هل ستدق النساء العربيات أجراس الخطر ؟



سونيا ابراهيم
2013 / 1 / 2

بعد أن شاهدت مؤخراً فيلم موت الأميرة Death of a Princess ، الذي يتقصي فيه صحافي انجليزي عن أسباب وفاة الأميرة في المملكة السعودية العربية في السبعينات ، و قراءتي لبعض المقالات التي تنشرها الكاتبة و جيهة الحويدر .. رجعت بي الذكرى إلى آخر الثمانينات و أوائل التسعينات .. و لدت في السعودية ، و هناك شعرت بالترف المحيط بالبيوت التي عرفناها .. و طيبة الجارات السعوديات ، اللاتي ظلت الواحدة فيهن صديقة لوالدتي حتى بعد أن جئنا للاستقرار في غزة بعد معاهدة أوسلو 1994عام .

بذكريات الطفلة التي أحبت الأشياء الجميلة ، البيوت الواسعة ، و بعدها بمفاجأتي ببعض العادات البدوية .. اختفت لحظات الطفولة ، و بدأت حينها أشعر بكمية الخوف المحيط بنا نحن النساء في الشرق الأوسط .. قرار الوالد المفاجئ بالإستقرار في غزة كان صدمة لوالدتي التي ظنت العائلة أنها ماتت من كثرة البكاء .. هل ما كنا سنراه في غزة هو أسوأ أم هناك ما تخشى والدتي على أن تتركه في بلاد الرمال ؟؟ في كلا الحاليتين هناك مفارقات و لا أود أن أقارن بين الوضعين ، و لكن هناك لمحات تطفو بخيالي الذي يشعر بالحذر كلما اقترب من الذكريات .. كلنا كنا تعساء بالمستوى الذي حاول والدي أن يجعلنا أن نتأقلم به في الأراضي المحتلة ، لم تكن العلاقات العائلية مشوقة لوقت طويل ، و لم يكن أي دافع لدى والدي للعودة حيث كنا نظن أن حياة الترف هي أهم بكثير من التواجد في مكان الناس يأتون للزيارة دون موعد أو حتى باتصال على التلفون ..

ذاكرة الطفلة الصغيرة كانت مشوشة و لكن بعض ما أخبرتني به أختي الكبرى ساعدني على وضع النقاط على الحروف . والدتي القادمة من فلسطين ، التي كانت تسجل الأفلام العربية على شرائط الفيديو ، و تتبادلها مع جاراتها ، فجأة أصبحت تستيقظ باكراً لتصلي مع والدي .. و ملأت البيت بتسجيلات دينية ، حتى أنها أصبحت تفرض رأيها في أوقات مشاهدة التلفاز ..

الأفريقيات كن يتجولن في الشوارع بملابس ملونة ، يلفون بأقمشة جميلة – لم أر السعوديات يرتدين إلا الأسود – أطفالهن على ظهورهن و يبقين أثدائهن مكشوفة و هن يرضعن الأطفال الجوعانين حتى يضربهن مطوع ، و يلاحقهن بالعصا حتى يخرجوا من الشارع .. الأفريقيات كانت الواحدة فيهن أكثرهن قوة .. تأخذ حقها بيدها بعد أن يضربها المطوع ، و يعطيها ظهره تعود مع صديقاتها – في نفس اللحظة – و تضربه قبل أن يسانده باقي المتدينين الذين كانوا يخيفون الجميع .. منعتني والدتي من الحديث إليهن ، و لكني كنت أتمنى أن أتعلم منهن هذه القوة و الشجاعة .. كيف خرحت النساء الهنديات بالعصي بعد وفاة شابة أغتصبتها جماعة مجرمة .. صورهن تلهمني .. تجعلني أتمنى أن ينقلب السحر على الساحر .. هل ستنتفض السعوديات مثلهن ؟ يتظاهرن مثل الهنديات ؟ هل ستجرؤ واحدة منهن على أن تضرب المطوع بالعصا مثل الجميلات الافريقيات ؟ الجوع كافر و لكنه جعل الافريقيات أكثر ايماناً بإنسانيتهن من الشبع الذي أتخم البروجوازيات اللاتي يرتدين الأسود ..

****

عودتنا لغزة أوضحت لي مفاهيم مثيرة كنت بعيدة عنها بسبب وجود عائلتي وحدها في بلاد الرمال . الخال المتعدد الزوجات بألفاظه الوقحة ، الصراخ في الشوارع و الأسواق ، الأطفال القذرين يخرجون بدون أحذية ، الأقارب الذين يأتون كل ساعة ليطمئنوا علينا .. الصراخ حتى في السلامات ، و التحيات .. و الكراهية أيضاً .. و أيضا زوج عمتي الذي رفض والدي أن يستضيفه في المنزل ؛ بسبب الخلافات على الميراث و قصص قديمة أخرى .. عمتي التي لم أعرفها يوماً .. التي زوجت ابنها لإبنة عمي بفساتينها الكثيرة .. و عقدهاالمعلق على رقبتها مزين بالعملة السعودية .. كان عمي ذكورياً جداً يحب المظاهر .. و هو من كسر البطيخة فوق رأس والدي و والدتي يوم زفافهما .. و كانت ابنته في الثالثة عشر من عمرها .. تزوجت دون أن يكون لها رأياً في زواج الأقارب الذي خطط له الآباء أو أبناء العمومة .

****
ليس هناك أسهل من القضاء على أمة جاهلة فيها نساء غير متعلمات ، وفيها آباء ذكوريين يؤمنون بمفهوم العائلة / القبيلة ، و يكرسونها فخراً لهم .. و كأنهم يراقبون التاج على رؤوسهم يكبر .. كلما ازداد فخرهم إما بجهلهم أو برجعيتهم .. التي تأت في مائة مظهر بحياتهم اليومية منها تعصبهم الأعمى ، و ذكوريتهم ..

****
ذكرياتي في المملكة العربية السعودية كانت هادئة أحياناً ، و مخيفة .. و لكن ما أشعر به في الأراضي المحتلة يطمئنني أنه ليس بوسع النساء الاستمرار في هذا الوضع المزري إلى الأبد ..
لم تخيفني يوماً الجدران مثلما أشعر الآن و أنا أراقب الظلم الذي تعانيه المرأة العربية .. كان هناك دائماً أسوار تمنعنا عن الخروج من صمتنا .. هذه الجدران ستجعلهم يصابون بالصم ، و العمى إن لم يزيحوها عن طريقنا .. نحن قادمات .. صدقوني نحن قادمات .. و إن طال الزمن !