نوال السعداوي، والحاجة لحركة من أجل إنهاء إضطهاد المرأة



هدى الجابري
2012 / 12 / 5

(هذا النص هو جزء من مداخلة في احدى المحاضرات التي قدمت حول الحركة النسوية في العالم العربي للتعريف بأبرز شخصياتها وناشطيها)
كنت فى السادسه عشره من العمر عندما قرات للمره الأولى لنوال السعداوي. كان الوقت شتاء وكنت اقضي اليل في منزل عمتي. وكانت ابنت عمتي وصديقتي في الخامسة عشر من العمر في ذلك الوقت. فاجاتنا عمتي ونحن نقرا الكتاب فاسرعنا باخفاءه تحت الفراش. ذلك أن أهلنا لو عرفوا أننا نقرا كتابها "المرأة والجنس" لكان ذلك خرقاً للممنوعات وتجاوزاً على قيم الأسرة. القراءة في موضوعة الجنس من التابوات الثلاثة كالدين والسياسة. أصبح هذا الكتاب من اول الكتب التي قرأت لنوال السعداوي. وحذرتني ابنة عمتي من ان يراه أحداً وبدأت تتلو الكثير من القصص الحقيقية التي ترويها الكاتبة. اكتشفت عندما قرأت كتابها، أنه لم اكن انا الوحيدة التي تفزع من تركيبة جسدها وبيولوجيته وتخشى التحدث عن ذلك لأحد. لم اكن الوحيدة التي لامست الأماكن السرية من جسدي واختلط العالم بمشاعر مضطربة وممتعة من الشعور بالذنب والخوف واللذه. العلاقة بين قصص السعداوي وبيني هي قصة تحرير جسدي من الأستنكار والشعور بالذنب والخوف. نوال السعداوي ليست مجرد كاتبة، ولكنها أيضاً ناشطة اجتماعية وسياسية . وهي بطلة للكثير من النساء اللائي اتبعن خطاها والهمتهن شجاعتها وايمانها بالمساواة في المجتمعات الشرق أوسطية القائمة على قيم التفرقة بين الجنسين.
ولدت نوال السعداوي في احدى القرى المصريه في القاهره، كفر بهالة، عام 1931 في عائلة كبيرة من ثمانية اشقاء. تربت وعاشت في مصر معظم حياتها ولكن سافرت الى جميع انحاء العالم لتعريف العالم بالصراعات والصعوبات التي تواجهها المرأة في الشرق الأوسط. كان والدها يعمل مديرا في وزارة التعليم العالي في مصر. وكان له تاثيرا كبيرا في بلورة وعيها السياسى و احساسها بالضلم الإجتماعي الذي تعانيه النساء في بلدتها الصغيرة في القاهرة.حيث كان يقضي الساعات معها واخوتها ليعلمهم الوقوف بوجهة الظلم من أجل مجتمع اكثر عدالة.
تخرجت السعداوي من جامعة القاهرة في عام 1955. أصبحت طبيبة متخصصة في الطب النفسي وتقدمت في حياتها المهنية. تعتبر السعداوي واحدة من النساء الأوائل في كشف النقاب عن مشاكل المجتمع، وقدمت لهم اسما. وقالت انها تدرك وتعرف اضطهاد المرأة في الشرق الأوسط حيث تحدثت عن التمييز بين الجنسين ودور المرأة في الأسرة وفي مجتمعات الشرق الأوسط ا بوصفها جنس من الدرجة الثانية. ناضلت ضد مختلف أنواع المواقف الرجعية تجاه المرأة. نشرت المقالات، كتبت الكتب، وشاركت في الكثير من المؤتمرات لرفع صوت المرأة في الشرق الأوسط ومصر. نوال السعداوي لم تخشَ عواقب أفكارها، ولا سيما مع حكومات وحشية وشرسة جدا مثل حكومة أنور السادات. وقالت انها ارسلت الى السجن لمدة شهر خلال فترة رئاسة السادات لكنها خرجت من السجن عندما انتهت رئاسته (اغتياله من قبل جماعة الإخوان المسلمين).
