وشتي الملكة وحق الرفض



كامي بزيع
2012 / 12 / 2

يذكر لنا التاريخ ان المكلة وشتي كانت فاتنة بديعة الجمال، رفضت ان تحضر امام زوجها والتاج على رأسها لكي يتباهى بها امام ضيوفه.
زوجها الملك احشويروش الفارسي كان يحكم مملكة تمتد على 127 اقليما من الهند الى اثيوبيا وذلك حوالي عام 483 قبل الميلاد، اراد استعراض غنى مملكته المجيدة وعزه العظيم فأقام مأدبة دامت لمدة 180 يوما في عاصمة ملكه شوشن، لكن الملكة رفضت طلب الملك وابت ان تحضر بين يديه ليستعرضها امام الشعوب والزعماء والقادة.
وشتي الملكة لم تقبل ان يرسل الملك لها الخصيان لاستدعاءها، ربما كانت تقدر للملك ان يأتي بنفسه امامها لانه ليس اكبر منها شأنا هو ملكا وهي ملكة.
منذ تلك اللحظة التي رفضت فيها الملكة وشتي المثول اما زوجها الملك الذي "اغتاظ جدا واشتعل غضبه"، سيبدأ تاريخ محطة جديدة في التعامل مع النساء، تفيد القصة ان الملك منذ تلك الواقعة، ومنعا من ان تتمثل جميع النساء بوشتي الملكة "فيحتقرن ازواجهن في عيونهن، اذ يقلن ان الملك احشويروش امر باحضار الملكة بين يديه فلم تجئ، وفي هذا اليوم فان سيدات فارس وماداي اللآتي سمعن بخبر الملكة، فيتشاجرن مع ازواجهن ولا يحسبن لهن اعتبار..." فكان للملك ان يتخذ قرارا جذريا يمنع تكرار مثل هذا الامر وبالتالي منع النساء من ان يتشبهن بملكتهن، حيث اعتبر الحكماء ومستشاري الملك، ان الملكة لم تسئ فقط الى الملك انما الى جميع الزعماء، والى جميع الشعوب الذين يحكمها الملك. طبعا لم نلمح بين المستشارين امرأة واحدة لتخفف حدة عضب الملك او ان تذكره ان الحلم هو صفات الملوك والحكام.
فبعث الملك بفرمان الى جميع انحاء مملكته "بان يكون كل رجل ربا على بيته"...اي انه على جميع النساء ان يمتثلن لازواجهن وان تكون الطاعة هي خبزهن اليومي.
وهكذا لمجرد ان الملك شعر بجرح في كرامته انتقم من جميع النساء بتكريس السلطة الذكورية، التي منحت للرجل السلطة المطلقة كـ"رب" وعلى الزوجة "ان تؤدي الاكرام لزوجها مهما كان كبيرا او صغيرا"، وليبدأ بالتالي تاريخ اخر من العذاب والاحتقار للمراة وموقعها واجبارها على الطاعة.
وشتي لم تكن حرمة بل كانت سيدة، ولان شأن السيدة هو تماما مماثل لشأن السيد رفضت ان تلبي طلب السيد (وهو بالمناسبة ليس سيدها). ان الملك لم يتحمل هذه الاهانة التي الحقتها به زوجته، ولم تهن عليه كرامته بان لا يكون هو من يأمر ويطاع، وهو الذي قهر جيوش الاعداء، فقد طلب "ان يؤتى به بجوار حسان المنظر ليقمن بدار النساء، والجارية التي تحسن في عيني الملك فلتملك مكان وشتي".
وهكذا انتقم منها الملك، نزع منها تاجها الملكي، واقام حريما في قصره يلجأ اليهن ساعة يريد "قضاء حاجته"، ويقال ان تاريخ الحريم بدأ منذ ذاك التاريخ.
الملكة قالت لا... لا استطيع الحضور، فليس على الملك ان يستدعيها عندما يحلو له خصوصا انه ارسل باحضارها الخصيان "لما طاب قلب الملك بالخمر"... اي عندما انشرحت سريرته وهو الحاكم الطاغية، القاسي البعيد عن العدل والانصاف، بكل بساطة رفضت ان تكون تحفة فنية او ملكا من ممتلكاته يستعرضها ساعة يشاء ويسأل عنها ساعة يريد...
هي كانت وشتي ورفضت...وهو اقام في قصره الحريم... وحكم عليها بالنسيان.
لم يذكر لنا التاريخ كثيرا عن الملكة وشتي...لكنها قالت لا ولم تندم...
في كل لحظة هناك امرأة مثلها تقول لا ولا تندم، رغم ان التاريخ يكتبه القلم الذكوري الذي محا اسم الملكة وشتي وتجاهل وجودها، ورغم ان الشريعة الرجولية تعتقد ان القوة هي شريعة الحق والعدل...لكن لا...ذلك لا يمكن له ان يكون هو الصواب لسبب جوهري وهو ان المساواة في الوجود والحقوق هي شريعة الحياة.
ان استرداد المرأة لحقها المسلوب يساهم برفع الظلم واحقاق الحق، ليست الطاعة هي الحرية انما العبودية والمراة تعيش اليوم حرية وجودها وكيانها وانسانيتها.
ان تقول المرأة لا، يعني ان يكون لها شخصيتها وعنفوانها وسيادتها، اي انها ليست تابعة ولا خادمة ولا ادنى مرتبة...
ان تقول لا يعني ان يكون لها قرار...
للمرأة حق الرفض ولها ايضا حق القبول
للرجل ايضا حق الرفض والقبول
فالرفض حق طبيعي من حقوق الانسانية تماما مثل القبول، وليس على الآخر ان يعتبر الرفض اهانة او صفعة ابدا وخصوصا عندما تقوم به المراة فمن قال ان الطاعة هي الناموس الذي على المرأة ان تطبقه؟؟ اذا كانت الذهنية المتوارثة هي التي كرست هذا الامر منذ عهد احشويروش الا انه آن الاوان لتغيير العقول والافكار رغم ان الانتقام هو امر مرفوض القيام به من الطرفين ولا تحت اية ذريعة كانت.
فقط في ظل تناغم حقيقي ومساواة شاملة على جميع الصعد واحترام قرار الشريك، يمكن الارتقاء نحو مجتمع افضل يسود فيه الخير والسعادة والحرية.