقت من ضلع التي وردت في الأحاديث الصحيحة ينبغي فهمها على سبيل المجاز مثل قوله تعالى خلق الإنسان من عجل، إي أن الإنسان من طبعه الاستعجال في الأمور، وغاية الحديث هو الأمر بمعاملة النساء بالحسنى والنهي عن معاملتهن بالشدة.

إن سياق أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تشجيع الرجال على حُسن معاملة النساء ويضرب لهم مثلاً بطبيعة المرأة لا بمادة خلقها، بمعنى أنها رقيقة الخلقة لا تتحمل قسوة المعاملة وشدتها، وإنما يجب أن تعامل برقة ولطف. فلم يكن موضوع الحديث هو المادة التي خلقت منها حواء، وإنما الغرض هو التوصية بمعاملتها برفق ولين نظرا لطبيعتها الهشة الرقيقة التي تشبه الضلع الذي يكسر إذا تم التعامل معه بشدة.

وفي النهاية فثمة سؤال قد يطرح في هذا السياق ما المشكلة إذا كانت المرأة مخلوقة من ضلع آدم أم مخلوقة بشكل مستقل طالما أن الله تعالى هو من خلقها في كلتا الحالتين؟ الحقيقة أن ثمة نتائج خطيرة تترتب على كلا التأولين، ألمحنا إلى بعض منها في صدر المقال، عندما قلنا إنه دائما ما ترد هذه العبارة (خلقت المرأة من ضلع آدم) في سياق التقليل من شأن المرأة والحط من قيمتها الإنسانية، وإثبات تبعيتها للرجل وخضوعها له.

ويؤكد الغنوشي ذلك المعنى حيث يقول إن الإلحاح وبدون دليل حاسم على فكرة خلق المرأة من ضلع آدم يحمل في ثناياه – بشكل واع أو غيرواع – تكريس تبعية المرأة للرجل على الصعيد الاجتماعي، وانمحاء شخصيتها وذوبانه في شخصيته، وتكريس التمييز والتفاضل على أساس الجنس مما يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية. في حين ان التأويل الثاني فضلا عن أدلته اللغوية الرصينة، واتساقه مع جملة النصوص القرآنية والنبوية، هو تأصيل لمفهوم إسلامي وإنساني أساسي ناضلت الحركة النسوية المعاصرة طويلا من أجل إنجازه، وهو تحقيق استقلال شخصية المرأة وتحملها مسئولية وجودها ومصيرها كاملا. والقضاء على أول وأقدم اضطهاد للإنسان لأخيه الإنسان على أساس الفوارق الجسدية كخطوة أولى أساسية للقضاء على كل تمييز يقوم على أساس العرق والعنصرية، فيقوم على أساس المساواة والأخوة بدون أدنى تفاضل إلا على أساس العمل الصالح (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) وهو مقصد أساسي للشريعة الإسلامية، ولنضال الشعوب والطبقات المضطهدة منذ آلاف السنين.

الخلاصة إذن أن المرأة وفق التصور الإسلامي قد خلقت خلقا مستقلا مثل آدم تماما، ولم تخلق من ضلعه مطلقا، وبالتي فهي لاتقل عنه قيمة وتقديرا واعتبارا، واستنادا لهذا التصور فقد حرر الإسلام المرأة من كثير من التصورات والأفكار الخاطئة التي ارتبطت بها وجاءت من ميثولوجيا الحضارات والديانات السابقة.
ـــــــــــــــــ
لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع لما يلي:
- حسني إبراهيم عبد العظيم، الجسد الأنثوي بين المعتقد الشعبي والمعتقد الديني، الحوار المتمدن، العدد 3614 بتاريخ21/1/2012.
- راشد الغنوشي، المرأة بين القرآن وواقع المسلمين، المركز المغاربي للبحوث والترجمة، لندن،2000.
- سيد القمني، الأسطورة والتراث. المركز المصري لبحوث الحضارة، القاهرة، 1999.
- محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي: فقه المرأة، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق،2000.
- محمد عبده ومحمد رشيد رضا، تفسير المنار، دار المنار، القاهرة، 1947.
- محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة.
- وول ديورانت، قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي، ترجمة فتح الله محمد المشعشع، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة السادسة،1988.
- يونس عبد الرب فاضل الطلول، خلق حواء عليها السلام في ضوء النصوص الشرعية، موقع جامعة الإيمان الإسلامية.