المرأة في بلدي



جوزفين كوركيس البوتاني
2012 / 12 / 12

سألوني عن المرأة في بلدي، فقلت:
حين ولدت، قطب أبي حاجبيه وتملكه الأسى، ولكن بما أنه كان مؤمنًا، ابتسم بمرارة ومضى دون اي تعليق. وحين بدأت أكبر، ومع مرور الأيام، بدأ أخي يتذمر ويقلق عليَّ والملل لا يفارقه، حيث كان مجبرًا على مرافقتي أينما ذهبت حتى قدوم الزوج المبجل ليزيح عن كاهله الواجب والثقل والملل.

آه، والزوج طبعًا تم اختياره مسبقًا. وإن كان الأختيار قد ترك لي، كان طبعًا سيكون سوء اختيار، والسبب بسيط: لعدم وجود الخبرة او التجربة—ولم أقل تجارب كي لا أُلقب ب "الساقطة" في نظر العشيرة المهيبة؛ أقصد المهيمنة. وبسبب عدم التجربة، لم يكن من خيار سوى ان يسلمني الأب الحنون إلى الزوج المحترم، ولأنه "فلان ابن علان"، فقد كان أبي سعيدًا به ضامنًا له بأنني سليمة مئة بالمئة، وبأنني بضاعة غير مغشوشة. هناك عبارة متداولة في العشيرة يرددها الناس فيما بينهم: "بصراحة البنية ما واكعة عليها ذبانة." والرجل في بلدي يريد دائمًا امرأة من هذا النوع—أي "فطيرة وعلى نياتها".

وتمضي الأيام...وأنا بين كنف زوج ودود في الظاهر وحقود في الجوهر؛ فتراه لا يظهر ما يضمر في أغلب الأحيان. آه، ولكم يتعب هذا الزوج، ولكن ما في اليد حيلة. فلأنه شرقي ولا يرغب بأن يهان على يد أهله أولاً ثم على يد العشيرة التي تدرب رجولته على حزمة من الأخطاء، لذا تصبح هناك فجوة كبيرة على طول الخط بيني وبينه. كل ما نقوله لبعضنا ليس سوى رغوة ونعيش مع بعضنا على الهامش فقط—على الشهوة واللغو والهذر—وهكذا تمضي السنين دون ان اعرف ان كنت سعيدة معه أم تعيسة بسببه.
ولأن مسؤولية البيت بأكملها تقع بأكملها—كالعادة—فوق رأسي الذي يقال عنه فارغ وناقص عقل ودين ولا يحوي سوى على طلبات لا تنتهي، وتأخذني مسؤولية الأطفال ومجاملة الأهل والأقارب واحترام التقاليد والحفاظ عليها، هذا ناهيك عن تلبية رغبات الزوج التي تتعبني أكثر من اطفاله...وهي أمور تجعلني أصرف النظر عن نفسي لدرجة أنسى معها سبب وجودي...

ويستمر هذا حتى يحل دور ولي العهد، أبني الموقر، الذي سيرث مال وعادات وتقاليد أبيه، وسيواصل بعد غياب الأب لتكملة هذه المهزلة...وهكذا يسلمني الأب إلى الأبن كي يزيح عن نفسه بعض من تعب السنين، ويرافقني الأخير كظلي أينما ذهبت حتى توافيني المنية...وعندها يكون الأبن والأب والزوج أول السائرين في جنازتي، وبعد ان يتأكد لهم بأني لم أعد موجودة على وجه البسيطة، تراهم يتنهدون بحسرة...لا أعرف هل لأنهم تخلصوا من ذلك الثقل أم لأنه شعور بالذنب لا أكثر...

هذه هي المرأة في بلدي. وعلى كل من يريد التأكد من هذا الكلام، فليذهب وليبحث في عيون كل امرأة تصادفة على الطريق. صامتة كانت أم ثرثارة. صحيح لا يحق لكم النظر إليها لأن نظرتكم قد تعتبر إهانة في حقها وتقليلاً من شأنها—إذا كان لها شأن—ولا ينفع أيضًا ان تسألها لأن حنجرتها مبتورة. ويؤسفني بأنهم يتحدثون بوقاحة وبصراحة عن "حقوق المرأة"... وعجبي!

اتمنى ان لا تغضبوا مني فأنتم سألتم وأنا أجبت بصدق. فالحال في بلدي، باختصار : المرأة من الأب إلى الأخ إلى الزوج فإلى يد الأبن وبعدها إلى مثواها الأخير وبعد عمر طويل طويل...