نداء لمظاهرة بالجينز!



فاتن نور
2005 / 3 / 19

من الذاكرة.. قبل سنوات طويلة اجتمع رجل من سادة القوم ببناته الثلاث البالغات الرشد ليدلي لهنّ بنصيحة ابوية وبهدوء...حيث قال:

اسمعن ياغاليات، اودُّ ان اراكنّ محجبات فذلك سيبهج سريرتي .. ولا اودُّ ان اراكن محجبات فذلك سيفسد عليّ صفائي مع الله..

ثم استطرد كي يوضح حيث بان الإستفهام في وجوه البنات الثلاث:

أريد لكنّ الحجاب فأرتدائه سيبهجني أن جاء عن قناعة تامة وليس عن طاعة عمياء ونزولا عند رغبتي .. الحجاب كقيمة اسلامية لا يحتمل مداراة مشاعر اب او اخ او زوج او حبيب ، ولا يحتمل مجاملة ومسايرة الأكثرية وتمشية الحال بارتدائه،الحجاب ليس مظهرا أو نفاقا اجتماعيا ومحاباة لأي كائن مهما كانت الصلة وطيدة ، بل هو جوهرا وانعكاسا لمدى نقاء سريرة النفس المسلمة، فلا يجوز لي كأب ولي من الصفاء النفسي مع الله ما يشعرني براحة البال والسريرة لا يجوز ان اطعن هذا الصفاء بالضغط عليكن، وما قيمة ان ترتدينّ الحجاب الذي قد يبهج مظهره العباد ولا يبهج الله حيث ان الله لا يخدع بالمظهر كما يخدع العباد فله القدرة على رؤية ما تضمره النفس المتسترة بالحجاب..كما ان الحجاب كما اراه يجب ان يكون تتويجا يأتي بعد السمو بالنفس عن الرذائل والمنزلقات فلا نفاق ولا غيبة او نميمة ولا حسد ولا .. ولا .. ولا...وكما تعرفن نحن لا نشتري الإيطارإلا بعد امتلاك صورة جميلة نعتز بها ونريد لها ان تزداد جمالا واشراقا،
وحيث اني وجدت فيكنّ من تلك الصفات ما طابت له نفسي لذا ها انذا افصح عن رغبتي ولكنّ الخيارالمطلق، وسوف لا تعلو منزلة اي منكن في حالة القناعة بارتدائه ولا تنزل في حالة عدمها، ولندع لله ما له في شان المنزلة والمراتب... اكمل الأب حديثه واطرق منتظرا الجواب والذي جاء بعد دقائق وبصوت واحد:

عذرا والدي نحن غير مقتنعات بأرتداء الحجاب ونود البقاء على ما اعتدنا لباسه....

قبّلَ الأب جبين كل واحدة من بناته وهو فرح! حيث كان متوجسا من ان يوافقن على التحجب نزولا عند رغبته فقط ، ويتظاهرنّ امامه بأنهن مقتنعات تماما حبا وولاءا له ليس إلاّ، وذلك بيقينه لا يرضيّ الله ولا يُرضي سريرته كأب ولا يُرضي سريرتهن لو فعلن بدون قناعة تامة

الرجل في الرواية هو السيد حسين السيد نور وهو من مواليد البصرة/العراق..ونسبه يعود رأسا لبني هاشم.. وكان يسحب يده مستغفرا حين ينحني احدهم لتقبيلها احتراما له كونه من سادة القوم، وكنت انا واحدة من بناته الثلاث والذي وجه خطابه اليهنّ.. وانا بتقييمي الشخصي اراه رجلا تقيا يعتمد جواهر القيم وليس مظاهرها وبأعتقادي انه احسن بعدم فرض الحجاب حيث ان الإكراه لا ينتمي لتلك العقيدة الروحية اطلاقا..