نشرت السعداوي العديد من الكتب ما بين دراسات وأبحاث وأعمال أدبية. وكانت الحياة الجنسية للمرأة واحدة من المواضيع الأولى لها بالإضافة الى الأوضاع القانونية للمرأة في الشرق الأوسط والدول العربية. أثارت كتب السعداوي معارضة من الحكومة لأنها تطرقت إلى موضوع حساس يعتبر من المحرمات في المجتمع. وقد شكل نشر كتابها (المرأة والجنس) علامة فارقة حيث تسبب بفصلها من وظيفتها في وزارة الصحة. استخدمت السعداوي تجربتها كطبيبة وناشطة سياسية في كتابة أغلب كتبها. وتستند شخصيات قصصها على أناس حقيقيين كانوا يترددون على عيادتها، أو التقتهم في السجن، أو ممن صادفتهم طوال حياتها.
كانت معركتها ضد الختان واحدة من أبرز معاركها. حيث وقفت بحزم ضد ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان الإناث).
كذلك انتقدت نوال السعداوي بشدة حكم رجال الدين وحاربت ضد التطرف والمتطرفين. وكانت صوتاً للمعارضة ضد الممارسات غير العادلة التي ارتكبتها الجماعات السياسية والدينية ضد المرأة. وقد شعرت الجماعات الإسلامية السياسية بأن أفكار نوال السعدواي تهديداً لها ولأيديولوجيتها. واعتبرتها خطراً على القيم الذكورية. حيث يعتقد منظرو تلك الحركات الرجعية أن السلطة في المجتمعات يجب أن تكون بيد الرجل. وكانت التقاليد الإسلامية، حالها حال الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية، ترتكز على القيم الأبوية والذكورية. ولذلك فإن السعداوي تعتقد بضرورة فصل الدين عن الدولة وتحويل الممارسات الدينية الى شأن شخصي وهذا ما أدى الى تهديدها من قبل الجماعات السياسية الإسلامية في محاولة لإسكات صوتها.
وبالإضافة الى كل ذلك، فإن المثير في فكر نوال السعداوي تشخيصها للعلاقة بين الرأسمالية والنظام الأبوي كسبب جوهري يساهم في الحفاظ على اضطهاد النساء. إذ تعتقد بالصلة بين جميع مؤسسات النظام الرأسمالي ودورها في هذا الاضطهاد. إذ ترى أن الدين، دولة القانون، التعليم، والمؤسسات الصحية، ووسائل الإعلام، هي كلها من منتجات النظام الرأسمالي، وأنها لعبت دورا كبيرا في ترك النساء في وضعها المتدني سواء في الاقتصاد، والأسرة، والمجتمع.
السعداوي أيضاً واحدة من الكتاب الذين يعتقدون بضرورة الجهود العالمية لإجراء تغييرات في الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمرأة. حيث ترى أن تعريف العالم بأوضاع المرأة في دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية يساهم في تشكيل ضغط على الحكومات لإحداث تغيير جدي في أوضاع النساء. وهي تحارب على صعيد واسع لتثقيف النساء في الشرق الأوسط لتوعيتهن بحقوقهن وضرورة وضع نهاية للإضطهاد. في الوقت نفسه عملت على رفع الوعي لمكافحة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان النساء)، جرائم الشرف، والعديد من القضايا الأخرى.
لا شك أن نوال السعداوي تعتبر قدوة لجميع النساء في جميع أنحاء العالم. جهودها ومساهمتها في حياة ونضال الملايين من النساء هو أمر جدير بالتقدير والاحترام. فقد تعلمت كفتاة صغيرة، الكثير من قراءة كتبها، كما أنني مازالت أتعلم كامرأة، الكثير منها. نحن بحاجة ليس فقط لنوال السعدواي بل وكذلك لخلق حركة ترفع أصواتنا بقوة لإحداث تغيير جدي في أوضاع النساء. السعداوي مازالت ثابتة على معارضتها لجميع أنواع العنف والاضطهاد ضد المرأة. انها تعتقد ان النظام الأبوي، الرأسمالية، الجهل، الدين، والفقر والتخلف تلعب جميعها دورا مهما في استمرار معاناة المرأة من الكثير من الممارسات اللاإنسانية. لقد ناضلت نوال السعداوي ومازالت للتوعية بقضايا المرأة، وقالت انها تعتقد أن حركة دولية هي سبيل ممكن للقضاء على اضطهاد المرأة.