نجاة.. لا تموتي



نادين البدير
2012 / 12 / 31

نجاة.. لا تموتى. ففى أيامى حكايا لم ترو بعد.

ورواية قصصتها عليكِ ولم أكملها، فأنا لم أعرف النهاية بعد.

ونزوات حب ستضحكك كثيراً. استيقظى، أين تذهبين؟

لا أذكر المرة الأولى التى رأيتك فيها. لكن يمكننى تذكر صور غير مفهومة الألوان. كنت مثل أمى، لا أذكر متى عرفتها. جميل هذا الشعور حين لا نتذكر متى قابلنا إنساناً، فلا نملك أن نحكم عليه فى لقائنا الأول، بل نراه مثالياً وكاملاً. وبسذاجة نظن أنه سيبقى خالداً فى حياتنا، طالما أنه جاء إليها قبلنا واستقبلنا فيها وحضننا وحمانا وربت علينا، لكنه فجأة يتركنا ويذهب. يتركنا وحيدين. وانتهى.

أى عدل هذا؟

كنت أعشق شعرك وكلما رأيتك تسلقت على كرسى من وراء ظهرك لأسرحه، تمنيت أن أحظى بخصلات كخصلاتك. ناعمة وطويلة وتنسدل على فساتين سوداء ارتديتها كثيراً بعدما قرر القدر أن تعيشى أرملة.

هل أفتش بين ملابسى عن فستان أسود اليوم؟ ما أبشع هذا النهار!

أحاول تقليدك، أحاول أن أكون امرأة مثلك، لا تقطب حاجبيها، تبتسم كأنها على موعد يومى مع السعادة، كطفلة مخدوعة بالحياة. حتى فى أحلك أيامها سخرت من أيامها ومن مصائبها وفيما بعد من.. مرضها. من القلة التى نجت من فتنة حلت على رؤوسنا. أصحاب خالتى مسيحيون ومسلمون ولم تحكم على شخص وفق دينه أبداً.

لماذا تذهبين الآن؟ قهوتنا لم تنته. منك تعلمت أن أشربها كل صباح، منك تعلمت أن أمضى بدايات النهار وأنا أبتسم وأرفض أى منغصات.

لماذا أروى تفاصيلك؟ أريد أن أعود من الماضى. لو أن أحداً يعود من الموت فيخبرنا ما رأى! وهل اشتاق إلينا أم أن حياته الجديدة أنسته ماضينا؟ قولى لى: هل ستنشغلين بنا أم ستجذبك حياة أكثر تشويقاً؟

أجيبينى: لم لا تقاومين؟ مررت بانتكاسات عديدة ولم تنكسرى، فلم لا تقاومين؟

اشتقت لك. واشتقت لتنورتك المستقيمة الضيقة وكعبك المتوسط وشعرك المتموج الألوان. كل أشيائك باقية: مرايتك، دولاب ملابسك، ماكينة الخياطة. مصحفك، كل شىء لا يموت.. عدا الإنسان صانع كل شىء، ثمنه زهيد. وفاتورته رخيصة.

وتبقى منحوتاته ولوحاته وكتبه، تبقى خالدة آلاف السنين. وسلحفاة يصل عمرها لأكثر من مائتى عام. وعمر صاحبنا لا يتجاوز عشرات السنين. ربما ثمن الوعى تكلفته العمر. هكذا تكون العدالة.

نجاة. مرحت فى كل شارع، لعبت مع كل أطفال الحى والأحياء المجاورة، منهم من هو حى ومنهم من مات قبلها بكثير. يسأل عن شقاوتك كل شارع. يسأل عنك الأصحاب والأقرباء وكل الأطفال. يسألون أين أنت؟

ليس مثلك من عشقت الحياة وعشقت السفر. وحين صرت فى الخمسين اخترت نيويورك، لا أعلم لم يحب الناس هذه المدينة الصاخبة؟ المهم أنك ابتعدت. ابتعدت مسافة قارات ومحيطات. قالوا إنك أغمضت عينيك هناك.

وغداً يبدأ العام 2013. ولست معنا. حزين هذا العام. الآن آمنت بأرقام الحظ وأرقام الشؤم.

أحاول أن أبتسم لكنى تعبت من البكاء. عموماً إن كنت عنيدة وتصرين على الموت، فأريد أن أهمس إليك قبل أن يدفنوك، وأقول إنى أحببتك جداً وسأشتاق إليك جداً جداً. وأينما تكونى: كل عام وأنت بخير.