اين الأتقياء في محافظة البصرة؟؟؟ أين هم في العراق؟؟ اين هم امثال السيد حسين ليهتفوا بأن الحجاب هو حجاب النفس وتنقيتها اولا ولا يجوز فرضه قسرا
حيث تسقط قيمته الجوهرية ويبقى كمظهر السراب خادعا للبصر ..اين هم الأتقياء لتوعية الأهالي في الجوامع والمساجد وليشيدوا بالحجاب كيفما شاء لهم ولكن ليدعوا الخيار لصاحب الشان فلا اكراه في الدين ولا في ممارسة طقوسه ولا التزين بلباسه ،فما قيمة مليون امرأة إن تحجبن قسرا امام امرأة واحدة تتحجب عن ايمان وقناعة ويقين بضرورة الحجاب وبعد تعفف النفس، ما قيمة حجابهن امام الله،ام ان النفاق بين البشر والبشر قد تفاقم ليرتقي الى نفاق بين البشر والرب؟ وهل ينطلي اي نفاق مع الرب؟؟؟

مّن يأمّ الناس في جوامعنا اليوم؟؟ هل تم غزوها بتيارات دينية موغلة بالتطرف ام رجال من مخابرات واذيال عصابة البعث قد تعصبوا ووقفواعلى منابر دور العبادة بقامتهم السوداء ليكملوا مسيرتهم في الإستعباد والإضطهاد؟
مالذي يجري في تلك المدينة المهمشة والتي وقعت فريسة بيد الجهلاء ممن يلبسون العمائم والجبب وبايديهم الموشومة كالغجر يمسكون العصي لينالو من كرامة اهلها وليفرضوا الحجاب على نسائها وليسرقوا فرحة طلبة ابرياء حاولوا التنفيس عن ضيق صدورهم المزدحمة بالمجريات المضطربة فخرجوا لنزهة جامعية في احدى حدائق المدينة المهملة حيث انهالت عليهم العصي لتفريقهم وكأنهم اقترفوا شنيع الأثم بالخروج في رحلة جامعية.. منذ متى تحجب هكذا رحلات طلابية تجمع الجنسين في البصرة المنفتحة التي كانت المرأة فيها ترتدي احدث الآزياء وتنطلق بسلام في المنتزهات ومحافل النقابات والشوارع التجارية المزدحمة... اين تلك المرأة البصراوية التي تهوى شم النسيم والتعطر به.. في اي جحرٍ اودعوها؟

أين الساسة ان كان هناك ساسة غير تلك الطغمة من اعوان الصدر وبقايا النظام البائد ولفيف من شرذمة الحاقدين واللذين تستروا بعمامة الدين والدين منهم خجل..أين حقوق الانسان والانسان مستباح ومهان، أم ان ما نسمعه عن استحداث وزارة لهذا الشأن مع وزير شهم! وطاقم طويل عريض هو مجرد خرافة وواجهة حضارية خيالية لعراق الغد الذي ارجع مدينة كبرى وحيوية مثل البصرة الى عصور الظلام والجهاله، انها مدينة بلا قانون ولا نظام حيث امسى قانونها بيد من يمسك العصا وبيد من يموّل ماسكي العصي ..وسلسلة التمويل تمتد لتصل الى بنوك دولية وحكومات مموّلة.. وما معنى ان يستجوب من يتقدم للحصول على وظيفة حكومية في البصرة عن ديانته وانتمائه الطائفي والعشائري وان كان ولائه للسيد كذا اوالسيد هكذا ؟ هل هي استجوابات بديلة عن الاستجوابات البعثية التقليدية مثل انت حزبي.. لك سابقة مع الحزب الشيوعي.. لديك اقارب او معارف من حزب الدعوة... اما ان تنضم للحزب او توقع القرار رقم كذا بأنك ستعيش وتموت مستقلا متعاطفا مع الحزب..!!

في مسألة الحجاب القسري بالذات...
اود ان أوجه نداء لكل البصراويات بشكل خاص( وباقي المحافظات في العراق عموما) واللائي فرض عليهن الحجاب بشكل او باخر بأن يتحدنّ ويخرجن زرافات زرافات في مظاهرة وبالجينز او ما يحلو لهنّ من لباس لا غباراخلاقي على لبسه ، ويتوجهن الى مقرات ومراكز المحافظات في انتفاضة شعبية نسائية ضد القهر والحجرعلى الحريات المدنية وياحبذا لو يمسكن العصي كي تقابل عصا الأوباش المرتزقة بعصا المواطنة وحقوقها، فمن البصرة الفيحاء انطلقت شرارة الأنتفاضة في وجه الفاشية البعثية فلتنطلق الآن بوجه عمائم فوق رؤوس خاوية ، ولو كنت هناك لكنت من اول المتظاهرات والمعتصمات وبالجينز لخزق عيون من ربض على مدينتي بمظهر الدين، وجوهره فسق وفجور ووصوليّة عفنة.. وليكن ما يكن فليست دمائي اغلى ولا اطهر من كل الدماء التي تستنزف يوميا على ارض الرافدين.



فاتن نور
05/03/18